مولانا الذي في الحظيرة !

مولانا الذي في الحظيرة !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

يبدو أن السيد وزير الثقافة المصري في واد ، والحكومة التي ينتمي إليها في واد آخر ، فمع أنه أزهري قح ، وأن الإسلام دين ودولة ، وأن مصر دولة إسلامية تسمى في الأدبيات التاريخية والمعاصرة : دار الإسلام وعقل الإسلام وحاضرة الإسلام ، إلا إذا كان سيادته له منظور آخر مختلف ، هذا المنظور ينتمي إلى فكر الحظيرة الثقافية التي أنشأها وزيره السابق فاروق حسني ، وأدخل فيها زمرة الشيوعيين وأشباههم لتكون حكرا عليهم يغترفون من أموال الشعب المصري المسلم ، ويفيدون منه في هجاء الإسلام والمسلمين والزراية بهم وبشريعتهم ، وتجنيد إمكانات الوزارة وأموالها التي هي أموال المسلمين لشيطنة كل ما يمت إلى الإسلام بصلة ، ووصمه بالرجعية والظلامية والتخلف ، دون مبالاة بمشاعر الأغلبية الساحقة والأقلية التي تشاطر الأغلبية ثقافتها وحضارتها .

مولانا الوزير الأزهري القح ، يخالف سلوك  الدولة وفكرها بالفعل والقول دون أن يبالي ، وقد تجاوز كل الأعراف حين استقال من وزارة الجنزوري التي كانت ستستقيل بعد أيام قليلة ليحصل على جائزة الدولة التقديرية وقدرها مائتا ألف جنية وقلادة ذهبية ، بل إنه أسهم في حصول كاتب مسلسلات وأفلام شيوعي أو ناصري – الأمر سيان – على جائزة مبارك التي سميت بجائزة النيل ، وحصل على قرابة نصف مليون جنية وقلادة ذهبية . لقد هاجم المذكور في مسلسل أمني شهير ؛ جماعة الإخوان المسلمين ، والإمام الشهيد حسن البنا ، ووصمه بالعمالة للإنجليز ، وشوه الإسلام في مسلسلاته وأفلامه ، ومع ذلك يجعله مولانا الوزير يفوز في ظل حكم من هاجمهم وأزرى بهم وشوه دينهم ورموزهم ، وبعد حصوله على الجائزة خرج ليقول : " أنا مش متفائل خير "!

مولانا الذي في الحظيرة بعد عودته إلى منصبه في الوزارة الحالية مصرّ أن يبدو نشازا في هذه الوزارة ، وأنه معارض لحكم الأغلبية ، وإذا كان هذا الأمر مقبولا بصورة وأخرى ، فإن من غير المقبول أن يصرح الوزير لبعض الصحف والمواقع ، حين سئل عن الرسالة التي يريد توجيهها إلي المهتمين بالعمل الثقافي والشباب والباحثين ؟ بالقول :

إن مصر لن تصبح ولاية إسلامية كأفغانستان مثلما يروج البعض, فقد انتهي حكم الفرد الواحد والجماعة الواحدة, والشعب بدأ البحث والقراءة وهذا شيء إيجابي وصحي, وعلينا بالثقافة فهي القوة الناعمة للتغيير.

الرجل الأزهري يعلم جيدا أن مصر دار الإسلام وعقله وحاضرته ، ثم إن تشبيهها بأفغانستان فيه خلل تاريخي ، وهو المتخصص في التاريخ ، فأفغانستان دولة إسلامية شاء الشيوعيون والليبراليون أو أبوا ، أفغانستان الجبال الشم الراسخة ، التي قهرت الغزاة الروس الشيوعيين ، والغزاة الصليبيين الأميركيين ، ومن قبل هؤلاء الغزاة جميعا الغزاة الإنجليز . أفغانستان ليست مجرد جماعة طالبان التي قهرت الأميركان الغزاة ، ومولانا الذي في الحظيرة يعرف أن أفغانستان تاريخ من المقاومة لأعداء الإسلام على مدي تاريخها الحديث والقديم .

كنت أتمنى من مولانا المتخصص في التاريخ الحديث ألا يذكر أفغانستان في مناسبة الولاية الإسلامية ، ولكن يذكرها في مجال المقاومة الشجاعة والباسلة للتوحش الاستعماري المجرم الذي لا يعرف غير شريعة الغاب والدم والنهب ، وقد كان ينبغي على مولانا الذي في الحظيرة أن يشيد بطالبان والشعب الأفغاني في تصديهم للقوة الوحشية الأولى في العالم التي تذبح الشعب الأفغاني البريء دون ذنب أو جريرة أو تحقيق ، وتشهر به وبإسلامه دون سبب .

 الوزير المحترم غاضب ممن ينتقدونه ، ولكنه لا يجد غضاضة في مهاجمة الأفغان والإخوان والحركة الإسلامية ، ويزعم أننا نعيش في زمن الكلام وكل ثلاثة أو أربعة يكونون ائتلافا أو حركة ،وبعضهم يحب الجدل وإشاعة البلبلة ويبتغي مصالح شخصية ويدعي الثقافة ويهاجم لحبه للظهور, وفي المقابل يوجد من هو محق, فكل له غرض ونحن لو التفتنا لكل هذا لن نعمل أو ننتج وستسري ثقافة البلطجة والتهرب من العمل.

وأفترض أن كلام الوزير صحيح ، مع أن صاحب هذا القلم لم يقف على بابه ولا باب من سبقوه ؛ وأسأله :ما هو العمل الذي تعمله والإنتاج الذي تنتجه؟

هل هذا العمل أو الإنتاج يتجلى في مجلة الثقافة الجديدة التي يحررها شيوعيون ويتصدر أحدث أغلفتها صورة جنرال عليه نياشين وله لحية كثة ، وبجواره عبارة : الانتصار على طالبان انتصار للإسلام ؟ 

هل هذا العمل والإنتاج يتجلى في موافقة رئيس قطاع الإنتاج الثقافي الدكتور خالد عبد الجليل على إقامة صالون أسبوعي للدكتور مصطفى النجار النائب البرلماني السابق عن مدينة نصر؛ ليخاطب من خلاله أبناء دائرته، ويهاجم فيه رئيس الجمهورية وسياسة حكمه، مخالفًا بذلك قرار وزارة الثقافة منع استخدام القاعات ودور عرض المسرح التابعة لمؤسسات الوزارة في الأنشطة السياسية ومؤتمرات الدعاية الانتخابية واللقاءات الجماهيرية سواء بالتأجير أو الاستضافة المجانية!

هل هذا العمل والإنتاج يتجلى في إلغاء الدكتور خالد عبد الجليل الندوة التي دعا إليها الرئيس السابق للمركز القومي للمسرح الأستاذ "سيد محمد علي" عن مسرح الإخوان المسلمين، بعد أن وجه الدعوات لعدد من الأساتذة الأكاديميين المتخصصين في المسرح وعدد من المهتمين بالشأن المسرحي ؟

هل هذا العمل والإنتاج يتجلى في الإصرار على أن تكون وزارة الثقافة في عهد انتهاء حكم الفرد والجماعة الواحدة ملكا للوزير الفرد وجماعة الشيوعيين وأشباههم ، ينشرون كتبهم ويتصدرون المشهد الثقافي ويحظون بالمؤتمرات والسفريات واللجان والتفرغ وحضور المناسبات الثقافية والمحاضرات الأدبية ورئاسة المجلات الشهرية والفصلية وغيرها ؟

إن مولانا الذي في الحظيرة ما زال يعيش في عهد حسني مبارك الديكتاتور المخلوع ، فقد عاش فيه طوال خمسة  عشر عاما مسئولا عن دار الكتب والوثائق ، ومن الطبيعي أن ينسى أنه يعيش في زمن جديد سقط فيه حكم الفرد والجماعة الواحدة كما يقول ، وليته يجد في نفسه الشجاعة ليعلن عن رحيله من هذه الوزارة ، وليته يكون أكثر شجاعة ليقول للمختصين : إن إلغاء وزارة الثقافة صار ضرورة ملحة لتوفير ملياراتها الأربعة من أجل البحث العلمي ، فالإلغاء لن يغير واقع الثقافة ولن يؤثر عليه .