نحو إصلاح المجلس الوطني السوري

د.مصطفى الحاج حامد

نحو إصلاح المجلس الوطني السوري

د.مصطفى الحاج حامد

طبيب وكاتب

عضو المجلس الوطني السوري

كثرت في الآونة الأخيرة المقالات والأحاديث وعلى كل المستويات التي تتحدث وتطالب باصلاح المجلس الوطني السوري،أعضاء المجلس هم أكثر من ينادي ويسعى لذلك ،الدول الصديقة القريبة منها والبعيدة هي الأخرى تنادي بالاصلاح وتضغط لأعادة الهيكلة،واللافت للأمر أن كل اعتراضات المعارضة التي هي خارج المجلس ،هي الأخرى تنصب على سلبيات المجلس وتطالب بالاصلاح،وهذا أعتراف ضمني لمكانة المجلس وشرعيته رغم الانتقاد الللاذع والممانعة في المشاركة مع المجلس من خارجه.

إذا الاصلاح مطلوب من كل الجهات وعلى كافة المستويات.

بداية لا بد من الاعتراف بأن تشكيل المجلس كانت حاجة ماسة ،وضرورة ملحة.وبسبب الوضع الغير صحي و عدم امكانية إجراء انتخابات حرة ،وفقدان الثورة السورية من تراكم و تعاقب زمني يفرز من خلاله شخصيات  قيادية قوية و رمزية مقبولة تلتف حولها المعارضة بدون تردد ، لذا كان تشكيل المجلس نتيجة لمعارف شخصية ولقاءات ضيقة وتزكيات واجتهادات، أصابت أحيانا وأخطأت  أحياناً أخرى.

المجلس الوطني السوري لم يستطع الارتقاء لمستوى التضحيات ،والآمال والطموحات، التي كان يطمح بها كل من أهلنا في الداخل ،وقادة الحراك الثوري وحتى المعارضة بالخارج.هذا ما أعترف به أخيراً الدكتور برهان غليون رئيس المجلس بعد أشهر عديدة من التعثر والفشل وتقهقر سمعة المجلس في الداخل والخارج.

أسباب فشل المجلس عديدة وكثيرة ،منها الخارجية ومنها الداخلية،ويمكن حصرها واختصارها في ثلاثة أسباب رئيسية :

1-أسباب خارجية: هي خارجة عن سيطرة المجلس ،الناس كلهم يطالبون المجلس بالتغلب  عليها  وتجاوزها ،ويتهمونه بالفشل لأنه لم يستطع إنتزاع مواقف مؤيدة وداعمة للثورة.أهم هذه الاسباب الخارجية  عدم وجود الدعم المادي الذي هو عصب الحياة وروح الثورة،والموقف الدولي المتباطئ أحياناً،والمتواطأ أحيانا أخرى.قوة النظام وامتلاكه لأوراق داخلية وأقليمية وعالمية لا يتوانى من استخدامها ولو أدى ذلك لحرق المنطقة بأسرها وليس سورية فقط ، التي حولها لمدن خاوية على عروشها.الدعم الروسي والصيني ،والأهم من ذلك الدعم الإيراني العراقي اللبناني المبني على المذهبية قبل المصالح الجغرافية والاقتصادية، وهنا مكمن الخطر.قد يكون المجلس مقصراً في هذه النقاط كلها،ولكن للإنصاف أيضاً يجب أن نقر بأن هذه العقبات ليس بالأمر السهل تجاوزها في هذه الحالة السورية الخاصة.

2-أسباب داخلية:تتعلق ببنية المجلس وتركيبته والأعضاء من حيث الكم والكيف ،المكتب التنفيذي وتعامله مع المجلس،الامانة العامة ودورها المعطل،المكاتب التي لم تفعل،الحسابات الشخصية والفؤوية والحزبية،الادارات الفردية التسلطية ،الكولسة الشخصية ،المحابات والحسابات المستقبلية الضيقة.

