السعودية: التحديات الخارجية المتراكمة وضرورة التفكير خارج الصندوق

السعودية: التحديات الخارجية المتراكمة

وضرورة التفكير خارج الصندوق

علي حسين باكير

الملك سلمان بن عبدالعزيز في موقف لا يحسد عليه، فقد استلم زمام الحكم أمس في مرحلة تعتبر ربما الأصعب على الإطلاق في تاريخ المملكة الحديث على الصعيد الاقليمي، حيث تحيط إيران وميليشياتها بالمملكة من ثلاث جهات، وتسيطر طهران باعتراف مسؤوليها على أربع دول عربية حتى الآن، فيما تُجري مفاوضات مع الجانب الأمريكي يتوقع كثيرون أن تؤدي إلى صفقة  تأتي على حساب المملكة والخليج والعرب، وتعمّق الخلل الحاصل في خارطة موازين القوى الاقليمية لصالحها، وهو الأمر الذي قد يطلق بدوره موجة من التطرف السني على المستوى الشعبي تجاه طهران وواشنطن والدول التي يعتبرها هؤلاء متقاعسة عن مواجهة هذا النفوذ الإيراني المتغوّل والذي يتراكم منذ عقود.

ومن المنتظر أن تشكّل هذه التحديات الثلاثة المتمثّلة في صعود التطرّف المسلّح "القاعدة وداعش"، وحصار إيران للمملكة وتغوّل نفوذها إقليميا، بالإضافة إلى مصير المفاوضات الإيرانية – الأمريكية أولوية قصوى في أجندة المملكة على الصعيد الإقليمي خاصّة أنّها تحمل معها انعكاسات مباشرة وخطيرة على الوضع الداخلي للمملكة وعلى النظام السوري نفسه.

وإذا ما صح الكلام عن أنّ إقالة خالد التويجري ناجمة عن رؤية مختلفة لسياسة المملكة الخارجية في عدد من الملفات الأقليمية مؤخرا، وأنّها مؤشر على وجود تعديلات قد تنعكس على سياسة المملكة الخارجية، فهذا يعني أننا بصدد فرصة تاريخية لإعادة ترتيب الأوضاع الإقليمية بما يمنع الانهيار العربي الشامل.

خطورة الوضع الأقليمي وسرعة الأحداث والتطورات لا تحتمل أن يتم التعامل معها بالمنطق السعودي التقليدي، وهي تتطلب أن يتم التفكير خارج الصندوق وأن يتم اتخاذ قرارات شجاعة وجريئة والأهم أن يتم ذلك سريعا، إذ لا تمتلك المنطقة ترف سنوات من التفكير والاستعداد.

لكن إذا كان هناك تغيير في السياسة الخارجية السعودية، فإن الأوراق كلها ستكون جاهزة لخدمة المنظور الجديد. ربما ستعطي المملكة الأولوية لليمن بعد سيطرة الميليشيات الشيعية التابعة للحوثي على البلاد ومقاليد السلطة حيث من الممكن أن يتحوّل "عبدالملك" بسرعة إلى "نصرالله" آخر، ولكن في قلب شبه الجزيرة العربية هذه المرة، وسيكون من الصعب إعادة الوضع إلى ما كان عليه ما لم يتم التدخل سريعا

قد يتطلب الأمر  في مرحلة ما توجيه ضربة عسكرية لهذه الميليشيات لتحجيم خطرها، لكن المشكلة أن ذلك قد لا يؤدي إلى النتائج النهائية المرجوة. خاصة أن خطر الميلشيات الشيعية التابعة لإيران في العالم العربي قد انتشر كالسرطان القاتل وأصبح من الصعب مواجهته مع التمدد الجغرافي الحاصل من منطقة شمال شرق حوض البحر المتوسط وحتى باب المندب، وهو ما يفترض مواجهة الرأس مباشرة وليس الأذناب.

بالنظر إلى الخارطة الإقليمية، وللتعامل مع التحديات الآنفة الذكر، سيكون من الحكمة بمكان أن تلجأ المملكة إلى تحصين نفسها ودول مجلس التعاون بشبكة تحالفات إقليمية قادرة على تغيير موازين القوى، وهذا يتطلب النظر إلى كل من تركيا وباكستان ومصر (غير الحالية). 

هناك تطابق تام بين تركيا والمملكة في ما يتعلق بالهدف النهائي من الملف السوري والعراقي، وهناك تفهّم تركي تام أيضا لطبيعة المخاوف والهواجس التي تفرضها إيران على الخليج العربي ولا سيما في البحرين واليمن. تركيا ليس لديها مشروع ميليشياوي كإيران وليست دولة أيديولوجية، وهدفها الأول والأهم زيادة قدراتها الاقتصادية بما يتماشى مع تطلعاتها في أن تصبح لاعبا فاعلا على مستوى الاقليم والعالم

التعاون الاستراتيجي مع تركيا في الملفات السابقة الذكر بهدف الاطاحة بنظام الاسد والضغط على الحكومة العراقية لاعطاء السنّة في العراق حقوقهم سيخدم هدف المملكة النهائي في تحجيم أخطار التطرّف المسلّح كـ "داعش" من جهة، وأخطار الأذرع "الإيرانية" والنفوذ الإيراني من جهة أخرى. وسبق وأن شرحنا هذا الموقف بتفصيل أكبر في مقال "الدور الإقليمي: تجديد النصيحة للمملكة العربية السعودية". 

