في وحدة عمل المعارضة

عقاب يحيى

لا شكّ أن الفرق كبير بين مصطلح وحدة المعارضة، ووحدة عملها، فالأول قد يُفهم منه أنه توحيد يقرب من الاندماج وهذا أمر يخالف الهدف وواقع وجود التمايزات بين أطياف المعارضة العائدة للخلفيات الإديولوجية والسياسية والبرنامجية وغيرها، بينما المقصود دوماً وحدة العمل باتجاه أهداف محددة.. هي اليوم معروفة بتحقيق أهداف الثورة الثورية في الحرية والكرامة والعدالة، واشتلاع نظام وإرث الاستبداد والفئوية، وإقامة النظام الديمقراطي، التعددي، البديل .

ـ كثيرون يضعون اللوم فيما وصلت إليه الثورة، والبلد على ضعف، وتشتت، وخلاف المعارضة، وانقسام مواقفها، وتناحرها، وهذا جزء من لوحة كاملة، حيث أننا عندما نبحث" الأزمة السورية" وتداخلاتها، وطبيعة النظام وما فعل ، والدور الإقليمي، والخارجي، ودخول قوى كثيرة على المسألة السورية سنعرف أن حجم، او عوامل الوضع الصعب يتجاوزان المعارضة حتى لو كانت مجتمعة منذ البداية، وحتى لو توافقت على المشتركات، وعلى رؤية موحدة، وبرنامج سياسي يجد تجسيده في الميدان..

ـ ولأن العنوان يخصّ وحدة عمل المعارضة فيجدر القول بدءاً : أن مساحة الخلاف، واختلاف النظرة لمسار الثورة، والمخارج هي طبيعية بقدر ما تعبّر عن تعدد الخلفيات، والوعي، والبنى، والتقديرات، ودور عدد من الاعتبارات والتكتيكات، والتصوّرات أيضاً في النظرة، والموقف من النظام والتعامل معه ، ومع التطورات اللاحقة التي كان الانتقال للعمل المسلح وطغيانه، ونتائجه من أهمها، وموقع الحلول السياسية، وماهيتها، وعلاقتها بالعمل المسلح، ومفهوم ميزان القوى وأعمدته ووسائل تغييره، والقرار الوطني وموقعه وسبل الحفاظ عليه، وحدوده في التعامل مع الحاجات المتزايدة للثورة، والشعب، ومصير النظام ـ ككل ـ ورأسه وكبار رموزه ..

ـ على سبيل المثال والتذكّر.. فحين قيام" التجمّع الوطني الديمقراطي" بين خمسة قوى، أواخر العام 1979، وكانت البلاد في حالة انفجار نتيجة الصدام العنيف بين النظام و"الحركة الإسلامية" كان التمايز واضحاً داخل قوى التجمّع في النظرة إلى النظام وقابلياته على التغيير تحت وقع الضغوط، وفي التعامل معه . ففي حين كانت بعض القوى لا تجد سوى العمل على إسقاطه بجميع الوسائل المتاحة، كان هناك من يدعو إلى التركيز على القضايا المطلبية بحثاً عن تراكم يسمح بالتغيير المتدرّج، وهو الوضع الذي يمكن قراءته، وإن ببعض التغيّرات، منذ انطلاقة الثورة وإلى مسافة من عمرها، وإلى موقع الحلول السياسية كخيار وحيد، مثلاً، أو كنتيجة لميزان قوى تصنعه الثورة وفق مجموعة من المهام، والأسس، والميادين، وكذا الحال فيما يخصّ الموقف من رأس النظام وكبار رموزه المتورطين بالقتل..والذي عرف شيئاً من التماوجات المرتبطة بالمسارات، وبقوة، وحال الثورة، والنظام.. وما يمكن تسميته بالتنازلات "المشفوعة" عند البعض نتيجة تلك التطورات، والنظرة إليها، وإلى سيطرة قوى التشدد..

ـ لنعترف، والاعتراف مهم سبيلاً للتوصل إلى نتائج عملية، أن واقع المعارضة قبيل الثورة، ومع انطلاقتها ـ داخل وخارج ـ لم يكن يسمح لها، حتى لو كانت موحدة، ومتفقة، قيادة ثورة من هذا العيار، وحجم التعقيدات والتداخلات، وأنها ـ المعارضة ـ لم تكن المخططة، والمشاركة في التحضير، ولا القائدة، وان مواقف بعضها، وعلى امتداد أشهر الثورة الأولى كان يشوبه الغموض، والحذر، والتردد، وأن الثورة، ومهما كان دور التراكم، والتضحيات السابقة مهما في اندلاعها، ليست وليد المعارضة، وأن من قام بها هم في أغلبيتهم الساحقة من شباب لا ينتمي للأحزاب القائمة، وأن أحد أهم الإشكاليات المتلاحقة تكمن في عدم وجود قيادة موحدة من صلب الثورة، وفي قطع الطريق ـ من قبل النظام ـ على إنتاج تلك القيادة لاحقاً بكل ما لذلك من آثار عليها، وعلى موقع وتموقع ودور ووحدة عمل المعارضة .