الصراحة والمهنية تدعونا للإعتراف  بواقع يكاد ينطبق على كثير من أعضاء المجلس الذين شاءت الأقدار أن يكونوا في يوم من الأيام في هذا الموقع،بدون أي تحضير نفسي أو استعداد سياسي أوتخطيط فكري وثقافي،وربما الاغلبية كانت تحلم قبل عام من هذا التاريخ بحياة هادئة  بعيدة كل البعد عن ألاعيب السياسة وأضواء الصحافة وضجيج الاعلام.رأينا هذا التخبط في بداية تشكيل المجلس وظهور شخصيات لأول مرة في حياتها أمام المحطات والصحفيين والمذيعين.هذا الموقع الجديد -ومع الأسف الشديد- دفع البعض للحفاظ عليه والخوف من فقدانه ومحاولة تقويته وتثبيته ببناء علاقات والدخول في تكتلات وتيارات وتحالفات كانت المصلحة الشخصية تتقدم على مصلحة وتفعيل المجلس إن لم نقل الثورة.لقد أنصرف الاهتمام من خدمة الثورة والتضحية لأجلها إلى سعي حثيث لضمان الموقع الحالي وضمان مستقبل أفضل في العهد الجديد. التزاحم على الصدارة جعل كثير من المكاتب معطلة ولانكون مبالغين أن الثقة بين الأعضاء والتخوف من تصدر البعض لمواقع متقدمة ،ربما جعل البعض يرجح تأخير نجاح مكتبه في سبيل ضمان السيطرة على هذه المكاسب الحالية..هذه الأمور جعلت الاعضاء ينقسمون الى ثلاثة أقسام تجاه ما يجري من تعطيل وجمود في عمل المجلس،قسم آثر السكوت وعدم الجهر بالصواب ،رضي السير ضمن هذه التحالفات والمناورات  طالما هو ضامنا لنفسه مكانا وموقع صدق عند القيادة،وهذا ما ورثناه من العهود السابقة التي جعلت الفرد يحاول أن يضمن حقوقه ومكاسبه بمحابات واتباع من يملكون القوة والقرار، لا بإثبات الذات بالعمل المثمر والمهني المفيد .ومنهم من أصابه الأحباط والقنوط من اصلاح المجلس، فقسم أنطوى على نفسه يتابع المجلس وكأنه خارجه وكأن شيئ لا يعنيه،مكتفيا بشرف الانتساب لعضويته.ومنهم من وجه وجهته للعمل على أرض الواقع خارج شمسية المجلس ،لا يربطه بالمجلس سوى العضوية الرسمية، أغلب هؤلاء هم من لا يعنيه أستمرار المجلس او سقوطه ،لأنه يعرف مكانته على أرض الواقع وشعبيته بين الثوار.أما الشريحة الكبرى-وهنا الأمل والتفاؤل-في الشخصيات التي آثرت أن تكون لها كلمة الحق والصواب مهما آلمت الآخرين،وكانت مطالباتها المستمرة بالاصلاح والتنظيم والتفعيل..

3- الممانعة والتمنع ورفض التعاون من قبل المعارضة التي بقيت خارج المجلس :

المتابع للثورة السورية يجد حالة أستثنائية تكاد لاتوجد إلا عند السوريين،هذه الميزة معضلة ثورتنا ومن أكبر عوائق دعم المجلس والثورة ،نذكرها إنصافا للمجلس الذي ربما لم يتسطع التواصل مع كل أطراف المعارضة ، التنافس على المقدمة والواجهة ، وعدم مد يد المساعدة إلا إذا كان هو صاحب الفكرة والمبادرة ورئيس اللجنة وعضو الهيئة المؤسسة ومن اللجنة التحضيرية  وفي بداية الركب واسمه في رأس القائمة.في كل يوم نسمع عن تكتل جديد وتيار وليد،السعي الحيث لتشكيل مجلس وطني حر وبرلمان وحكومة ظل ومجالس محلية ومنظمات مجتمع مدني كلها مؤشرات قد تكون صحيحة لكن عندما  الحرص على التواجد في المقدمة هو المحرك و الدافع الرئيسي تنقلب الحالة الصحية الى مرضية في أحيان كثيرة. يتهجم على المجلس وينتقده ليل نهار،لكنه بالوقت نفسه لا يعارض البتة أن يكون هو من أعضاء هذا المجلس الذي لا يضن بكل الاتهامات والمسبات والتخوين بحقه. علاقة الحب والكره في نفس الوقت .فلا المجلس أستطاع مد يده لمن بقي خارجه ليستوعبه ويحفزه للعمل معه من خارج المجلس ،ولا تلك الشرائح من المعارضة كانت تملك أي استعداد نفسي وسعة صدر لدعم المجلس بكل ما تملك كمساند ونصير وداعم من خارجه بدون الانضمام له.

زيادة أعضاء المجلس الوطني ، وضم أغلب وجوه المعارضة تحت سقفه  ،أواختزال العدد الموجود لأمكانية التعاون والتواصل بسهولة مع العدد الفعال المتبقي .

نظريتان متعاكستان ينادي بهما كثير ممن هو مشغول بإعادة هيكلية المجلس وتفعيله.وهما المنطلق الوحيد لكلتا النظريتان.

الرأي الاول لا يرى المشكلة في العدد، ويرى الاضافات الجديدة هي إثراء للمجلس، وزيادة لقوته ورص لصفوف المعارضة، وتفويت الحجة على الدول المطالبة بتوحيد المعارضة,ولايهم بعد ذلك أن يصل العدد لخمس مائة أو أكثر،بل هناك من يقول أن الثورة بحاجة لأكثر من هذا العدد حيث نعيش حالة ثورة وصراع مع نظام يملك أجهزة ووزارات ومال وموظفين وخبرة وتجربة عدة قرون.

