الشباب إلى أين؟

الشباب إلى أين؟

م. محمد يوسف حسنة

تتزاحم الساحة الفلسطينية بمبادرات شبابية فلسطينية، حتى أصابت التخمة جزءاً كبيراً من الشباب الفلسطيني الذي بات يؤمن بعبثية تلك المبادرات بل وفقد الأمل فيها وببريق كلماتها رغم انسياب كلمات بعضها واحتوائها لأهداف برّاقة تسر القارئين.

فذاك صاغ مبادرة من بنات أفكاره وقبل مشاورة أحد طُرحت على الإعلام دون أن يتم التوافق عليها، فكان كمن قتلها في المهد، وآخر فرّ من غزة يحاول جاهداً إيجاد موطئ قدم له بغزة بعد أن لفظته فيُرسل مبادرة لا يختلف عليها اثنين في عمومية مفاهيمها لتمرريها على الشباب أملاً في أن يُصبح مرجعية للشباب، وذاك دون أن يُشاور أصدقائه ورفاق دربه في فترة قد خلت ينشر أسمائهم على وسائل الإعلام وكأنهم موافقين ومقرين بما جاء بالمبادرة ثم يُصار إلى رفضها من قِبل الشباب، فزمن تمرير الأوراق الجاهزة قد ولى إلى غير رجعة، وفرض مرجعية شبابية لا تُقنع جماهير الشباب المتعطش لها، فالمرجعية لن تكون إلا بتطبيق الشعارات المرفوعة وتحقيق الكلمات والوعودات الرنانة على أرض الواقع بعيداً عن العالم الرمادي غير الواضح والأحلام الوردية.

لاحظتُ خلال الفترة الماضية أن الشباب فعلاً يُريد مرجعية شبابية وقيادة شبابية واضحة تطرح نفسها لتمثيل الشباب والتحدث باسمهم بعد أن ضاقوا ذرعاً بالتغييب المُتعمد لهم في المشاركة بالعملية السياسية وهضم حقهم في  التعبير عن آرائهم بحرية، وملاحقتهم على الخلفية السياسية حتى باتت بعض علاقتهم وتواصلهم الاجتماعي مع بعض الشخصيات يجلب الكثير من الويلات، ناهيك عن حملة الاستدعاءات التي تتم لبعض الناشطين الشباب والمضايقات الأمنية لهم على خلفية بعض الأنشطة والفعاليات الخاصة بإنهاء الانقسام.

الشباب يُريد أن يتحرك في القضايا التي تؤثر عليه وعلى مستقبله وأهمها سياسياً الانقسام وحالة التراجع اللامسبوقة للقضية الفلسطينية والانتهاكات اليومية الحاصلة في المسجد الأقصى دون رد من قبل فصائله المقاومة، بالإضافة لدوره ورغبته في المشاركة السياسية فالشاب العربي الذي كان يتقدم قيادة الجيوش في عصر النبي الآن لا يُرى في الصفوف المتقدمة في القيادة، والحق أننا كشباب نشعر بالغيرة من فرنسا وتركيا التي باتت تقدم شبابها لتصدر زمام الأمور في البلاد وتعطيهم هامش من الحرية بل وتدربهم على ممارسة العمل السياسي في حين يقابله قمع لكل بادرة شبابية عربية في هذا الاتجاه.

كما أن الشباب يُريد قيادة ومرجعية شبابية تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية الغائبة وتحسين الوضع المعيشي عبر تقليل البطالة والفقر، قيادة تكون ممره لصُناع القرار والساسة وجسرهم للوصول لآمالهم وأحلامهم.

إلاّ أن جميع المحاولات مازالت متعثرة للأسباب التالية:

التعصب الحزبي والذي يُفشل المبادرات في مهدها فكل شاب ينطلق من بُعده الحزبي محاولاً إيجاد حالة شبابية تنسجم وفق متطلبات حزبه ليُحقق نجاحاً لحزبه ولنفسه لا للشباب، بغية الحصول على مزايا وترقيات تنظيمية، فيُفشل المبادرة وأي تحرك أخر.

عدم تمتع أغلب المبادرات بعمق ومد جماهيري شبابي مما يجعلها مركزة في بعض الأفراد الذين يصعب عليهم الحصول على إجماع شبابي فبالتالي يحدث اليأس وترك المبادرة بالإضافة لانحراف المبادرة عن أهدافها وتوغلها بأنشطة أخرى غير التي أُطلقت لأجلها.

تمترس بعض الشباب حول أفكارهم ورغبتهم في البروز والنجومية قبل نجاح الفكرة فيصبح تفكيرهم مُنصب على جذب وسائل الإعلام لا إنجاح الأفكار مما يفقد الفكرة زخمها وسر قوتها، وبدل أن تُحلق الفكرة وتنجح فينجح هو وتُحلق به فكرته، يُثقلها ببحثه عن التحليق قبل الآوان فيقع وتقع فكرته.

الهاجس الأمني لدى الأجهزة الأمنية في فلسطين والتي تتعامل مع الشباب على أنهم تهديد وأن أي مبادرة مدعاة للشك والشاب متهم حتى تثبت برائته، إما مرتبط بأجندة فصائلية أو مخابراتية أو أجندة خارجية، مما يجعل الكثير من الشباب يُحجم عن الإقدام على المبادرة والمشاركة خوفاً مما قد يترتب عليه من ملاحقة أمنية.

