الورقة الأخيرة لدى الطائفة الاستبدادية الأسدية

الورقة الأخيرة لدى الطائفة الاستبدادية الأسدية

بين مذبحة الحولة وأخواتها.. ودير ياسين وأخواتها

نبيل شبيب

لم يعرف شعب سورية في تاريخه عبر أكثر من ثمانية آلاف عام مثل ما شهده ويشهده في فترة الأسد الصغير وأبيه عبر 42 سنة إجرامية، من صنوف الحرب الاستبدادية لتمزيق الشعب الواحد، والسيطرة بقوة السلاح الفتاك على الوطن وثرواته، ليصلوا بذلك إلى قتل الأطفال والنساء والرجال قصفا وذبحا في بلدة الحولة.. ولكن عرف ويعرف تاريخ المنطقة الحديث صورة مخزية مشابهة، كان عنوانها الأوّل مذبحة قتل الأطفال والنساء والرجال قصفا وذبحا في بلدة دير ياسين قبيل النكبة الأولى بفلسطين.

كما ارتكب غزاة فلسطين المذابح الجماعية لتهجير شعبها المقاوم، ارتكبت وترتكب العائلة الأسدية المذابح الجماعية مقترنة بالتهجير وممارسات الأرض المحروقة للقضاء على "حق العودة" ولتغيير معالم الخارطة السكانية في سورية.

وكما عمل غزاة فلسطين على تمزيق شعب فلسطين الواحد، إلى مسلمين ومسيحيين ودروز، وإلى مشرّدين ونازحين ومستعمَرين، وإلى فئات من المنتفعين والمطّبعين ليكونوا أداة لترسيخ الاغتصاب والاحتلال والاستغلال على حساب الأكثرية الكاثرة من الأحرار المقاومين، كذلك عملت طائفة الأسد الاستبدادية -وليس للاستبداد دين ولا ملّة ولا مبدأ ولا انتماء آخر سوى الاستبداد- على تمزيق شعب سورية الواحد، إلى عرب وأكراد وقوميات أخرى، وسنة وعلويين ودروز وملل أخرى، وإلى فئات من المنتفعين والشبيحة المجرمين، ليكونوا أداة لترسيخ الاستبداد والإجرام والاستغلال، على حساب الأكثرية الكاثرة من الأحرار المقاومين.

من قبل مذابح حلب وجسر الشغور وحماة وتدمر في عهد الأسد الأول إلى مذبحة الحولة بعد مذابح درعا وجسر الشغور وبابا عمرو ودوما والحولة وغيرها في عهد الأسد الصغير، كان ولا يزال جوهر الجريمة هو الاستبداد والاستعباد، وكان ولا يزال هدف الجريمة هو السيطرة والاستغلال والانتقام.

ولا غرابة أبدا أن تتلاقى على امتداد العقود الماضية الأيدي الآثمة الأسدية والصهيونية على ارتكاب مذابح يكمل بعضها بعضا، كما كان في تل الزعتر الأسدية وصبرا وشاتيلا الصهيونية، وفي اجتياح بيروت الصهيوني وحرب الخيام الأسدية.. وخلال ذلك كلّه يزوّر الصهاينة التاريخ والعقائد، للحديث عن أرض بلا شعب يحقّ لشعب الله المختار أن يغتصبها، مثلما يزوّر الأسديون التاريخ والعقائد، فيستغلّون ما كانت تعنيه موجة القومية العربية في فترة من الزمن، ليحوّلوا حزبا من الأحزاب إلى "حزب أسياد" على الشعب والوطن، ويحوّلوا أتباعهم فيه إلى شبّيحة همجيين بملابس رسمية ومدنية، وبألوان من الألقاب يطلقونها على مناصب سياسية وعسكرية وإعلامية.

