المشهد الطائفي السوري وخيارات المستقبل

(محاولة للفهم)

د. خالص الجلبي

سوريا ككثير من دول العالم فيها أغلبية دينية أو عرقية الى جانب أقليات ، ويكون التحدي دائما هل تسود بينهم ثقافة التعايش أم التعصب والاحتقانات والصراعات الطائفية التي تهدد المجتمعات بالتدمير على كل المستويات ( الحرب الأهلية في رواندا في التسعينات من القرن الماضي , ذهب ضحيتها خلال اسبوع واحد مايقارب ال750 ألفا قبل أن يتدارك العالم وقف تلك الحرب الفظيعة ) ( والحرب الطائفية في لبنان استمرت سنوات طويلة والحرب العراقية كذلك ولما تنتهي بعد )إذن هي محارق فظيعة لايمكن أن يدعي أحد أنه منتصر إن انتصر بلا كلفة كبيرة .

إن ثقافة التعايش الفطرية في منطقتنا بدأت تهتز بعنف في العقود الأخيرة بخاصة ، وبرز في صورة المشهد تطلع إيراني لتعزيز مواقع الشيعة في المنطقة بخاصة والعالم الاسلامي بكافة ، وأصبحت إيران تغذي الأتباع بثقافة التمرد والفعل العسكري لمد النفوذ الشيعي وتعزيز قوة التشيع ، وهي تشعر أنها حققت إنجازات مهمة ، ومنها اسقاط نظام سني معاد في أفغانستان ( طالبان ) بالتحالف مع الأمريكان وكذلك اسقاط نظام سني آخر هام وهو نظام صدام حسين في العراق ، ولنفس الأسباب إنطلقت إيران لتغذي النظام السوري الطائفي بكل أسباب البقاء والتمكين طالما أنه نظام يدخل عقديا في عباءة الشيعة فهو نظام شيعي باطني في النهاية وإن وجدت فروقات عقدية مؤثرة بين النصيرية والجعفرية لامجال لذكرها هنا ( الشيعة ثلاث فرق : الزيدية ، والإمامية الاثني عشرية ، والغلاة وهم : النصيرية والدروز والاسماعيلية ) ، وقد تعزز ذلك بمصلحة وجودية لنظام الأقلية المتحكمة بالأغلبية السنية في دمشق ، وبهذا التحالف الشيعي الطائفي شعرت إيران أنها أصبحت تتحكم بعاصمتي الخلافة السنية التقليدية في بغداد ودمشق ، وهو أمر يعتبر إنجازا تاريخيا خياليا للثورة الايرانية بعد أن فتح النظام النصيري في سوريا كل أبوابها للنفوذ الايراني الخطير حتى أصبحت سوريا رهينة للقرار الايراني في السياسة والأمن وغير ذلك ، فإذا أضفنا اختطاف حزب الله للقرار اللبنا ني تكون حينئذ قد اكتملت صورة النفوذ الايراني الشيعي الصفوي في المنطقة ، والعرب في سباتهم غارقون لاحراك أموات غير أحياء لايدرون متىيفيقون .

ولتكتمل صورة المشهد الطائفي في سوريا أعرض خلاصة عن ذلك تبين التوزيع الديموغرافي للطوائف في سوريا وتبين أوزانها العددية دون نظر الى النفوذ وصناعة القرار :

خلاصة عن إحصاءات الطوائف :

وكانت آخر إحصائية رسمية في سورية عام 1986 قد بينت أن نسب الطوائف كالتالي:

المسلمون السنة 76.1 % العلويون 11.5 % الدروز 3 % الإسماعيليون 1 % المسيحيون 4.5 % الشيعة 0.4 %وتتوزع النسبة الباقية على بقية الطوائف الصغيرة، إلا أنّ الكثيرين من المتابعين للشأن السوري يرجحون أنّ نسبة المسلمين السنة تتجاوز الـ 80 % في مقابل أقل من 9 % للعلويين، لكن لا يمكن تأكيد أي معلومة تتعلق بالنسب الفعلية للطوائف، فالتقديرات الأمريكية تشير إلى 77 % من السنة مقابل 10 % من العلويين ، أما عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق، والمنشق عن النظام منذ عام 2005 فيرى أن نسبة السنة تصل إلى 85 % مقابل 9 % للعلويين، والتركيز في الإحصائيات على الطائفة العلوية كونها هي الحاكمة حالياً تحت مسمى حزب البعث .

