رسالة عاجلة من ثوار سورية إلى ثوار اليمن

رسالة عاجلة

من ثوار سورية إلى ثوار اليمن

م. عبد الله زيزان

[email protected]

رغم ما تتعرض له سورية من قتل وتدمير ممنهج، ورغم الآلام والمآسي التي يتعرض لها الشعب السوري، حتى باتت سورية مأساة العصر بكل امتياز، إلا أنّ ما يحدث في اليمن هذه الأيام لا يقل خطورة عما يقع في سورية، رغم أنّ حجم القتل والتدمير لا يستوي بين البلدين...

وخطورة الوضع في اليمن لا تكمن في سيطرة الحوثيين مؤخراً على مفاصل الحكم في البلاد فحسب، بل في التأسيس لدولة طائفية مقيتة على غرار ما حدث في سورية منذ انقلاب حزب البعث على السلطة في البلاد عام 1963، التي مهدت الطريق للطائفيين وعلى رأسهم حافظ أسد للسيطرة على مراكز القوة في البلاد ومن ثم حكم البلاد بصورة مباشرة منذ عام 1970 حتى يومنا هذا..

ورغم ما أعلنه حافظ أسد منذ ذلك الوقت من شعارات قومية مناهضة للتواجد الغربي في المنطقة عموماً والتواجد اليهودي في فلسطين خصوصاً، إلا أنّ الواقع كان يخالف ذلك تماماً، حيث باتت اتفاقات ما تحت الطاولة مع النظام السوري من الجهات الغربية والإسرائيلية أمراً ظاهراً للعيان لا يحتاج إلى محلل أو خبير لاستنتاج ذلك، حيث كانت الثورة السورية ثورة فاضحة بامتياز، فإذا كان في السابق نخبة قليلة من الشعب السوري واعية لما يحيكه الأسد الأب والولد لهذا البلد، فإنّ أصغر طفل في سورية اليوم بات يعرف حقيقة النظام وكذب تلك الشعارات التي صدعت رؤوس السوريين أكثر من نصف قرن، والتي استند النظام إليها في كسب شرعيته داخلياً، أما خارجياً فقد استند إلى كذبة محاربة المتشددين الإسلاميين، وهو ما منحه الضوء الأخضر في الاستمرار بالحكم إلى يومنا هذا...

وهذا تماماً ما يفعله الحوثيون في اليمن، فلا تكاد تجد حوثياً إلا ويحمل شعار "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، واللعنة على اليهود"، إلا أنّ هذا الشعار لم يكن كافياً لإخافة الأمريكيين، فلم يكلفوا أنفسهم حتى بإخراج دبلوماسييهم من العاصمة صنعاء إبان دخول مسلحي الحوثيين إليها، ما يشير إلى حجم الاتفاقات والتطمينات بين الطرفين، وهو ما يؤكد بأن شعارهم لا يعدو أكثر من محاولة للحصول على شرعية داخل اليمن، في الوقت الذي لم ينس فيه الحوثيون تطمين العالم بكذبة محاربة القاعدة في اليمن...

والواقع فإن التطابق بين النظام السوري وميلشيات الحوثي لا يقف عند مجرد شعارات كاذبة بل يتعدى ذلك التطابق إلى الكثير من التفاصيل الدقيقة التي تجمع ما بين هذين الكيانين، فالكيانان مدعومان من ملالي طهران، رغم أنّ الحوثيين ليسوا من الشيعة الاثني عشرية، كما أنّ العلويين ليسوا من تلك الطائفة أيضاً، لكن تقارباً مذهبياً وتطابقاً مصلحياً كافيان لخضوع الحوثيين والعلويين لإمرة زعماء إيران تحقيقاً لمكسب السلطة حتى ولو كانت على حساب دماء الشعوب كلها...

إنّ مكمن الخطورة فيما يحدث اليوم في اليمن هو امتلاك جماعة الحوثيين لعناصر القوة والمال، بل واحتكارهما في بعض المناطق، لا سيما العاصمة صنعاء، وهي ذات الأجواء التي ساعدت الأسد في السيطرة على سورية في ستينيات القرن الماضي، حيث استطاع ابتداءً السيطرة على مصدر القوة في البلاد، فاستلم منصب وزير الدفاع لعدة سنوات تمكن خلالها من ترتيب الجيش على هواه، فاشترى ولاءات كبار الضباط فيه، وأبعد مخالفيه، حتى باتت البلاد لقمة سائغة له...

والرسالة التي يود الثوار السوريون إيصالها لإخوانهم في اليمن، إن كل يوم تتأخرون فيه عن حسم أمركم في مواجهة تلك الجماعة المدعومة من إيران سيكلفكم أنهاراً من الدماء، فحين قام السوريون على نظام حافظ الأسد بعد اثني عشر عاماً من حكمه، قتل في مدينة حماة وحدها ما يزيد عن الأربعين ألف مدني، وهو ما دفع الناس للخوف والتزام بيوتهم، لكن تراجع الشعب حينها عن مواجهة الأسد كلفهم اليوم مئات الآلاف من الشهداء..

في هذه الأيام ونحن نعيش الذكرى الثالثة والثلاثين لتلك المجزرة التي وقعت في شباط من العام 1982 يتحسر السوريون لعدم استكمال مسيرتهم في تلك الأيام، حيث أن فاتورة الدم ستكون أقل، خاصة أن النظام في تلك الأيام لم يكن بالقوة التي يتمتع بها اليوم بعد ثلث قرن من الزمان...

وما يجب أن يدركه اليمنيون اليوم، أنّ المليارات التي دفعتها إيران لجماعة الحوثي لتسيطر على اليمن، لن يردعها مظاهرات سلمية تخرج في هذه المنطقة أو تلك، فلن تتراجع إيران وعملاؤها الحوثيون شعوراً بالحرج من المتظاهرين السلميين، أو خوفاً على مشاعر اليمنيين الذين يرفضون أن يُحكموا من تلك الميليشيات الطائفية...

وخلاصة القول العبارة الشهيرة "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، فما أخذه الحوثيون بقوة سلاحهم ومالهم، لن يسلموه على طبق من ذهب للشعب اليمني، ولن يتركوا البلاد لأن متظاهرين رفعوا لافتات ورقية تطالبهم بالخروج، فقد جرّب السوريون قبلكم كل تلك الأساليب "السلمية" لكن إيران ماضية في مشروعها، وطموح الحوثيين لا حدود له، كما عبر عن ذلك زعيمهم...

أيها اليمنيون، عدونا في شامنا ويمننا واحد، وخلاصنا لا يكون إلا بطرد أذناب إيران من بلادنا، وسرعة استجابتكم لمتطلبات المرحلة سيخفف العبء عن البلدين، ويشتت جهود الإيرانيين ويبدد أموالهم ومواردهم، فسينفقون أموالهم ثم تكون عليهم حسرة إن شاء الله بوعي الشعوب وسرعة فهمهم لدروس من سبقهم، والباقي عندهم...