عداوة مفروضة من طرف واحد

أحمد الجمّال الحموي

أحمد الجمّال الحموي

العداوات أنواع أخطرها تلك التي يظن صاحبها أنها فرض إلهي ليس له نبذُهُ ولا التخلي عنه، وهذا الظن ما هو إلاّ افتراء على الله تعالى ووهم سراب.

والأخطر من هذا أن يصل الأمر إلى درجة استباحة دماء الأعداء والاعتقاد أن إزهاق أرواحهم وإراقة دمائهم بلا سبب قربة من أعظم القربات وأجل الطاعات.

ويزيد الطين بلة أن يكون هذا العدو متقناً للكذب وفن الخداع، فيظهر شيئاً ويبطن عكسه، يدّعي أنه من أمة الإسلام وهو يحارب هذه الأمة ويكيد لها، لكن من حسن الحظ أن بعض رؤوس هذا العدو ضاقت نفوسهم عن كتمان هذه العداوة فراحوا يصرّحون في فضائياتهم بسبِّ الصحابة سادة الأمة ويتكلّمون فيها جهاراً نهاراً بما يشوّه تاريخ خير أمة أخرجت للناس.

وقد تكون العداوة بين فريقين كل منهما يعادي الآخر، لكن هناك حال تكون العداوة فيها من طرف واحد.

أمّا الطرف الآخر فلا يخطر في باله شيء من مشاعر من يعاديه ولا من أفكاره، ولايتخيل شدّة سواد قلبه ولا امتلاءه بالقيح والصّد يد، لأنّه لا يدور في خلده أن ّ ثمة عداوة أصلاً، ولا يرى سبباً لوجودها، إنها عداوة من طرف واحد حاقد يفرضها على الطرف الآخر الغافل عنها أشدّ الغفلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وويل لمن يحسن الظن بالعدو فيحسبه صديقاً ودوداً، أو أخاً حبيباً، ولا عجب أن يلدغ من يتمتع بهذه السذاجة والغفلة من جحر عدوه مرات. ينطبق هذا الكلام على الأفراد وعلى الأمم.

والغريب أن في هذه الدنيا أمماً لا تعرف أعداءها. وإن أمة لاتعرف أعداءها جديرة أن تلدغ منهم.

وما من شكِّ أن المصائب والكوارث سوف تتوالى على أمة تجهل أعداءها وتطمئن لهم، ولا غرو أن تُبتلى بين الحين والآخر بغدرهم ومكرهم، وكم جرّ الروافض على أمتنا من مصائب، وكم أنزلوا بها من كوارث.

وتُعرف العداوة في مجال الأفراد بأساليب ووسائل، وفي مجال الأمم والشعوب بوسائل وأساليب.

وأودّ هنا أن أتحدث عن العداوة بين الأمم والشعوب وليس بين الأفراد.

ومن أعظم وسائل كشف العداوة أمران:

أحدهما الرجوع إلى التاريخ، وخاسر من يجهل التاريخ أو يتجاهله ولا يستفيد منه الدروس والعبر، وثانيهما الوقائع والأحداث الحاضرة.

فإذا كان تاريخ أمة ما، مليئاً بعداوة أمتنا، ثم جاءت أحداث الحاضر ووقائعه فأيّدت التاريخ الغابر، فقد اجتمع كاشفان، واكتملت الأدلة التي لايغضّ الطرف عنها إلاّ أعمى البصر والبصيرة.

هذا حال الروافض الذين يسمون أنفسهم شيعة مع أمّتنا. وإن العودة إلى تاريخهم الذي لايقرؤه ولايعرفه كثير من الطبقة المثقفة فضلاً عن غيرها تدلّ بشكل قاطع على العداوة وتكشف عن تاريخ زاخر بعداوة الأمة الإسلامية والعربية. ثم إذا نظرنا في الحاضر وأحداثه برز أمامنا بوضوح وجلاء استمرار العداوة وعدم تغيرها، ويتأكد لنا أن الحاضر متصل بالماضي وأن العداوة راسخة متأصلة لم تتغير ومن الصعب أن تتغيّر.

يؤكد التاريخ أن الروافض كلما ملكوا قوة سخروها في ذبح العرب والمسلمين حصراً، وإذا ماجاء عدو خارجي كانوا عوناً له علينا، ولم يسجل التاريخ أنهم وقفوا مرة واحدة مع أمتنا في محاربة الغزاة وصدّهم، بل لم يسجل أنهم وقفوا على الحياد وليتهم فعلوا.

إن سجل العداوة الرافضية سجل أسود قاتم طويل متصل الحلقات، كما أن سجل التآمر أكثر سواداً وقتامة، وهذه بعض الأمثلة، بعضها فقط:

هذا ابن العلقمي وصديقه نصير الدين الطوسي (الرافضيان) يرسلان رسالة تآمر إلى هولاكو يدعوانه فيها إلى مهاجمة عاصمة الخلافة بغداد، بعد أن خدعا آخر الخلفاء العباسيين وأقنعاه أن يسرّح آلاف الجنود بحجة أن هؤلاء يستنفدون بيت المال، وأنه لاحاجة إليهم، فمن ذا الذي يجرؤ أن يهاجم عاصمة الخلافة.

لكن هولاكو جَبُن عن الاستجابة، فقد جرّب قبل مدة أن يحتل مدينة في أطراف الدولة فعجز عنها ولم يقدر عليها، فأرسلا له رسالة أخرى فيها إلحاح على المجيء ومهاجمة بغداد بعد أن مهدا له الجو بخداع الخليفة الذي سرّح بتآمرهما أكثر الجند حتى صاروا يتسوّلون على أبواب المساجد. وبعد الرسالة الثانية تشجّع هولاكو بعد أن أدرك الواقع فجاء بالتتار ليغتال أعظم حضارة، وليقتل في أقل التقديرات مليون إنسان في بغداد وحدها.

وبعد أن دمّر هولاكو بغداد وارتكب فيها من الفظائع ما يندى له جبين البشرية تابع سيره في بلاد المسلمين يقتل ويدمر، ولربما كان القتلى أثناء اندفاعه في بلادنا إلى أن هزمه جنود مصر الأبطال في عين جالوت ملايين أخرى من المسلمين.

وليرجع من شاء إلى كتب الروافض ليجد الدفاع المستميت عن ابن العلقمي وفعلته السوداء هذه، بل يجد الإشادة بها في كتاب (الحكومة الإسلامية) للخميني حيث يعدّها (نصراً حقيقياً للإسلام والمسلمين) في الصفحة (118-119) من كتابه هذا.

فهل في الدنيا حجة يمكن الدفاع بها عن هذه الخيانة العظمى وهل في الدنيا دين يسوّغ هذا الإجرام الفظيع إلاّ دين الباطل والنذالة، وهل في الدنيا عاقل يجرؤ أن يدافع عن هذا الدمار البربري غير الروافض أعداء الإنسانية وأعداء الأمة.

وننتقل إلى عهد الدولة الصفوية حيث لم تنقطع الزيارات المتبادلة بينهم وبين أمراء الدوقيات الأوروبية للتعاون على محاربة العدو المشترك (المسلمين)، وهم أول من استعمل هذا المصطلح. ومن ثمار هذا التعاون المشترك أن الصفويين كانوا يهاجمون بغداد ويستبيحونها بطلب من أمراء الدوقيات كلما تقدمت جيوش العثمانيين في البلقان، فيتوقف الزحف وتعود الجيوش العثمانية أو بعضها لتحرير بغداد المستباحة من وحشية الحاقدين المتآمرين.

ويذكر التاريخ أنه لولا الصفويون لما استطاع البرتغاليون أن يحتلوا عُمان ذات الطبيعة القاسية والقلاع المنيعة.

وها هو التاريخ يعيد نفسه في عصرنا. فقد صرح كبار القادة الإيرانيين قبل سنوات معدودة في الفضائيات وعلى رؤوس الأشهاد وبلا حياء، أنه لولاهم لما استطاعت الولايات المتحدة أن تحتل أفغانستان. ولولاهم أيضاً لما استطاعت الولايات المتحدة أن تحتل العراق وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل(إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، وسبحان الذي أنطقهم بهذه الاعترافات.

واليوم يضيف الروافض إلى تاريخهم المظلم وحاضرهم المخزي مناصرة المجرم الكبير بشار بالمال والرجال والسلاح والتأييد السياسي، ليقتل ويدمر ولم يرتوِ القوم من دمائنا وماإخالهم سيرتوون إلاّ إذا استأصلونا.

ولا أدري ما الذي يبقي عربياً حراً على دين الروافض وهم من هم عداوة للعرب، إنها عداوة من طرف واحد، منهم الحقد الدفين وانتهاز الفرص للتآمر والذبح، ومنا التسامح وسلامة الصدر، هذه العداوة لانريدها ونتمنى أن لا تكون، لكننا لانملك إزالتها لأننا لا نملك عقول الروافض ولا قلوبهم، إن عداوتهم راسخة عميقة الجذور ومن الصعب اقتلاعها أو تخفيفها.

وبعد هذا كله لا أدعو إلى إعلان الحرب عليهم، ولا إلى أن نلوث قلوبنا النقية بمثل سخائمهم، وإنما أدعو إلى تذكر تاريخهم وعدم إغماض العين عن حاضرهم، وأحذر أمتي من الوثوق بهم مهما قالوا ومهما فعلوا ( قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر).

أيها الإخوة: إن العدو المكشوف أقل خطراً من عدو يروغ كما يروغ الثعلب، فالصهيونية العالمية والصليبية العالمية عدوان مكشوفان، وأمريكا و"إسرائيل" وكثير من دول الكفر أعداء مفضوحون وما من مسلم يجهل هذا، لكن الأخطر عداوة من يدّعي أخوة الدين والمحبة والصداقة وقلبه يتميز غيظاً علينا.

أيعقل بعد هذا كله أن نرى في أمتنا من ينخدع بهم وتنطلي عليه ألاعيبهم. ولكن مما يدعو إلى التفاؤل أن الثورة السورية المباركة فضحتهم وفضحت كثيرين غيرهم.

متى تصحو أمتنا وتعرف مرارة عداوة الروافض لنا. ويا علماء الأمة إن لم تكونوا مصابيح هدى ومنارة علم تعرّف الأمة بأعدائها فمن يكون. أيها العلماء قولوها صريحة قبل أن تلدغ الأمة مرة أخرى لدغاً مميتاً قاتلاً ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلًم والحمد لله رب العالمين.

- نائب رئيس جمعية علماء حماة

- عضو مؤسس في رابطة أدباء الشام

- عضو مؤسس في رابطة العلماء السوريين

- عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين