تعظيم سلام للشبيحة !

تعظيم سلام للشبيحة !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

لا أنوي الحديث عن الشبيحة في أم الدنيا الذين طغوا وبغوا ، وظنوا - مع أنهم أقليات سياسية محدودة - أن الشعب المصري الطيب سيتركهم يعيدون النظام القديم بجبروته وظلمه وظلامه ومحاربته لله ورسوله ، واستهانته بكرامة الشعب وحاضره ومستقبله ، واعتماده على نمط فريد من أبواق الزور والبهتان والتدليس في فضائيات الليل وصحف النهار !

الشبيحة الذين أتكلم عنهم هم شبيحة دمشق العمرية التي كانت عاصمة العالم الإسلامي في عهد الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز ، وصارت اليوم مستباحة بالدبابات والمدفعية ، يرويها  الدم والدموع ولا تتوقف فيها منذ أربعة عشر شهرا مشاهد تشييع الشهداء !

في خبر نقلته وكالات الأنباء في3/6/3012م ؛ جاء أن رئيس الأوروجواي " خوسيه موخيكا " يشبهه المراقبون بالخليفة عمر بن عبد العزيز.. لأن راتبه الشهري 12500 دولار... ويملك سيارة فولكس فاجن ، ويفتح قصره للمشردين ويخصص 90 بالمائة من راتبه للأعمال الخيرية ،ويقول : يكفيني1250 دولارا في الشهر . ويشير المراقبون أن الرجل يجسد صورة الحاكم القريب من مشاعر الناس وقيم التضامن التي تبقى في وقتنا الراهن وخاصة في العالم العربي نوعا من 'اليوتوبيا' .

في الوقت نفسه تقريبا كانت القنوات  الفضائية تنقل خطابا كارثيا مليئا بالتهديدات والأكاذيب للفريق الركن الدكتور بشار الأسد ، يعلن فيه من دمشق أمام مجلس الشعب الذي صنعه على عين الشبيحة أن 'لا مهادنة ولا تسامح' مع الإرهاب، وأنه ماض في مواجهة 'حرب الخارج' على سورية مهما غلا الثمن !

وأكد أن الأمن في البلاد 'خط أحمر'. وأضاف مهما كان الثمن لا بد أن نكون مستعدين لدفعه حفاظا على قوة النسيج وقوة سورية'.

وتابع 'عندما يدخل الطبيب الجراح ويقطع (..) يقال له سلمت يداك لأنك أنقذت المريض'، مضيفا 'نحن ندافع عن قضية ووطن، فقد فرضت علينا معركة.. والعدو أصبح في الداخل'.

الرئيس الأرجواني يحنو على شعبه ويعرض استعمال بعض أجنحة القصر الرئاسي في العاصمة مونتفديو لتوفير المأوى للمشردين في حالة عدم كفاية المراكز الموجودة في العاصمة. والحاكم الدمشقي يهدد شعبه بالدم والنار والاستئصال ، ويشبهه تشبيها فاسدا بالمريض الذي يحتاج إلى استئصال عضو من جسده لينجو ويشفى ، ونسي أنه لا أحد يضمن أن يموت المريض تحت مبضع الجراح الفاشل ؟

الرئيس موخيكا قليل الظهور في وسائل الإعلام ولكنه يوصف بالرئيس العملي الذي يصنف بالأكثر قربا من شعبه في العالم. وتطلق عليه الصحافة 'أفقر رئيس في العالم ورئيس الفقراء' بسبب تواضعه المطلق، إذ رغم رئاسته للبلاد، فهو يقيم في منزله المتواضع ويستقبل فيه أبناء شعبه على اختلاف مستوياتهم . أما فخامة الرئيس الأسد فيصف شعبه الباحث عن الحرية والأمل بالإرهابي الذي يحركه الخارج بالرشوة ، ويتجاهل أن نصف هذا الشعب في المنافي والمهاجر منذ عهد أبيه هربا من الشبيحة العلنيين والسريين ، ومن يموت منهم في غربته لا يستطيع أن يدفن في وطنه ، وكثير من مدن بلاده وقراها تحت حصار الشبيحة العسكري المفروض بالدبابات والمدفعية والقناصة ،وكثير منها لا تجد الطعام ولا الدواء ، ومجلس الأمن عاجز أن يوصل إليهم مواد الإغاثة أو وقف شلال الدم الذي يصنعه فخامة الرئيس وشبيحته ، لأن روسيا والصين تمنعانه من اتخاذ قرار نافذ !

