حكومة المالكي تعلن التبعية فترفض غوث اللاجئين

والسيد هاني فحص يدعو الشيعة للتمايز عن إيران!!

زهير سالم*

[email protected]

لا تستطيع حكومة المالكي مهما تعللت أن تجد أسبابا مقنعة لامتناعها عن تقديم المساعدة للاجئين السوريين . القوى الأمنية العراقية المتعددة التي حشدتها لمنع دخول لاجئين سوريين مفترضين إلى العراق هي أكثر عددا وعدة ومصداقية من أولئك الذين حشدتهم لمنع تسرب الإرهابيين، الذين كان يرسلهم بشار الأسد للفتك بالمدنيين العراقيين الأبرياء . وقد يكون من الصعب تفسير موقف المالكي آنذاك ، واكتفائه بالاحتجاجات الصوتية دون القيام بأي جهد حقيقي لقطع الطريق على أفواج الإرهابيين كما يفعل اليوم مع مجرد تخوف أفراد من تسرب لاجئين محتملين . ربما مجاميع خائفة من النساء والأطفال .

ولا يمتري عاقل أن الأسباب التي تطرحها حكومة المالكي لتعليل موقفها هي أعذار واهية لتغطية تبعيتها المباشرة لمرجعية طهران .  يدرك المالكي وشركاه أن ( شرق سورية - غرب العراق ) هي مسرح لعشائر عربية ممتدة . ولنسيج اجتماعي موحد . وأن الاعتذار بالحر والبرد بالنسبة لأبناء المنطقة نفسها كلام لا معنى له . وإن التذرع بالتصحر لا يدلل إلا على تصحر في أخلاق حكومة المالكي ومرجعيته التي ترسم له السياسات ، والتي لا يملك حيالها إلا الإذعان . والعجيب أن هذا التصحر يعبر عن نفسه بموقف واحد في لبنان وفي العراق مع اختلاف التعابير واختلاق المعاذير . ويبقى الفرق بين الموقف في لبنان والموقف في العراق أن حسن نصر الله يعلن عن نفسه بفخر أنه تلميذ في مدرسة الولي الفقيه ، بينما يظل السيد المالكي يتمارى في هذه الحقيقة التي لم تعد تخفى لا على كبير ولا على صغير .

ومهما يكن من أمر فيبقى حق الأشقاء وأبناء العمومة من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان السوريين الذين قد يدفعهم الخوف غربا كما دفع ملايين العراقيين من قبل شرقا ؛ قائما في أعناق رجال عشائر الأنبار الذين بهم يلوذ لا بالمالكي ولا بحكومته الخائفون هؤلاء. و عشائر الأنبار وشيوخها وحدهم هم أصحاب الولاية الحقيقية على الموقف ومنهم لا من غيرهم ينتظر الشعب السوري أن يسمع فصل الخطاب .

من جهة أخرى تبقى سورية على ما مسها من ضر أرض سهل و رحب وأمن وأمان لكل الأشقاء العرب بمن فيهم الأشقاء العراقيون . لا يضام نزيلها على أي خلفية من الخلفيات ، وإن أحب أن يعبث بمخاوفهم العابثون . والثورة السورية  تعبير عن طموح الشعب السوري إلى الحرية والعدل والكرامة . وليس في اجندتها العدوان على أي إنسان على أي خلفية تتعلق بدينه أو عرقه أو جنسيته أو مذهبه . والتخويفات التي تطرح حول مصير اللاجئين العراقيين في سورية هي بعض حملات التشويش على هذه الثورة المباركة ، ومحاولة من محاولات التشكيك بها والتخذيل عنها وتشويه سمعة رجالها. وإن من أبسط ما تنتظره الثورة السورية من الأشقاء المقيمين على الأرض السورية النأي بالنفس حقيقة عن أن يكونوا أدوات بيد قوى الشر من داخل سورية أو من خارجها على السواء ..

ويبدو ما كتبه السيد هاني فحص عضو المجلس الشيعي الأعلى في لبنان إطارا للحقيقة يستحق التنويه والتشجيع ..