الفشل في التخطيط لإنجاح المبادرات، فغالباً ما يغفل المبادرين عن التفاصيل الدقيقة للمبادرة من حيث التوقيت وفريق العمل وخطة التنفيذ والتمويل والتحرك والجهات المنوي التعامل معها والخطة البديلة وآلية استقطاب الجمهور لها ونشرها في أوساط الشباب واقناعهم بها كل تلك العوامل تساهم بشكل كبير في اخفاق العديد من المبادرات وعدم نجاحها وموتها بعد فترة قصيرة من خروجها للعلن.

وسط زحمة المبادرات الفاشلة ومحاولات النجاح الصعبة والتحديات الجسام والكبيرة المُلقاة على عاتقنا كشباب فلسطيني نحن نسير إلى أين؟ توقعي أننا في مرحلة نكون أو لا نكون، في مرحلة إما أن نُثبت أننا رقم في صناعة الأحداث وأننا لا نكتفي بالبقاء كأدوات في يد الأحزاب وكبار الساسة، أو أن نستكين ونكون رقماً قابلاً للقسمة والضرب والجمع والطرح والكسر، صفراً ذا قيمة إن أرادوه وصفراً دون قيمة إن أرادوه، أنا وجزء كبير منكم أتوقع أنه لا يقبل الحالة الثانية وكلنا نرفض أن نكون مجرد أرقام في سجلات مدنية قدِمت وغادرت هذه الدنيا ولم تُحدث فرقاً أو تغييراً.

فما المطروح إذاً ؟

سبق وأن طرحتُ ومجموعة نخبوية من الشباب مبادرة لتشكيل حكومة الظل الشبابية ومازلتُ أجزم بإمكانية تطبيقها حال الانتهاء من حالة الانقسام وعودة اللُحمة لشقي الوطن، ولكن حالياً ما يجب أن يتم هو مظلة جامعة للشباب تُشكل مرجعية قيادية للشباب، يتوافق عليها الجميع ليس منوط بها محاولة إنهاء الانقسام، اسمها وتشكيلها ليسا مرتبطان بهذا الغرض، نُريد جسم شبابي قيادي يأخذ على عاتقه الدفاع عن حقوق الشباب وتعزيز مشاركتهم في الحياة السياسية وتحقيق مطالبهم، يعمل داخل شقي الوطن ويتحمل الضريبة المترتبة على ملاحقة الأجهزة الأمنية، ويستعد لمحاولات المصالحة المجتمعية قبل السياسية، وينطلق لتحقيق متطلبات مجتمعية ونشر ثقافة الحب والتسامح.

ماالسبيل إلى ذلك؟

رؤيتي أنه من الصعب جمع الشباب في غرفة واحدة وإيجاد حالة إجماع على مبادرة معينة أو هدف معين، إلاّ أنني أدعو الناشطين النخبويين من الشباب للاجتماع وبلورة رؤية موحدة غير مفروضة وغير مُرسلة من أحد، يوافَق عليها بعد سلسلة جلسات عصف ذهني ونقاش مباشر ومشاركة لبعض صانعي القرار، ومن ثم تُصاغ ويُصار لنشرها وتعميمها على الشباب عبر أدوات التواصل الاجتماعي والفضائيات والإذاعات المحلية.

إن تم تشكيل حالة من الوعي واختيار فريق عمل مناسب ووضع جدول زمني ومخرجات متوقعة واستُخدم علم الإدارة والتسويق بشكل جيد أتوقع للفكرة النجاح والخروج بجسم قيادي متوافق عليه من الأغلبية الشبابية.

ولكن ما الصعوبات المتوقعة؟

الملاحقة الأمنية للمبادرين والنظر لهم بعين الشك، إضافة لمحاربة التنظيمات الفلسطينية لأي فكرة جديدة تحت ذريعة أنها تسحب البساط من تحت أقدامهم وتقضي على احتكار العقول الذي يُمارسونه، بالإضافة لمشكلة تجانس الفريق والتمويل والتي تحتاج لتحديد أدق في جلسات العصف الذهني إن ما تم المُضي بها.

كلمة أخيرة

عليكم أيها الشباب بالثقة بأنفسكم وقدراتكم وأنه ما زال هنالك متسع من الوقت للمبادرة والتصحيح والإصلاح شرط التوازن ما بين أجندتكم الحزبية ودوركم فيه وما يتطلبه كونكم مواطنين في وطن هو بحاجة لكم وجاء انتماؤكم لفصائلكم لأجله، فهو – أي الوطن – بحاجة إلى أن تدرسوا خطواتكم بعناية وتُقارنوا قيمكم ومبادئكم بسلوككم فهو ينتظر انتصاركم على أنفسكم كي تنصروه.

وتذكروا أن الانقسام الذي نحن فيه، كنا ومازلنا أدواته وهو نتاج التيه الذي نحياه، وتغيبنا قصراً عن مشهد صناعة الأحداث واتخاذ القرار، دعونا نُنهي الانقسام بوحدتنا كشباب دعونا نُنهي سنوات التيه بأن نُعيد لدورنا اعتباره وللوطن قضيته.

فلسطين بنا أجمل ومستقبلها أفضل إن كان بين القلوب تواصل وبين العقول تفاهم وفي الصدور متسع، فدعونا نحث الخطى نحو رسم سياسة دولتنا المتسقبلية ولنعلم الساسة الكبار كيف يكون فعل الساسة الصغار إن صدقت النوايا وصفى ما في القلوب واتسعت الصدور.