الطبعة السورية من شيطان القاعدة

الطبعة السورية من شيطان القاعدة

د. حمزة رستناوي

[email protected]

 تقوم بنائيّة هذه المقالة على طرح ثلاث تساؤلات فيما يخص الثورة السورية و تنظيم القاعدة , مع محاولات للإجابة عليها.

(1)

التساؤل الأول : هل الظروف مناسبة لنمو تنظيم القاعدة في سوريا؟

ربّما تكون الظروف المناسبة - المُخطّط لها من قبل السلطة و غير المُخطّط لها - لنمو و انتشار الجماعات السلفية الجهادية كتنظيم القاعدة و مشتقاته متوفّرة حاليا في سوريا , و يمكن اجمال هذه الظروف بما يلي :

- انغلاق الأفق السياسي للثورة السورية و عدم ظهور بوادر سقوط للنظام الاستبدادي .

-الممارسات الوحشية ذات الطبيعة الثأرية الانتقاميّة للنظام الاستبدادي و أجهزته و مليشياته , تدفع الأفراد الذين وقع عليهم العنف أو أقاربهم إلى المعاملة بالمثل , و طلب الثأر من الأفراد المنتسبين للسلطة أو الفئات الاجتماعية الموالية لها , و بالتالي الانحراف عن المسار السياسي و الأخلاقي المفترض للثورة.

-الغرور و الزهو بامتلاك القوة , و ضعف الوعي السياسي لدى فئات من الشباب بحيث تراودهم أوهام بإمكانية اسقاط النظام الاستبدادي و إقامة دولة الاسلام في سوريا .. و الحلم بتأسيس حلم دولة النبي و الخلافة الراشدة..الخ.

-الطبيعة الطائفية للنظام السوري و إهانته و تحقيره لهويّة المسلمين السنّة و رموزهم سواء بتدنيس مساجدهم و هدم المآذن أو اجبار المعارضين على الكفر الصريح بالله أو القيام بطقوس عبادة بشار الأسد..الخ , و كذلك استخدامه مليشيات طائفية "علوية " لقمع الحراك الاحتجاجي و التنكيل بحاضنته الاجتماعية , و يرجّح أن تكون هذه سياسة ممنهجة من قبل النظام بغية استفزاز الشعور الديني لدى الكتلة المنخرطة بالثورة و دفعها للتطرف , بحيث يسهل الفتك بها , و بما يبرّر حرب النظام ضد شعبه دونما اكتراث محلّي و عالمي.

-قيام النظام باعتقال و تصفية و تهجير نشطاء الحراك السلمي في الأشهر الأولى للثورة و قد نجح النظام إلى حد ما في تفريغ الحراك الثوري من القيادات السياسية الوطنية خاصة فئة الشباب مثل : " غياث مطر - أنس الشغري – عمر أدلبي - محمد عرب - ياسر السليم - سهير أتاسي - أحمد الصياصنة - فدوى سليمان....." بما أتاح المجال لظهور قيادات ميدانية مندفعة غير ناضجة سياسيا تعيش ظروف مادية و نفسية صعبة و في أحيان كثيرة مخترقة من قبل السلطة .

-الاستقطاب الطائفي في الثورة السورية بحيث أصبحت سوريا ساحة لتصفية الحسابات الاقليمية و الدولية , و ساحة لإعادة انتاج الصراع السياسي البائس بين فئويّة سنّية و فئويّة شيعية , و في هذا يتحمّل المسؤولية طرفي هذا الصراع - و ليس فقط للسلطة و حلفائها – أي الدول الاقليمية الشمولية الراعية لمصالح التقديس السنّي و الشيعي.

-الثورة المعلوماتية و انتشار الفيسبوك و الفضائيات هذا أتاح سهولة تبادل و تداول الأفكار و المعلومات , و إمكانية تضخيم دور التنظيمات السلفية الجهادية , فيكفي مجموعة من عشرين مسلّح و أمير لهم يلقي خطبة عصماء مع فلم دعائي قصير تتناقلة وسائل الاعلام حتى تقنع جماهير واسعة من المشاهدين بوجود فعّال و مهيمن لتنظيم القاعدة في سوريا.