نعم إنه من الصعب لعاقل أن يقبل أن تحتكر مرجعية دينية أو سياسية أو حزبية تمثيل الجم الغفير من الناس على خلفية انتماء مذهبي أو ديني أو عرقي . ولاسيما إذا كان هؤلاء منتشرين على جغرافيا سياسية ممتدة ومتعددة الانتماءات . لا يمكن أن يكون أتباع الدين أو المذهب أبدا على طريقة ( كل يهودي إسرائيلي بلا نزاع ) . دائما كان البشر وإن جمعهم انتماء واحد ( ليسوا سواء ...) كما عبر عن هذه الحقيقة القرآن . وكل الذي طالب به السيد هاني فحص هو التعبير العملي عن هذه الحقيقة من قبل عقلاء الشيعة أنفسهم . الأقوام والجماعات و ( الأتباع ) هم في حقيقة أمرهم متعددي المشارب مختلفون في مراقي وطرائق التفكير والتقدير والرأي والاعتقاد . لا يمكن أن يقبل الشيعة في العالم الإسلامي وفي إيران بالذات أن تحتكر طهران تمثيلهم والنطق باسمهم في كبير أمرهم وصغيره على السواء .  كما لا يمكن أن يقبل شيعة لبنان أن يكون حزب الله والسيد حسن نصر الله معبرا عن رأيهم حتى في لون الثوب الذي يلبسون وطبق الطعام الذي يفضلون . ولا يمكن أن تتعلق إرادة ملايين المسلمين – الشيعة – في العالم بطرف أصبع مرجعية دينية أو سياسية فيقومون إذا انتهضت ، ويجلسون إذا انخفضت . جميل أن يطلب السيد هاني فحص من شيعة العالم ألا يتنازلوا عن عقولهم ، وان يمدوا جسورهم مع المتفق والمختلف على السواء .

 وحين تختار مرجعيات طهران وقيادة حزب الله في لبنان الانحياز إلى مناصرة مشروع يختصره البعض في سورية في إعلان ( لا إله إلا بشار .. ) دون ان يسمع المسلمون في سورية من تلك المرجعيات احتجاجا على ذلك الإعلان ما يوازي ربع احتجاجها على ما كتبه مثلا سلمان رشدي ...لا بد ننتظر من عقلاء الشيعة رأيا آخر في حقيقة هذا الانحياز ...

 وكذا حين تمضي مرجعية طهران ومن ورائها حزب الله في مناصرة مشروع ذبح أطفال سورية واغتصاب نسائها ، وتغطية تلك الأفعال بدعوى الانتصار لأهل البيت والثأر من النواصب أعدائهم ؛ لا نعتقد أنه يمكن لعقلاء الشيعة في العالم الإسلامي أو في العراق أو في لبنان والمهاجرين منهم إلى سورية بشكل أخص أن يغضوا عن تلك الفواجع ، وأن يغمسوا رؤوسهم بين ( المؤمّنين ) على اختيار الولي الفقهي أو الولي الحزبي . وأن يتستروا على سخط الله هذا بفذلكات عن أوهام عنتريات الممانعة التي لم تحرر أرضا ولم ترد يوما يد العدوان  ..

جميل أن يدعو السيد هاني فحص من موقعه عقلاء الشيعة أن يمايزوا أنفسهم عن هذه المواقف بيّنة النكارة قليلة الالتباس .

أهمية عملية التمايز هذه حين تصبح حقيقة ملموسة في عالم الإسلام في القرن الحادي والعشرين ، ليس فقط  أنها ستجنب الأشقاء الشيعة النتائج السلبية لتحمل مسئولية موقف لا يريدونه ؛ بل إنها ستنصب جسور لقاء حقيقية على مقتضيات التفكير الحر والعقل الرشيد .

إن أول الطريق للقاء الإسلامي إنما يبدأ في أجواء من الحوار البيني ولنقل بوضوح الحوار المعلن ( الشيعي – الشيعي ) و( السني – السني ) ليستبين كل فريق أن على العدوة الأخرى رأس جسر يمكن اللقاء معه أو العبور إليه .

كل العقلاء يبحثون عن رؤوس جسور حقيقية تمتد عليها خطوط اللقاء لمستقبل إسلامي لا تعصب ولا غلو ولا طائفية فيه . نعم نتواصل مع المتفق والمختلف ولكن على قواعد التفكير الحر وليس بالقواطع المسبقة التي تماري في الحق أمام عنق الوليد المذبوح وعرض المسلمة المنتهكة ثم يزعمون أنهم مسلمون ...

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية