المواقفُ الغربيةُ من الثورة السورية

مِنْ وَحْي التَّسمية:

المواقفُ الغربيةُ من الثورة السورية

محمد عبد الرازق

جمعةٌ أخرى من تاريخ الثورة، و تتباينُ الرُؤى في التسمية، و يغلب على أن تكون ( أمريكا: ألمْ يشبع حقدُك من دمائنا؟ )، ما عدا قِلَّة من المناطق التي رفعَتْ شعار ( لا هُدنةَ و لا حِوار مع القتلة ).

و ذلك في إشارة واضحة إلى تغيُّر المزاج لدى السوريين، الذين أصبحوا يَعُدُّن ضحاياهم بالمئات، بعد أن كانوا يعدونهم من قبل بالعشرات. هذا فضلاً على الدمار المُمَنهج الذي أخذت تشهده المدن، و القرى السورية من خلال براميل الموت، و أسلحة الدمار الأخرى.

 و ما كان ذلك ليكون لولا الرخصة التي مُنِحَت له من قبل المجتمع الدولي بشكل ما عاد يستدعي أُولي الألباب ليستجمعوا قواهم العقلية؛ حتى يَفُكُّوا أسرار هذه الشيفرة الموزَّعة نسخُها الثلاث بين عواصم الغرب المعنية بالملف السوري: موسكو، و باريس، و واشنطن. و من ورائها، و قبلها، و بعدها ( تل أبيب ).

لقد تماشى السوريون على خلاف ذاكرتهم المشحونة بتاريخ الغربيين في التعاطي مع قضايا العرب، و المسلمين مع جملة من المواقف صدرت عن هذه العواصم حين بدأت الثورة، توحي بأن القوم قد استوعبوا حقيقة ما يجري من التغيير في المنطقة العربية فيما سُمِّي ( الربيع العربي )؛ و بالتالي فإنهم قد انحازوا إلى الشعوب العربية بعد عقود أمضَوْها في إدارة الظهور لها نحو الحُكَّام.

و لا سيَّما بعد الخطاب الشهير للرئيس ( أوباما ) في أواخر مايو 2005م، في أثناء زيارته إلى بريطانيا، و هو ما تكرر منه في جامعة القاهرة أيضًا، حيث أعلن أن أمريكا ( و الغرب أيضًا ) قد انحازوا زمنًا طويلاً إلى الحكام العرب المُستبدين، و حان الوقت الذي سيقفون فيه إلى جانب الشعوب العربية، التي تقود عملية التغيير الشاملة في هذه الأيام.

غيرَ أن الأمر لم يَعدُ أن يكون محاولة لامتصاص الصدمة؛ فالأمور قد جاءت على خلاف توقعاتهم، و الثورات العربية قد فاجأتهم؛ فأرادوا أن يتماشَوْا مع الواقع الجديد ريثما تمرُّ العاصفة، و تعود الأمور إلى طبيعتها، و عندها سيُعاد ترتيب الأوراق من جديد، و يتمُّ التعامل مع الواقع الذي أفرزته المستجدات بما يخدم مخططاتهم من غير تغيير كبير يُذكر.

و على هذا الأساس تمّ التعامل مع الثورة السورية؛ فالأمور لم تتعدَّ جملة من المواقف اللفظية بدَرَتْ من عواصم القرار الغربي، و بتنسيق واضح بين الإدارتين: الأمريكية، و الروسية. و هم يظنون أن قصة الفيتو ( المزدوج ) لثلاث مرات ستنطلي على السوريين، و سيصبُّون جام غضبهم على ( لافروف ـ بوتين )، في الوقت الذي يظهر فيه ( أوباما ) بخطاباته المعسولة حائرًا في فهم هذا التعنت الروسي ضد مصالح الشعب السوري.

و هكذا سارت الأمور على مدى عشرين شهرًا انقضت من عمر هذه الثورة، كان الأسد خلالها يتجاوز الخطوط الحمراء؛ فتصدر أشدّ المواقف اللفظية في حقّه، و يقوم هو و حلفاؤه بالتكيّف معها، و هكذا دواليك.

 و لا ندري كيف ستكون وتيرة هذه المواقف بعد أن بدأ يستخدم أنواعًا من الأسلحة ( البايولوجية ) في عدد من المناطق المحررة على شكل خيوط قطنية، و أنواع أخرى محدودة التأثير من قبل. و هو الأمر الذي توعَّد فيه الغربُ الأسدَ بالويل، و الثبور، و عظائم الأمور في حال سوَّلت له نفسُه الإقدام عليه. و من أجل ذلك قامت أمريكا بإرسال ( 150 ) مراقبًا إلى الأردن؛ للوقوف عن كثب على تحركات الترسانة البايولوجية السورية، و هو الأمر الذي ينفيه الأردن كلما جاء ذكره.