بعض القوميين العرب يدافعون عن دموية حاكم دمشق ، خوف أن تسقط سورية قلعة الصمود والتصدي ، أو المقاومة والممانعة ؛ في قبضة الطامعين ويتم تقسيمها ، ولكنهم – مع حسن النية – يتجاهلون أن الرجل خلع من زمان رداء القومية وارتدى ثوب الطائفية البشع وسخر جيش بلاده الذي يفترض أنه يمثل الأغلبية ، في قتل هذه الأغلبية وسحقها ، ولم يحتمل أن يقوم صبي بكتابة عبارة " الشعب يريد إسقاط النظام " على أحد الجدران ، في مدينة درعا ، فقام شبيحته بتعذيب الصبي ورفاقه بوحشية غير مسبوقة ، وفرضوا على البلدة الحكم العسكري الصارم ، وحظر التجول ، وقتلوا من خرج من داره ، وكانت النتيجة أن عبر الناس عن غضبهم ، وخرجت المظاهرات عقب صلاة الجمعة وامتدت من درعا في الجنوب إلى حمص في الشمال ثم شملت كل أنحاء سورية ، وقبل أن يرشوهم الخارج أو يسلحهم للدفاع عن أنفسهم كانوا يخرجون مسالمين في مظاهرات ليلية ونهارية يطالبون بالإصلاح الذي لم يأت ، وعندما يئسوا طالبوا بإسقاط النظام ، وكلما ازداد قتل الشبيحة لهم ، ازدادوا تمسكا بمطالبهم العادلة .. استطاع نظام الشبيحة أن يقتل حتى الآن أكثر من أربعة عشر ألفا من الأبرياء ، ولكنه لم يستطع – وهو رمز الصمود والتصدي كما يصوره القوميون العرب – أن يقتل أربعة عشر صرصارا على جبهة الجولان المحتلة!

أعلم أن بعض من يرفعون شعار القومية لهم مصالح خاصة مع نظام الأسد ، وآل مخلوف تحديدا ، ولكن من قال إن استمرار الديكتاتورية والطغيان والقهر ، يسوغ بقاء النظام بحجة المقاومة والممانعة ، ؟ هل يظل الشعب السوري محروما من الحرية والأمل إلى ما شاء الله ؟ وهل العبيد تمكنهم المقاومة والممانعة في وطن يرى أعلامه من آل مخلوف أن سقوط الأسد خطر على الكيان الصهيوني ؟

لقد اشتهر الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز بعدله وحلمه وتضامنه الإنساني المطلق مع الشعب، وكانت حياته مزيجا من أفعال الخير تبلغ مستوى الأسطورة كما يقول المراقبون الذين شبهوا الرئيس الأرجواني به . فأين الرئيس الأسد وشبيحته من هذا الرئيس أو ذلك الخليفة الدمشقي الذي لم تجد السلطة في عهده مستحقا للزكاة لأن الناس جميعا اكتفوا وأمنوا على أنفسهم وحصنوا مدنهم بالعدل ؟   

لماذا يشن الأسد حربا طائفية قبيحة ضد الأغلبية الساحقة ، ويطلب منا أن نصدق أكاذيبه التي لا تنطلي على طفل صغير ؟ لماذا يفرض علينا وعلى الأمة المظلومة أن تضرب " تعظيم سلام " لشبيحته ، وفي مقدوره أن يمضي بهدوء إلى منتجع يستريح فيه ، ويترك شعبه يقرر مصيره وحتى لا تسقط سورية في أيدي الطامعين كما يدعي مناصروه ؟

السلام لدمشق العمرية التي تكافح من أجل الحرية ؛ وسط صمت عالمي لا تشقه غير كلمات باهتة وقرارات ضعيفة ، وانشغال عربي بمكافحة شبيحة الأنظمة البائدة . ومعذرة يا دمشق !