.ولو بدأنا بالطائفة السنية نلاحظ أنها تشكل الأغلبية في 11 محافظة من أصل 14 محافظة سورية، حيث إن الوجود السني يقل بنسب متفاوتةفي كل من اللاذقية وطرطوس الساحليتين وفي السويداء أو ما يسمى بجبل الدروز، ونسبة السنّة في المحافظات الإحدى عشرة الأخرى تتراوح ما بين الـ 70 والـ 100 بالمئة، في حين أن وجودهم في المحافظات الثلاث المتبقية يتراوح بين 10 % في السويداء والـ 30 إلى الـ 40 % في كل من اللاذقية وطرطوس .

.أما العلويون فيتركز وجودهم أساساً في المنطقة الساحلية بمحافظتي اللاذقية وطرطوس بالإضافة إلى تجمع آخر لهم غربي كل من حمص وحماة، حيث يشكلون ما نسبته 10 % من أهالي محافظتي حمص وحماة، مقابل ما يزيد عن الـ 50 % في محافظتي اللاذقية وطرطوس...

وحين نذكر نسب وجود الطوائف في محافظات معينة فإنه من المناسب معرفة حجم كل محافظة من حيث عدد السكان بالنسبة لمجموع السكان في البلاد، فمحافظة اللاذقية مثلاً ذات الأغلبية العلوية (بحدود نصف السكان) تمثل 5 % فقط من مجموع السكان في سورية، في حين أنّ طرطوس هي الأخرى لا يصل عدد سكانها إلى 4 % وذلك حسب الإحصائيات الرسمية لعام الـ 2010، أما السويداء فتشكل ما نسبته 2 %

( من تقرير بقلمعبد الله زيزان : مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية - 2012-07-05 ) 

إن النظام حاول إثارة المعنى الطائفي منذ بداية الثورة مستظهرا بالطائفة العلوية المتنفذة جدا بكل مفاصل الدولة العسكرية والأمنية والاقتصادية .... وكذلك بالظهير الشيعي المتوثب في إيران وميليشيات حزب الله وحتى الميليشيات الشيعية في العراق والخليج وحتى علوييي تركيا ( وعددهم بين 10 و12 مليون علوي ) أظهروا ولاءهم للنظام الطائفي في سوريا ، ولهم نفوذ في المعارضة التركية ،

وللحقيقة نقول إن النظام اختطف الطائفة النصيرية في سوريا طوعا أو كرها ، وأعطى معظمها الدعم والولاء للنظام الغاشم ، ومن لم يعجبه ذلك قليل غير مؤثر في السياق العام، فاصطفاف الطائفة مع النظام لاتخطئه العين ، وقد اقتنع العلويون أو انخدعوا بأن معركتهم مع السنة معركة وجودية لابد فيها من الانتصار لحماية أنفسهم من انتقام الغالبية السنية كما صور لهم ، ولذلك لم يدخر العلويون وسيلة لاذلال السنة وانتهاك جميع مقدساتهم وحرماتهم ، ربهم ورسولهم وقرآنهم ومساجدهم ومآذنهم وأعراضهم وأرواحهم بخسة ووحشية تتضاءل أمامها جرائم اليهود والتتار ، وانتفض الشعب المقهور يدافع عن حريته وكرامته ومقدساته وهو لايلوي على شيء مهما عظمت التضحيات ولو وصلت الى الذبح بالسكاكين ورمي أطنان المتفجرات على المدنيين العزل لكسر إرادة الشعب و مجاهديه الأحرار وعظم الكرب واشتد الضغط على الناس ، وانكشف حجم المؤامرة الدولية على الثورة العملاقة ،وفضحت الثورة الجميع من قريب وبعيد ، وكل ذلك ا لتحطيم الوحشي يقصد منه إنهاك الشعب والثوار ليصلوا الى التسليم لإرادة الأشرار الذين لايريدون للثورة تحقيق أهدافها كما يريد أبطالها ، وهم يظنون أن الصمت أمام هذا الايغال بدماء الشعب وتدمير مقومات حياته سيجعل السوريين يتوسلون للمجرمين من سماسرة السياسة ووراءهم الصهاينة أصحاب المصلحة الحقيقية ببقاء النظام العميل ، ليخلصوهم من هذه الحالة المأساوية ، إنهم يتوقعون أن يركع الشعب أمامهم وهو ينتظر المخلص ، إنها سياسة استعمارية لسرقة الثورات ، ولكن هيهات هيهات ،