إنَّ الأمور قد تجاوزت المعقول، و لم يبقَ ثَمَّة قولٌ موضعُ خلاف بين السوريين، في أنَّ ثورتهم قد جاءت على خلاف ما كان الغرب قد هيَّأ نفسَه له مع هذا النظام، على مدى نصف قرن منذُ أن كانت ثورة البعث الأولى في عام ( 1963م )، و حتى جاء صاحبهم ( الأسد الأب )، و من بعده ( الأسد الابن ) كمنفذٍ أمين لجملة من التفاهمات غير المعلنة بينهما، ترضى عنها إسرائيل في ختام الأمر.

و لذلك سارع النظامُ و منذ الأيام الأولى من الثورة، و على لسان رجل مال العائلة بأن ( أمن إسرائيل من أمن سورية )، و تفسيرُ ذلك متروك لصانعي القرار في هذه العواصم الثلاث، و إلاَّ فإنَّ ( نتنياهو ) حاضرٌ لمزيد من الشرح، و التوضيح حول ذلك؛ و هو ما كان عندما طار إلى واشنطن ليختلي بالرئيس ( أوباما )، و يتمّ وضع الخطوط ( الحمراء ) للمواقف الأمريكية إزاء ما يحصل في سورية.

 و كان الموقف الروسي مختلفًا قليلاً من الناحية ( البروتوكولية ) حيث حضر القيصر بنفسه إلى ( تل أبيب )، و استوعب المطلوب منه، و بناءً على ذلك كانت عملية تبادل الكراسي بينه، و بين ( الزوج المُحلِّل ) ديمتري ميدفيديف.

و ليس غريبًا أن يكون رحيل ( ساركوزي )، و مجيء ( هولاند ) في فرنسا ( صاحبة النفوذ القديم في سورية ) ضمن هذه التفاهمات.

و يغلب على الظن أن يعاد تنصيب السيد ( أوباما ) في البيت الأبيض بعد هذا الأداء المرضي عنه إزاء ما يجري على الحدود الشمالية لدولة إسرائيل.

و لو قُدِّر أن يُعدَّل الدستور الإيراني فسيعاد تنصيب ( أحمدي نجاد ) لولاية ثالثة، على غرار ما كان لـ ( هوغو تشافيز )؛ تقديرًا للدور الذي قام به كلٌّ منهما في هذه الحالة السورية.

و لربما تشهد الحالة الصينية شيئًا من ذلك في التغييرات التي ستُجرى على مستوى القيادة في الأيام القليلة القادمة.

و طالما أن الأمور على المستوى الميداني لا تجري على حسب ما يُراد لها من لدن عواصم القرار الغربي، و معهم صاحبة الجلالة ( تل أبيب )؛ فليكُن القرار أن يطول عمرُ هذه الثورة؛ وَ لْيُعطَ الأسدُ كلَّ الفرص؛ عساه ينجح في القضاء عليها.

 و إذا ما فشل في مسعاه هذا فلا أقلَّ من دمار سورية على شتى الصُعُد، و إعادتها عشرات السنين إلى الوراء، و بتكلفة إعمار تجاوزت لحدّ الآن ( مائة مليار دولار )، ناهيك عن التكلفة البشرية التي تجاوزت نصف مليون مأساة ( ما بين قتيل، و معتقل، و مفقود، و معاق، و طالب لجوء لن يعود ). و الحال على مستوى تهتُّك النسيج الاجتماعي أشدّ مرارة، و حزنًا.

و بالطبع لن يَخدَع السوريين مؤتمرٌ لأصدقائهم يعقد هنا، و هناك، و ورشةُ عمل تكون في أروقة الخارجية الأمريكية عن الإسعافات الأولية لمجموعة من النشطاء السوريين، و لقاءٌ يكون في باريس للإدارات المدنية الانتقالية في المناطق المحررة، و بضعُ ملايين من الدولارات تُنثر على جراحهم كمساعدات غير قتالية بين الحين، و الآخر ( أجهزة اتصالات لغرض مراقبة تحركات الثوار ).

إنهم يعلمون تمامًا ما يُطلبُ منهم حتى تتغير دفةُ المحرك نحوهم، و قد قيل لهم ذلك تلميحًا، و تصريحًا ( عربيًّا، و دوليًّا )، و القرائنُ على جدية ذلك أكثر من أن تحصى؛ و لا أوضحَ منها:

1ـ غضُّ الطرف عن فعال الأسد التي تجاوزت عشرات الخطوط الحمراء التي رُسِمَت له و على لسان أكثر من مسؤول، و دولة.

2ـ منعُ إيصال السلاح النوعي لهم بعد أن وصلت شحنات منه إلى تخوم سورية في ( تركيا، و الأردن).

3ـ منعُ صدور الحدّ الأدنى من قرارات الإدانة في مجلس الأمن تجاه الجرائم الإنسانية التي تطال السوريين ليلَ نهار.

فهلْ بعد هذا الذي كان من عواصم القرار الغربي تجاه الشعب السوري، و تجاه ثورته من سؤال يُقال: لماذا يرفع السوريون شعارًا لجمعتهم الأخيرة ( أمريكا: ألمْ يشبع حقدُك من دمائنا؟ )؟.