الحكومة العراقية في موقع ضعيف وتحتاج كل المساعدة الممكنة من مختلف الأطراف، وهذه هي اللحظة المناسبة لاستغلال ذلك بالضغط عليها عبر الانخراط أو الامتناع وبأجندة موحدة سعودية- تركية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الإطاحة بنظام الأسد الذي من شأنه أن ينعكس على نفوذ إيران ليس في سوريا فقط وإنما في البلدان المجاورة، ولا سيما لبنان والعراق.

المثلث السعودي- التركي – المصري الذي يمثّل الثقل السنّي في المنطقة مطلوب أيضا للجم جماعات التطرّف المسلّح في المنقطة وسحب ذريعة القضية الفلسطينية من إيران وحلها مرة واحدة واخيرة. لكنّ المشكلة اليوم هي في الجانب المصري. طالما أنّ النظام المصري بشكله الحالي موجود، وطالما أنّ العلاقات التركية – المصريّة معطّلة فإن دور هذا المثلّث سيكون معطّلا

الخبر الجيد هو أن تركيا أرسلت مؤشرات خلال الشهر الماضي على أنها منفتحة على نوع من العلاقة مع مصر (دون التراجع عن اعتبار ما جرى انقلابا) في حال تم إجراء بعض التعديلات التي تضمن وقف انتهاكات حقوق الإنسان، والتراجع عن الأحكام المجحفة، والإفراج عن المعتقلين وإتاحة الفرصة أمام المواطنين للتعبير عن إرادتهم الحرة على المستوى السياسي والاجتماعي والتوجه الديمقراطي

وإذا ما صحت التقارير التي تقول بأنّ الملك سلمان ومن معه ليسوا متحمّسين للنظام المصري بالقدر نفسه الذي كان عليه الأمر مؤخرا، وأنهم لا يحملون نفس الكم العدائي للحركات الإسلامية التي تمارس العمل السياسي الذي كان يحمله التويجري لهم، فهذا يعني أنّ الأرضية المشتركة بين إيجاد حل للوضع المصري باتت متوافرة. وحتى لو لم يكن الأمر كذلك، فإني أعتقد أنّه يجب الدفع باتجاهه كما سبق وشرحت جزءاً منه في مقالي "هل ستدفع التحديات الجيو-أمنية الإقليمية السعودية والإخوان للتقارب؟".

المثلث السعودي- الباكستاني- التركي مهم أيضا. القاسم المشترك أيضا بين تركيا والمملكة هو علاقاتهما التاريخية الممتازة مع باكستان، لا مجال للإسهاب بالحديث عنها هنا في هذا المقال القصير، لكن قد يتساءل البعض: وما علاقة باكستان في الموضوع؟ وما الدور الذي من المفترض أن تلعبه وكيف؟

لباكستان دور مهم في ملفّين، الأوّل هو الملف النووي الإيراني. من المعلوم أنّه في حال فشل المفاوضات الأمريكية- الإيرانية، فإن طهران ستتجه إلى امتلاك سلاح نووي حتما خلال فترة قصيرة، ومن غير الممكن جسر هذا الخلل الفادح في ميزان القوى بين الرياض وطهران من دون الاستعانة بباكستان التي قد توفّر خيار المظلة النووية للمملكة أو ربما القنبلة النووية (يحتاج إلى مناقشة مطوّلة لكنّه غير مستحيل). كما أنّ حصول إيران على قنبلة نووية سيغير من حسابات تركيا وستتطلع أيضا إلى قنبلتها المستقلة، وهو ما يعني التلاقي مع المملكة في احتواء أو ردع إيران

أما في حال نجاح المفاوضات، فقد يتم التوصل إلى صفقة تجعل من المسار النووي الإيراني شرعيا وكذلك من النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، وبالتالي سيكون من مصلحة المملكة أن تكون باكستان موجودة في المعادلة أيضا خاصّة أنّ حلفاء الولايات المتحدة التقلييديين سيجدون صعوبة في الوثوق بها من جهة وسيكون هناك أيضا صعوبة في الاعتماد الكلي على حليف دولي آخر (كروسيا أو الصين). ولذلك فإن الترتيبات الإقليمية التي تجمع السعودية وتركيا  مع غيرها من الدول تظل مهمة للضغظ على الولايات المتحدة.

أما الملف الثاني لباكستان فهو الملف الأفغاني بما تتمتع به من نفوذ تاريخي. صحيح أنّ هذا النفوذ تراجع منذ الغزو الأمريكي لأفغانستان لكن باكستان لا تزال مؤثرة هناك، كما أنّ تركيا تعد من الدول التي تلقى قبولا سياسيا وشعبيا لدى الأفغان وقواتها هي الوحيدة التي لم تتعرض ربما إلى هجمات رغم أنها شاركت في عمليات إنسانية مع قوات الناتو هناك. من الممكن للمثلث الباكستاني – التركي- السعودي الذي يمثّل الثقل السنّي في المنطقة أن يلعب دورا في الملف الأفغاني المتروك لإيران والذي تعول واشنطن فيه على طهران، وأن يضع ضغوطا متزايدة لاحتواء طهران على الأقل من الشرق.

باختصار، المرحلة لا تحتمل مماطلة في الوقت ولا تحتمل الطرق التقليدية في المعالجة، وبناء أسواء على الحدود مع العراق، واليمن قد يحد من بعض المشاكل لكنّه لن يوقف التدهور الحاصل في الصورة الكبرى، كما أنّه لن يحمي المملكة من تداعيات التحولات الجيو-سياسية والجو-أمنية والترتيبات التي يتم إعدادها للمنطقة عبر تفاهم إيراني- أمريكي بات وشيكا كما يرى كثيرون.