أمام هذا المشهد الأليم قد تطرح على السوريين في اللحظة الحرجة من دهاقنة السياسة الماكرين حلول بعد سياسة الترويض والاضعاف مؤداها إختيار أحد البدائل التالية : 

 الأول التقسيم وإقامة كيان علوي في منطقة الساحل وشيء من محافظة حمص

الثاني تطييف المسألة السورية ( تذكيرا بمؤتمر الطائف ) للقبول بالمحاصصة الطائفية على الطريقة اللبنانية والعراقية ،

وهذان الخياران يظنون أن الشعب المنهك الذي مل الحرب سيقبل بأحدهما كأخف الضررين و أهون الشرين وحينئذ تسرق دماؤنا وتجهض ثورتنا وتضيع أحلامنا لاقدر الله ،

باختصار أزعم أن السوريين سيرفضون الحلين ، فالأول يعني خنق الداخل باحتلال العلويين للمنفذ السوري الوحيد على البحر ، وكذلك التوازن السكاني بين السنة والعلويين في الساحل يكاد يكون متوازنا لايساعد على التقسيم ، والكلام عن محافظتي اللاذقية وطرطوس تحديدا ، وإذا فكر العلويون بالقيام بعمليات التطهير الطائفي وتهجير السنة هناك فإن الامتداد السني من محافظة إدلب تحديدا سيرفد سنة الساحل بالمقاتلين ليجهضوا هذا المشروع ، فضلا عن أن هذا الكيان المسخ غير قابل للحياة وهو محاصر بأهل السنة من كل الجهات البرية ، وكذلك أقدر أن ليس كل العلويين موافقين على هذا التوجه ولو كان حلما قديما لبعض الآباء والأجداد .

أما الاحتمال الثاني وهو المحاصصة الطائفية على الطريقة اللبنانية فكذلك أرجح رفضه من السنة بحكم الاختلاف بين الحالة الطائفية في سوريا عنها في لبنان والعراق حيث يوجد نوع من التوازن العددي فيهما بين الطائفتين السنة والشيعة ، على العكس من سوريا حيث إن الطائفة السنية هي غالبية وتشكل من 80 الى 85 % من مجموع السكان والنصيريون يشكلون من 8 الى 10% فكيف سيقبل السنة بذلك ؟

وهنا يقفز السؤال الملح والمستعجل وهو ماالحل إذن ؟ والجواب :

لاالتقسيم ولا المحاصصة ولا الحرب الأهلية التي ستكون محرقة ممتدة لاتبقي ولا تذر ، وعلى الجميع أن يلجؤوا الى إقامة حكومة تمثل جميع فئات الشعب بعملية ديموقراطية سليمة تعطي كل مكون ديني أو قومي حجمه الحقيقي من خلال صندوق الاقتراع ، بعد سقوط أو إسقاط هذا النظام الطائفي المجرم .

فلماذا كل الشعوب الحرة رأت هذا الحل و يحرم السوريون منه بعد كل هذه التضحيات الضخمة ؟ 

أخيرا هي مني محاولة لاستشراف المستقبل ورؤيا حول التقسيم أو المحاصصة الطائفية بمناسبة الكلام عن ذلك بين الناس ، ألا ترون من المناسب تكوين رأي عام حول ذلك من الآن ؟ نسأل الله النصر والتمكين لثورتنا العظيمة والله غالب على أمره ، والحمد لله على كل حال .