حكاية العنصرية في كهوف "المفقرة"

حكاية العنصرية في كهوف "المفقرة"

وبيوت "أفيغال" المترفة

مجاهد بني مفلح

يعيشون في كهوف ليس حبًا وهياماً في الحياة الأولى ، وليس أيضا نتيجة لكارثة بيئية حلت بالسكان، أجبرت قساوة الحياة على ملازمتهم ، إنهم أهالي خربة المفقرة جنوب يطا في الخليل بالضفة المحتلة .

وبنظرة سريعة إلى الاتجاه الغربي وعلى بعد كيلومتر ونصف فقط ، تكون بعضٌ من ملامح المشهد بدأت بالتشكل؛ هناك تتربع مستوطنة " أفيغال " المقامة عام ( 2004 ) بمستوى من الرفاهية العالية الذي ينعم به سُكانها ، فالماء متوافر وبكثرة ، والكهرباء لا تعرف الانقطاع ، وحدائق مزهرة ، وبنية تحتية على أعلى المستويات. والصورة  ذاتها إلى الشمال الشرقي حيث مستوطنات  "خفات معون" و"ديفيد" ، لتشكل معا سوارا يتربص بخربة المفقرة من كل جانب.

" جذورنا مُمتدة منذ عشرات السنين ، لقد وُلدت هنا ومعي ما يقارب مئة وخمسين شخصا ، موزعين على خمسة عشر عائلة  لا زالت حتى الآن  تعيش في باطن الكهوف ، وتشرب من آبار الجمع ، معاناة لا نُحسد عليها ، فالاحتلال والمستوطنون لم يتركونا بحالنا " ، بهذه الكلمات بدأ رئيس تجمع خربة المفقرة محمود الحمامدة حديثه .

وأضاف  "لم يكتف الاحتلال بمنعنا من رؤية الشمس ، بل رحلنافي عام (1999) إلى الغرب من خط "الستين" ، وبعد استئناف المعارك القضائية في أروقة محكمة الاحتلال العليا ، صدر قرار ببطلان الترحيل، وتم إرجاعنا إلى الخربة بعد ستة أشهر من الغياب القسري".

" عام (2006) قررنا الخروج من باطن الارض ، لننعم بنور الشمس الذي افتقدناه ، بعد تقديمنا كافة الأوراق الثبوتية لملكيتنا للأرض ، قدمنا أوراقنا  للدوائر "الإسرائيلية" للحصول على رخص البناء، ققوبلت بالرفض، متذرعين تارة بأننا بدو رُحّل لا ينبغي علينا الاستقرار في مكان ما ، مع العلم أننا لسنا كذلك، وتارة أخرى بأنها منطقة مخصصة لإطلاق النار ولا يجوز البناء فيها ، وفي ذلك تناقض واضح! فكيف يُسمح للمستوطنين في " افيغال ، وخفات معون  و ديفيد " بالبناء  ونُمنع نحن من ذلك؟ مع أننا في نفس المنطقة الخاضعة للسيطرة الاسرائيلية والمُسماة  منطقة (ج)، فالمستوطنون ليسو أكثر إنسانية منا " يقول الحمامدة

عشرة أشخاص يتقاسمون كهفا بمساحة (40 مترا) أو يزيد، لا تعرف الشمس طريقها إليه،  رطوبة عالية، وانعدام للتهوية، أمام ذلك عزم أهالي خربة المفقرة وبمساعدة متضامنين على بناء ثلاث غرف ومسجد من الطين والحجر.

ولم تُعمر أبنيتهم طويلا أمام ظلم الاحتلال الذي لا يعرف منطقا وحدودا ، فكان المسجد ومعه الغرف الطينية على موعد مع الهدم  في تشرين ثاني / نوفمبر عام (2011)،  دون أي قرار مسبق، واعتقل الاحتلال عددا من أفراد الخربة، لم يُفرج عنهم إلا بكفالة مالية.

أمام هذا الواقع العنصري الذي فرضه الاحتلال ، أطلق مؤتمر بلعين السابع ، بحسب الناشط في اللجان الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان محمود زواهرة  "حملة إعادة البقاء لاعادة الحياة"، في محاولة للفت أنظار العالم لمأساة السكان في المفقرة والخرب الـ (12) المحيطة بها ، المعروفة بمسافر جنوب يطا.  وتضمنت الحملة  بناء بيت جديد كل سبت، لإيواء إحدى العائلات الخمسة عشر التي تسكن المفقرة ، بمساعدة شباب متضامنيين فلسطينيين وأجانب، وستستمر الحملة حتى نهاية العام الحالي .

في التاسع عشر من مايو / أيار الماضي  ، وللمرة الاولى انتقلت إحدى العائلات إلى السكن في بيت شيده المتضامنون، ما لم يطب لقوات الاحتلال التي داهمت المكان ووزعت إخطارات بوقف العمل. و أمس السبت ، كانت عائلة أخرى على موعد مع الانتقال من ظلم الاحتلال إلى نور الشمس ، من خلال البيت الطيني الذي شّيده  ما لايقل عن 80 ناشطا فلسطينيا وأجنبيا تواجدوا للمساهمة في رفع الظلم الواقع على أهالي الخربة .

ويشير زواهرة إلى أنه بالتوازي مع العمل على الأرض لاعادة البقاء لأهالي المفقرة ، فإن طاقم محامين يعمل على متابعة القضية في المحاكم "الإسرائيلية" .

خربة المفقرة ، حكاية تستصرخ الضمير الإنساني الغائب ،وتُظهر التفرقة العنصرية التي يُمارسها المحتل بأبشع الصور قساوة ، إنها حكاية الارض والشعب الذي ما فتئ يقول على لسان أهالي المفقرة :"سيهدمون ونحن سنبني .. ".

خربة المفقرة/ عدسة فادي العاروري