عن الشبّيح العلوي

عن الشبّيح العلوي

د. حمزة رستناوي

[email protected]

مقال و تعقيب:

لفت انتباهي استخدام عبارة "شبّيح علوي " في الخطاب المنشور في صفحات بعض التنسيقيات , أو رسائل SMS  التي تنشرها بعض الفضائيات و كذلك في الحديث المتداول لبعض نشطاء الحراك الشعبي السوري.

*سؤال محوري و بسيط : هل نريد للثورة السورية أن تكون ثورة طائفية , أي ثورة للسنة ضد العلويين , أم نريدها ثورة وطنية لجميع السوريين ضد الظلم و النظام الاستبدادي , ثورة في سبيل الحرية والعدالة و الكرامة ؟!

على كل الشباب المشاركين في الثورة السورية و المناصرين لها الاجابة على هذا التساؤل و بوضوح .

لقد سعى النظام و منذ بداية الثورة السورية إلى تحويل الصراع من صراع بين شعب و سلطة مستبدّة , إلى صراع في المجتمع نفسه بين فئات الشعب السوري الواحد , بحيث تصبح السلطة المستبدّة هي الملاذ  و بحيث تسوّق نفسها كبديل عن الحرب الأهليّة , و لست في هذا المقال بوارد التفصيل في ذلك.

*

بالتأكيد يوجد شبّيحة ينتمون للطائفة العلوية , و أتفهّم موقف ضحايا الشبيحة وأَسَف الكثيرين كيف أن  جيرانهم و شركاء لهم في الوطن يستخدمهم النظام الاستبدادي  في حربه ضد الشعب السوري فيستحلّون حرماتهم و ينتهكون إنسانيتهم , و جزء من هؤلاء الشبيحة من هم بالفعل مدفوعين بدوافع ثأر طائفي ضد السنّة و لكن هنا ينبغي التأكيد و التذكير بما يلي:

أولاً : الشبيحة ليسوا حكرا على أبناء الطائفة العلويّة بل هناك شبيحة من كل الطوائف بمن فيهم السنّة , و عددهم ليس بقليل فما زال النظام يحظى بدعم فئات اجتماعية ضمن الفئويّة السنّية , فهل شبيحة حلب و الجزيرة علويون ؟!

و من المعروف أن النظام استخدم ولاء بعض العشائر البدوية – من السنّة - في ريف حماة و إدلب  في قمعه للحراك الشعبي و إثارة الفوضى و القيام بأعمال تشبيح .

ثانياً : عندما نقول "شبّيح علوي " و نُكثر من تَردادها و استخدامها , ففي ذلك سكوت بل لا بل  دعم للشبّيح السنّي و شبيحة  من الطوائف الأخرى , و كلهم في الجريمة سواء ,  فمن غير المتداول مثلاً في هذه الأوساط استخدام تعبير " شبّيح سنّي"

ثالثاً : ليس كل العلويين شبيحة و ليس كل السنة ثوّار في سبيل الحرية و الديمقراطية , و لا يجوز أخذ الفرد بجريرة الجماعة , و لا يجوز محاكمة الانسان على انتمائه الديني و المذهبي أو على انتماءه العائلي و العرقي , فهي أمور لم يختارها أي واحد  منّا , و هي تلازمنا منذ الولادة من دون قرار منا , و لا تزر وازرة وزر أخرى و هذا مبدأ تكرسه كل الشرائع , فالإنسان يُحاكم على أفعاله و ما كسبت يداه فقط.

رابعاً : إن استمرار و تكريس الخطاب الطائفي ضد  العلويين لا يخدم الثورة السورية بل قد يكون نقطة ضعف و مقتل لها , ففي النهاية شِأنا أم أبينا ,الآن أم لاحقا , لا بديل عن العيش المشترك بين السوريين بمن فيهم العلويون و السنة و غيرهم , و خيار التقسيم الطائفي لدولة علوية و أخرى سنية هو خيار بائس و كارثي و غير عملي , فهو يعني تهجير أو ابادة مئات الآلاف من السوريين من الطرفين و كذلك استمرار حرب أهلية بين الطرفين لأمد غير معلوم.

خامساً : الحروب الأهلية على أساس طائفي لا يوجد فيها منتصر و خاسر , فالكل خاسرون ,  و لنا في لبنان و العراق قدوة لا تُقتدى ,فما هو حال العراقيين اليوم , الشيعة منهم قبل السنة مثلا ؟

سادساً : محاربة الخطاب الطائفي لدى السنة , و العزوف عن استخدام تعبير شبّيح علوي , لا يعني محاباة أو الموافقة على الخطاب الطائفي لدى علويين , فالتصدي لأي خطاب أو مشروع طائفي يكون بتبني مشروع وطني ديمقراطي جامع للسوريين على أساس المواطنة المتساوية يحترم هويّتهم الثقافية و انتماؤهم الديني , و الاصرار على الخطاب الطائفي ضدّ العلويين  من شأنه زيادة عنف الخطاب الطائفي عند العلويين تجاه السنّة بالمقابل , و ما يتبعه  من استمرار القتل العبثي و المجاني في سبيل الشيطان.