وكما استغلّ ويستغلّ الصهاينة -وهم حركة قومية عنصرية- الديانة اليهودية لتجييش فريق من أتباعها وتجنيدهم فيما يرتكبون من آثام بفلسطين والمنطقة، كذلك استغلّ ويستغلّ الأسديون -وهم عصابات استبدادية إجرامية محضة- قضية فلسطين المصيرية للحديث عن مقاومة وممانعة ليصلوا بأفاعيلهم الإجرامية إلى ارتكاب ما ارتكبوه ويرتكبونه من آثام كما كان ليلة السادس والعشرين من أيار/ مايو في بلدة الحولة.

. . .

لقد انتهت حقبة العصابات الأسدية الإرهابية وأدرك رؤوسها من الأموات قبل قضاء نحبهم ومن الأحياء الذين ينتظرون مصيرا مشابها، أنها انتهت، وليست مذبحة الحولة إلا مؤشرا آخر ممّا اجتمع خلال الفترة الماضية من مؤشرات على أنّهم يحاولون اللعب بآخر ورقة انتقامية بين أيديهم.

أصبحت السيطرة على سورية مستحيلة بفضل ثورة شعبها البطولية، فبدأ العمل على انتزاع أكبر قطعة يمكن انتزاعها من أرض سورية والعمل على تطهيرها عرقيا إلا من العصابات الإرهابية المسلّحة لتتحوّل إلى "ثكنة" يتحصّنون وراء "الجدر" من دبابات ومصفحات وطائرات روسية ومدفعية وصواريخ وقذائف إيرانية، ولتتحوّل -كأرض فلسطين المغتصبة- إلى ركيزة من ركائز تجزئة المنطقة والسيطرة عليها من جانب القوى الدولية بالتعاون مع الثكنة الصهيونية.

. . .

ليست هذه المرة الأولى التي تعمل العصابات الأسدية فيها على العبث الإجرامي الدموي بالورقة الطائفية، وورقة التجزئة، ولكنها قطعت في مذبحة الحولة شوطا استعراضيا وانتقاميا استفزازيا أبعد من سواه. وكما أخفقت الغزوة الصهيونية في التمويه على وجه صراع الاغتصاب والاستعمار، ستخفق العصابات الأسدية في التمويه على وجه صراع الاستبداد والاستغلال.

الثورة التاريخية البطولية وحّدت شعب سورية.. رغم المذابح.

إنّ أبطال هذه الثورة التاريخية من الأطفال والنساء والشيوخ.. والشباب الذين بلغوا من الوعي ما لم يصل إلى مثله سياسيون محترفون ونخب "فكرية وثقافية وسياسية" معاصرة يعيش كثير من أفرادها في "أبراجهم العاجية" على هامش التاريخ والحاضر والمستقبل.. أبطال هذه الثورة لن يتحوّلوا إلى مجرمين ينتقمون من المذابح بمذابح مماثلة، وهو أوّل أهداف العصابات المدجّجة بالسلاح وبعبقرية الإجرام، منذ اللحظة الأولى لتسلّطها على الوطن وشعبه، وهو أيضا آخر ورقة بين أيديها، بعد أن وصلت القوى الشعبية الثائرة إلى ما لم تصل إليه ثورة شعبية أخرى على امتداد التاريخ، من إنجازات أشبه بالمعجزات، فأسقطت مقولات كانت تتردّد -على سبيل التخويف والإرهاب- وكأنها بدهيات لا جدال حولها، كمقولة: العين لا تقاوم المخرز!.

بلى.. الشعب الأعزل أقوى بإرادته وتصميمه وتضحياته وثورته وضرباته الموجعة من مخرز العصابات الآثمة..

بلى.. كتائب الجيش الحر أقوى بتحررها من نير السيطرة الاستبدادية من "الشبيحة الرسمية" للعصابات الآثمة..

بلى.. الثورة الشعبية التي لا مثيل لها في التاريخ أقوى وأقدر على البقاء والاستمرار من مذابح عصابات دموية همجية آثمة..