(2)

التساؤل الثاني : هل يوجد أمل بنجاح مشروع تنظيم القاعدة و مشتقاتها في سوريا ؟!

من الُمستبعد جدّاً نجاح مشروع تنظيم القاعدة في اقامة دولة دينيّة " اسلامية سنّية " في سوريا لأسباب متعددة :

- طبيعة المجتمع السوري من حيث كونه مجتمع منفتح نسبيا و متعدد عقائديا ,و التعدد يشمل أيضا الفئويّة السنّية نفسها , و المزاج العام للإسلام السنّي في سوريا ليس متطرفا بما يكفي للقبول بالفكر التكفيري أو التكفيري الجهادي .

-عدم السماح بنمو نشاطات القاعدة و تمكّنها على السلطة أو جزء من السلطة في بلد كسوريا تحتل موقع جيوسياسي هام يتشارك بحدود مع اسرائيل , و هذه مصلحة مشتركة للغرب و أمريكا و ايران و تركيا و السعودية أي باختصار مصلحة مشتركة لكل للاعبين الإقليميين و الدوليين.

-استنادا إلى طبيعة الفكر الاقصائي الذي تتبنّاه القاعدة و التجارب السابقة خلال العقود السابقة , إن مشروع القاعدة يتوافق و ينتج التدمير و التخريب و التفكيك و لا يصلح للبناء و التنمية و التوحيد على أسس المواطنة و الوطن , التجارب الفاشلة للقاعدة و مشتقاتها في أفغانستان و الصومال و العراق و اليمن و مالي لا تشكّل أي عنصر جذب للسوريين – و لا لغيرهم - بل هي قرائن دامغة على فشل و كارثيّة هكذا مشروع , و واضح أن من يدفع الثمن هو المجتمع بأسره و ليس فقط من يوالي القاعدة و فكرها.

 (3)

التساؤل الثالث : هل يمكن الاستفادة من تنظيم القاعدة في مجريات الثورة السورية؟

بل أعتقد أن العكس هو صحيح , فالقاعدة ستستفيد أكثر من الثورة السورية,لأسباب متعدّدة منها:

- المجتمعات المحلية الداعمة للقاعدة هي التي تدفع فاتورة العنف المضاد ممن تقاتلهم القاعدة سواء كانوا أطرافا محلّية أو خارجيّة , و في المثال السوري السلطة الاستبدادية مع ميلشياتها الطائفية إضافة لقوى خارجية قد يكون من المحتمل تدخّلها , و لدينا مثال مجزرة الفلوجه فمن قتل على أيدي القوات الامريكية و السلطة العراقية المتعاونة معها في الفلوجة جلّهم من المدنيين الابرياء و ليسوا من تنظيم القاعدة , و الذين يقتلون في أفغانستان و اليمن في القصف الجوي من طائرات بلا طيار جلهم من المدنيين , و في سوريا في ثمانينات القرن الماضي جلّ الذين قتلتهم السلطة في مجزرة حماة هم من المدنيين الابرياء.

- المجتمعات المحلية الداعمة أو الساكتة عن القاعدة تتحمل عبء ممارسات هيمنة القاعدة ابتداء من اقصاء الرأي الأخر و القضاء على التعددية و قمع الحريات و الحجة جاهزة التكفير و التخوين الموجب للقتل.

و كذلك تتحمل المجتمعات المحلية عبء تأمين موارد مالية للقاعدة في حروبها المستمرة سواء عبر فرض إتاوات على السكان أو خطف الشاحنات كما في العراق أو الاعتماد على زراعة الحشيش كما في أفغانستان أو الاستفادة من تمويلات خارجية مشبوهة لا تريد الخير لسوريا و المجتمع السوري.

- مشروع الدولة الدينية الأحادية هو مشروع استبدادي بالضرورة لا يقبل الرأي الآخر , و هو ضد منطق العصر العولمي الحيوي : عصر التعبير عن إرادة الشعوب

و السوريون الذين خرجوا في ثورتهم ضد الاستبداد لا أظن سيقبلون بالاستبداد أيضا و لكن تحت حجج و مبررات مختلفة.