أفلس .. يفلس .. إفلاسا

علاء الدين العرابي

علاء الدين العرابي

عضو رابطة الإسلام العالمية

[email protected]

 أليس من المستغرب أن يتحول الحديث في الإعلام فجأة إلى قضية الاقتصاد ، وأن يدق جرس الإفلاس الاقتصادي ، بعد أن كان الحديث موجها إلى الدستور وبنوده الكارثية ؟

 من يحلل الموقف لابد أن تستوقفه عدة أسئلة .. لماذا دق جرس الإنذار بالإفلاس الآن فور الإعلان عن نتيجة الاستفتاء على الدستور ؟ .. لماذا تحول اهتمام الإعلام فجأة للحديث عن الاقتصاد مع أن الأزمة الاقتصادية تكاد تكون معروفة لرجل الشارع منذ عامين عندما كشفت الثورة الغطاء عن اقتصاد مبارك الزائف وعن حجم الفساد والدمار الكبير ؟ .. لماذا تحول حديث الأستاذ هيكل في قناة سي بي سي عن الاقتصاد في حلقة الخميس الماضي وقد كان معدا للحديث عن سيناء فقط ؟ .. وأخيرا لماذا تحول حديث رموز المعارضة فجأة من الدستور إلى الاقتصاد وإلى مشكلة الفقراء ؟

الإجابة عن هذه الأسئلة لابد أنها سوف تبعث على الريبة ، وتوصلنا إلى نتيجة حتمية وهي أن هناك مؤامرة وأن هناك من يديرها ، دعونا نتذكر معا تلك الانتفاضة الكبيرة من رموز المعارضة ضد الإعلان الدستوري – إعلان نوفمبر - ودعونا نتذكر أيضا أن إلغاء الإعلان لم ينه الأمر ، بل تحولت الانتفاضة نحو الدستور بعدما بدا أنه سيرى النور ..

سترد النخب .. أليس لديكم سوى كلمة مؤامرة ؟ وستخرج الأبواق الإعلامية لتشكك فيها مع أنها حقيقة واقعة ، فإن أحدا لا ينكر وجود عدو متربص بنا في الخارج ، ولا يشك أحد في أن هذا العدو يخطط ويدبر لإجهاض الثورة المصرية ، وعلاقة بعض أقباط المهجر بإسرائيل تملأ صفحات التواصل الاجتماعي

أما إذا تحدثنا عن الداخل فقد يرى البعض أن ما يحدث ليس بمؤامرة رغم أن المعارضة تريد أن تسقط النظام بطرق غير مشروعة ، ولكني أعتبرها مؤامرة خصوصا إذا علمنا أن تحالفا تم بين تلك المعارضة وفلول النظام السابق ، ولا يخفى أن هذا التحالف له امتداد بالخارج سواء بالتمويل أو الاستقواء ، وهذا الفعل سوف يخدم أغراض الثورة المضادة ، وقد تحدث الكثيرون عن ذلك وأصبحت المعلومات متواترة إلى حد يبعث على التصديق بها ، خصوصا إذا ارتبطت بوقائع على الأرض

 فالبداية كانت من أحداث ذكرى محمد محمود ومحاولة الاشتباك مع الداخلية ، ثم الزحف إلى قصر الاتحادية ومحاولة اقتحامه ، ثم محاولة إسقاط الجمعية التأسيسية ، ثم اسقاط الدستور من خلال حملة إعلامية منظمة لتشويهه ، وإذا لم يفلح كل ذلك فليكن السيناريو البديل ثورة جياع وتكون بدايتها بث الروع لدى المصريين بأن الاقتصاد على حافة الإفلاس ..

 وقد أدلى كثير من خبراء الاقتصاد بدلوهم منذ أن صدرت إشاعة الإفلاس ، وكانت الجملة المتكررة على ألسنتهم جميعا أن شبح الإفلاس بعيد عن مصر لأن نسبة الدين الخارجي إلى الناتج القومي في حدود معقولة لا يتعدى 12% من الناتج القومي وهذا هو المؤشر الصحيح للحكم على الاقتصاد

ولكن في نفس الوقت هم يجمعون على أن هناك أزمة اقتصادية ، ويمكن الخروج منها بسهولة باتخاذ حزمة من القرارات أهمها ترشيد الإنفاق ورفع الإيرادات وهذا لن يحدث إلا إذا حدث الاستقرار السياسي

 إذن فالوضع كما يصوره خبراء الاقتصاد ليس ظلاميا كما يريد البعض تصويره ، ولكن الحقيقة أن النخب الدائرة في الفضاء الإعلامي دائما ما تصدر لنا الظلام بدلا من أن توقد شمعة مضيئة ، وأن المعارضة الليبرالية لا تزال تحاول إسقاط الدولة ، لأنها لو كانت حريصة على الاقتصاد لاستجابت إلى نداءات الحوار المتكررة ، وحولت معركتها من فوضى الشارع والإعلام إلى ساحة العمل السياسي والإقرار بما يفرزه صندوق الانتخاب ، وهنا أشير إلى وصف إحدى الصحف البريطانية وهي مجلة " ذا ويك " للمعارضة الليبرالية بأن طبيعة خطابها النخبوي وإصرارها على عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات التي تمثل إرادة الشعب تجعلها غير مؤهلة للديمقراطية ولا تلتزم بها

 

خلاصة الأمر أن هذه المعارضة تخوض المعركة تلو الأخرى لإسقاط النظام الحاكم والمتمثل الآن في الرئيس المنتخب ، فقد تحولت من معركة الدستور وقد أصيبت فيها بالإفلاس السياسي ، إلى محاولة تسويق الإفلاس الاقتصادي إعلاميا ثم اللعب على مشاعر الفقراء فربما يؤدي ذلك إلى ثورة الجياع ، وأريد أن أذكر بأن خطاب المعارضة لا يخلوا من عبارات " الحرب الأهلية " .. " العصيان المدني " .. " ثورة الجياع " ولا يخلو من استخدام الفعل " أفلس " و " يفلس "وهذا هو بعينه خطاب المفلس.