لقد وصلت هذه العصابات إلى إجرام غير مسبوق، ووصلت مناورات القوى الإقليمية والدولية إلى درجة غير مسبوقة كيلا تبلغ الثورة غايتها من جهة، وكي تتحوّل بقايا العصابات الآثمة في صيغة "دويلة" مصطنعة من جهة أخرى إلى أداة للتجزئة والسيطرة -كالثكنة الصهيونية في المنطقة- ولكن.. وصلت الثورة الشعبية البطولية أيضا إلى صورة غير مسبوقة تاريخيا من القدرة على الاستمرار والاقتراب يوما بعد يوم من تحقيق النصر الحاسم.. دون دعم حقيقي خارجي، لا يمكن أن يكون إلا مشروطا، ولا تدخل عسكري موهوم، لا يمكن أن يقع إلا وفق حسابات دقيقة لا تعبأ بغير حسابات ذاتية للربح والخسارة.

. . .

ليس هذا جديدا.. ولكن وصل مسار الثورة -أيها الثوار- إلى مرحلة مفصلية في مسار ما يصنعه شعب سورية، ولهذا يبقى ما ينادي به الثوار الأحرار من اللحظة الأولى وينادون به حتى ساعة النصر الحاسم: شعب سورية شعب واحد، وثورة شعب سورية ثورة شعبية جذرية شاملة..

إن بقي في شعب سورية متردّدون.. فيا أيها المتردّدون أنتم السلعة التي تعبث بها العصابات الإجرامية لارتكاب جرائمها ولن تكونوا من الناجين من جرائمها..

إن كان في شعب سورية "طوائف" فلتعلم كل طائفة وفي مقدمتها طائفة العلويين أنّ الجريمة لا تتمثل في تعدّد طائفي وإنّما في توظيفه لارتكاب الجريمة، فلا تكونوا أداة لعصابات أسدية آثمة لا تلتزم بدين ولا انتماء ولا خلق ولا مبدأ..

إن كان في شعب سورية "فريق" من عسكريين.. وعناصر أمن.. وموظفين.. لا يزال يخشى على نفسه وأهله من بطش الإجرام الأسدي، فليعلم أنّ هذا البطش رزح فوق رؤوسهم وأرهبهم عشرات السنين، وسيرزح فوق رؤوسهم ويرهبهم لمزيد من السنين، إن لم يكونوا هم مع شعبهم في إسقاطه والقضاء عليه قضاء مبرما..

ولهذا أيضا يبقى الواجب المقدّم اليوم على كل واجب آخر:

يا أيها الثوار اتحدوا.. ففي وحدتكم قلبا وقالبا خطوة حاسمة نحو النصر المرجو..

ويا أيها السياسيون المخضرمون والمحدثون اتحدوا.. ففي وحدتكم ما ينجيكم أنتم من المشاركة في المسؤولية عن تأخير النصر المرجو..

ويا أيها المنكوبون بعوائلكم وممتلكاتكم ومساكنكم وأعراضكم.. إنّ كل لسان يناديكم عن بعد وكل قلم يتوجه إليكم عن بعد.. لا يملك مع الدموع الدامية والقلوب المرتجفة ألما وأسى إلا أن يقول: إنكم تصنعون بمعاناتكم القصوى النصر لشعبكم ووطنكم من حولكم، والأمن لأولادكم وأحفادكم من بعدكم، شهداؤكم في جنة الخلد بإذن الله.. وأنتم مقبلون على النصر رغم الإجرام الهمجي، وعلى الأمن رغم الإرهاب الأسدي، وعلى فجر الحرية والكرامة والوحدة والعزة رغم التواطؤ الدولي والإقليمي..

والله أكبر من فرعون وهامان وجنودهما..

والله أكبر من نيرو والنمرود والصغار من أحفادهما..

والله أكبر من مرتكبي المذابحي وصانعي مبادرات الترخيص بارتكابها والتمويه على دماء ضحاياها..

الله أكبر.. والنصر لكم يا أهل سورية الثائرين، بقوّة الله العزيز الجبار..

والفجر قادم بالنصر يا أهل سورية الثائرين مهما طال الليل الآسن بالظلم والإجرام..

ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.