ولنعترف أيضاً أن المعارضة تعيش أزمة هي بنيوية تتجاوز فعل العقود والضمور، والتهميش، والملاحقة، وآثار النظام في بنية السوري، وطبيعته، وفي إعدام الحياة السياسية، واغتيال الحقوق البسيطة والديمقراطية كلياً، وأن انعكاسات تلك الأزمة تتجلى في مواقفها، وخلافاتها، وفي مشاعر العجز التي تعيشها، وطبيعة الحياة الداخلية، وموقع الديمقراطية فيها، ومع الآخرين ..

ـ ولنعترف ايضاً أن مفهوم المعارضة اليوم، والسعي لتوحيد عملها لم يعد قصراً على القوى التقليدية فقط حيث شهدت السنوات الأربع ولادة عديد التشكيلات الجديدة التي استمر بعضها، بينما تلاشى كثيرها، او انحسر إلى كمشة من الأشخاص . أكثر من ذلك فقوى المعارضة بالمفهوم الواقعي يتجاوز شتى القوى العاملة في الحقل السياسي إلى العمل المسلح، والثوري، والمدني، والأهلي، وإلى وجود فعاليات تقوم بدور حيوي على الأرض .. والتي تستلزم جميعها وجود هيئات، أو لجان مختصة لتقويم هذه الحالات، ووضع موازين صحيحة لحجومها ودورها، ومدى مساهماتها . كما يجدر بالذكر هنا أن مقولة المعارضة الخارجية والداخلية يحتاج إلى تدقيق، خاصة وأن ما يقرب من نصف الشعب السوري، وأكثر بات إما خارج سيطرة النظام في الداخل، أو في المخيمات واللجوء .

                                        ***

مع ذلك، وبالرغم من أهمية وعي هذا الواقع ومفرداته.. فإن عنوان وحدة عمل المعارضة يكتسي أهمية حيوية تجعله اليوم، والبارحة، وغداً في مقدمة الأولويات لمواجهة الواقع والتحديّات الخطيرة التي تعصف بالثورة والوكن من جهة، وتأمين أكبر حشد ومستلزمات لتحقيق أهداف الشعب في إنهاء نظام الفئوية والاستبداد، والبدء بعملية الانتقال الجدّي إلى النظام التعددي البديل وفقاً لحل سياسي شامل يستند إلى الشرعية الدولية وخلاصتها المقررة في بيان جنيف 1 وبنوده الست .

ـ ولئن كان شعار الحل السياسي، والانتقال إلى النظام البديل، وإنهاء نظام الاستبداد يلقى ما يشبه الإجماع من كافة القوى المعارضة على اتساع تعريفها.. فإن الخلاف حول المحتوى، والتفاصيل المهمة هما معيقان جدّيان لا بدّ من وجود اتفاق ما حولهما.

ـ الخلاف يبدأ من موقع الحل السياسي، وهل هو وحيد، ومطلق، ومجرّد من عوامل قوته التي تتجاوز الشأن الدولي إلى العامل الذاتي، أم أنه نتاج ميزان قوى تصنعه الثورة وفق ركائزه المتداخلة : العسكرية والسياسية والشعبية. ـ والخلاف أيضاَ يبرز حول الموقف من رأس النظام وفق أطروحات ثلاث، فهناك من يؤمن بالحل السياسي عبر حوار، او مفاوضات مباشرة مع النظام بكليته دون شروط مسبقة، ولا مانع عند البعض في بقاء رأس النظام لفترة انتقالية ما، بل ولدخول انتخابات رئاسية قادمة، وهناك من يؤمن بضرورة تنحية رأس النظام لكن عبر عملية تفاوضية لا تشترط ذلك مسبقاً، وعبر الرهان على ما يحدث في المفاوضات، أو الحوار، وهناك رأي ثالث يرى أن تنحية النظام وكبار رموزه من القتلة شرط مسبق للدخول في أي عملية تفاوضية..

ـ مع ذلك، ومع الإقرار بهذه الخلافات المهمة، وموقعها من أي اتفاق، أو توافق بين قوى المعارضة، ولمّ شملها.. هل يمكن لها أن تتلاقى في إطار واحد ؟....

ـ التحدّيات تلحّ على إنجاز التوافق، والوقائع والتجارب، والمشترك العام حول إنهاء الاستبداد، وإقامة البديل التعددي تسمحان بإمكانية الوصول إلى إطار جمعي يتركز على المشتركات، ويترك أمر المُختلف عليه للتفاعلات والتطورات، وعلى أن يكون ذلك تمهيداً لعقد مؤتمر وطني جامع لكافة أطر وأطراف المعارضة والثورة.. والذي من شأنه أن يكون الجهة الأقدر على رسم السياسات اللازمة، ووضع خارطة طريق يلتزم الجميع بها، مع بعض الحرية في الوسائل الموصلة لتحقيقها..

ـ نعم.. وحدة عمل المعارضة مهمة راهنة يجب أن يبذل الجميع جهده المخلص لتحقيقها، وهذا ممكن رغم تلك التباينات، والأوضاع ..