أما الرأي الثاني فيقول أن كثرة الأعضاء المعطلة أصلاً هي عبئ على المجلس، تعيق تحركه وتواصله وتشل نشاطه،وتؤخر إتخاذ القرارات وتنفيذ الخطوات ،يكفي ربع أو ثلث العدد الموجود ليقوم بدور المجلس ،ويبقى بقية الأعضاء يعملون من خارج المجلس.

أختزال العدد وتقليص الأعضاء أمر يجب عدم الخوض به برأيي لصعوبة الحصول على نتيجة بسبب الواقع والظروف والقانون والنظام الداخلي للمجلس وخطورة المجازفة في هذا الاتجاه.وزيادة المجلس بدون ضوابط ومعايير علمية واقعية منطقية ،يقودنا لمنظمة وهيكلة ومشاكل لها بداية ولانهاية لها.الحل يكمن في ضم أعداد محددة لا تتجاوز قادة ورموز الكتل الحقيقية المتبقية بدون الرضوخ تحت أوراق الابتزاز والضغوط الداخلية والخارجية.

 يبقى الحل الأساسي هو بيد المجلس الوطني وبيد الأعضاء منهم بالذات.

من هذا الاستعراض نجد أن المجلس هو الكيان الوحيد المؤهل لقيادة المرحلة الحالية  والمقبلة  رغم كل ما قيل ويقال عنه من سلبيات واتهامات.

ومن هنا  نستنتج أن المشكلة ليست بالعدد فقط ،ولا المكتب التنفيذي فقط ،ولا التوافقية فقط.أنها مزيج من كل هذه العناصر مجتمعة. ويبقى الإنسان هو المفتاح الوحيد  لكل هذه المشاكل.ومن أجل الحل يجب التركيز على هذا العنصر البشري الذي هو أساس النجاح والضامن الوحيد للوصول للهدف المنشود.

 

المجلس يضم بين جناحيه كفاءات وكودار بشرية  مميزة  وأصحاب أختصاصات  فذة على كل المستويات وفي كل المجالات ،وغالبية هؤلاء الأعضاء هم غير راضين عن الوضع الحالي، ولديهم الاستعداد للتضحية والتفاعل لأجل إصلاح المجلس وأعادة الثقة به من جديد .هذه الشريحة هي المؤهلة للقيام بمهمة الإصلاح والتنظيم والتفعيل من جديد.لكن تحتاج للشجاعة ولزمام المبادرة,هذا لايعني –بالطبع- عصياناً داخل المجلس ولا أنقلاباً على قيادته أبداً ، بقدر ما هو قوة إيجابية ضاغطة نحو الأفضل، والدفع للتفعيل والإصلاح. ومن أهم مقومات النجاح لهذه الخطوات الإصلاحية ،أن يبتعد الجميع عن الحظوظ الشخصية والمبادرات الفردية الاعلامية،والتعالي على الانتماء السياسي والذوبان لأجل المصلحة العامة،وإن كان لابد من الانصياع للنزعة الإنسانية فلتكن الاولويات الثورة أولا والمجلس ثانيا والكتلة ثالثا ثم المصلحة الذاتية.التعاهد على التعاون والعمل بروح الفريق المتكامل والمؤسساتي المهني،إعادة إنتخاب المكاتب من جديد وتحديد مسؤوليات المدراء قبل اعطاء الصلاحيات المقننة المحددة بضوابط  قانونية حتى تصبح الادارة تكليف لا تشريف،توزيع المهام والصلاحيات لكل الاعضاء ومنحهم حق المساءلة والمحاسبة لكل من يقصر بعمله من مدراء ولجان .التأكيد على مبدأ الانتخابات واختيار أصحاب الكفاءات وتكافؤ الفرص بين كل الأعضاء.إشراك كل الأعضاء وبدون استثناء كل حسب مكان تواجده وحسب اختصاصة ومجال عمله ،بغض النظر عن إنتمائه وتوجهه لأخذ دور فعال في عمل المجلس. عدم حصر التمثيل والوظائف بالمكتب التنفيذي والأمانة العامة ،تشكيل لجان ظل  تطوعية  تقوم بالدراسات وتقديم الاقتراحات وتتابع عمل المكاتب وتقدم الانتقادات وتطلب المحاسبة في حال أي تقصير.إجبار مدراء المكاتب بالدوام الرسمي في حال تفرغهم ومطالبتهم بتقديم تقارير دورية شهرية على الأقل عن سير عمل المكتب والخطط المطروحة للأشهر القادمة بشكل أخص وليس الماضية فقط.

وأخيرأ الروح الإيجابية والثقة بالنصر والنجاح إذا امتلكتها هذه الشريحة فهي قادرة على ضخ دم التفاؤل من جديد في جسد المجلس الوطني ليستعيد عافيته ويسترد الثقة من قبل الثوار والشعب وليقود البلاد الى بر الأمان قبل أن تتخاطفها الأيادي الأجنبية وما أكثرها.

فهل نستشعر عظم المسؤولية والأمانة وننهض للقيام بالواجب ، أم ننتظر السيل العارم ليجرفنا الى حيث لا ندري ونندم يوم لا ينفع الندم؟