سابعاً : بالنسبة للتشيع و الشيعة في سورية , يجب أن نكون ضد  التبشير الشيعي ليس لكون المذهب الشيعي باطل أو غير جيد , بل لكون هكذا مشاريع كان الهدف منها نشر النفوذ و الهيمنة الايرانية في المنطقة تحت ستار و ذريعة  التشيع , و لكون هكذا مشاريع تزعزع النسيج الاجتماعي الهش في بلد متعدد مثل سوريا , و علينا كذلك أن نكون ضد التبشير السنّي في مجتمعات الشيعة لكونه كذلك ذو  أهداف سياسية ,و جزء من حرب باردة سنية شيعية برعاية دول اقليمية و استثمار أمريكي صهيوني.

و الموقف السابق لا يتنافى مع احترام عقائد الناس مادامت هذه العقائد  لا تبرر الظلم , و لا يتنافى مع حرية الانسان في اختيار انتماءه الديني و المذهبي ,فلا إكراه في الدين , فإذا كان ذلك خيارا للفرد عن قناعة فهذا شأنه و على الله الحساب , و لكن ليس في سياق تبشير ديني يخدم قوى سياسية ليست بريئة ,لا تريد الخير لنا ,فنحن السوريين لنا الحق أن نعيش بوئام  على تراب بلادنا و أنّ ندير شؤوننا بأنفسنا .

ثامناً : هل يقبلْ الثوّار ضد النظام الاستبدادي و السوريين بشكل عام أن يكون التكفيريين و تنظيم القاعدة و مشتقاته  قائدا للثورة أو مهيمنا عليها ؟! و هل ثورة كهذه قابلة للنصر سواء بموازين القوى الداخلية و الاقليمية و الدولية ؟! لا أعتقد ذلك فعندها سيكون القضاء على هذه الثورة مطلبا كونيّا و سيتلقى النظام الاستبدادي دعماً بلا حدود .

ألم يستفيد السويون من درس التجربة الفاشلة للإخوان المسلمين و الطليعة الأخوانية المقاتلة في الثمانينات من القرن الماضي , و هل يشكل النموذج العراقي أو الصومالي أو نموذج دولة طالبان البائسة قدوة لنا ؟!

أم أننا في صدد بناء سوريا كدولة ديمقراطية حديثة , دولة تليق بالشعب السوري و تضحياته العظيمة , دولة نستعيد فيها مكانتنا بين أمم الأرض كمنتجين للحضارة و القيم الانسانية .

*الخلاصة : ضرورة عدم الانسياق للغرائز و العواطف , و التحلي بفضيلة الاعتراف بالخطأ و نقد الذات , و كذلك ضرورة تبني خطاب و سلوك يؤكد على الطبيعة الوطنية الجامعة للثورة السورية : كثورة في سبيل الحرية و العدالة و الكرامة  و ليس أي شيء آخر , و هذا هو الأعم الغالب في الخطاب السياسي للثورة السورية .

"موقع ألف"

&

تعقيب : الدكتور صالح مبارك

أخي د. حمزة :

أوافقك الرأي تماما.... ليس فقط من وجهة نظر وطنية بل من وجهة نظر إسلامية أيضا الظلم محرّم من أي طرف أتى ولأي طرف حصل ونحن نقوم بثورتنا المباركة ضد الظلم وليس لأن بشار علوي , إذا كانت القضية رغبة في هيمنة إسلامية سنية فكيف رضيت أغلبية الشعب السوري السنية بزعامة فارس الخوري بل إن جماعة الإخوان المسلمين كانت بين مؤيديه , ولماذا كان أغلبية السنة ضد أمين الحافظ ونور الدين الأتاسي السنيين؟

قضية الكفر والإيمان متروكة لله تعالى يحاسب عليها يوم القيامة : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ – سورة الحج آية 17 أما في قضية المعاملة الدنيوية فقد قسم الله تعالى الكفار إلى فئتين ليس حسب عقيدتهم بل حسب معاملتهم : فئة مسالمة عادلة فعلينا البر بهم ومعاملتهم بالقسط والمودة ، وفئة معادية ظالمة علينا أن نقاومهم ونعاديهم : لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ – سورة الممتحنة آيتين 8 و9 و كذلك أمرنا الله تعالى بقتال الفئة المؤمنة الباغية : وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ – سورة الحجرات آية 9لذلك فالمعاملة الدنيوية من عدل أو ظلم هي المحك لنا في العلاقة وعلى هذا الأساس كنا نقول دوما أننا لا نعادي اليهود لأنهم يهود بل نعادي من غصب حقوقنا واحتل أرضنا ومن أيده ودعمه من يهود وغير ذلك ، وقد كان لي صداقات مع يهود معادين للصهيونية وإسرائيل ولا أجد حرجا في ذلك ختاما أقول : صحيح أن نظام الأسد طائفي وربما يكون صحيحا أن أكثر العلويين يصطفّون وراء النظام ولكن ذلك لن يغير أخلاقنا ومبادئنا : "ولا تزر وازرة وزر أخرى " والمحاسبة ستكون حسب سجل الأعمال وليس حسب الانتماء الديني أو الطائفي أو العرقي أو الحزبي أو غيره

ولك مودتي