معارضون سوريون يتصارعون و الشعب هو الضحية

معارضون سوريون يتصارعون

و الشعب هو الضحية

المحامي محمد أحمد بكور

في خضم الربيع العربي و تفاعلاته ولدت الأنتفاضة السورية كمعجزة من رحم

الشعب و بإرادة الله، و لم تكن وليدة شخص أو فئة أو حزب،و لم تتلق دعما

حتى الآن من أي جهة، و كانت في بداية إنطلاقتها متواضعة بمطالبها مقتصرة

على الإصلاح و التغيير و الحرية و الكرامة، و لكن تعنت النظام و محدودية

تفكيره و إصراره على نهجه لتكريس الإستبدادا بإتباع الحل الأمني

العسكري، و رفضه الإستجابة للمطالب المشروعة، سرعان ما حولها الى ثورة من

أهم الثورات في العالم، أدخلت الشعب في مرحلة فاصلة شكّلت قطيعة مع حكم

الفرد و أستأصلت الخوف من النفوس برغم كل الأرهاب و القتل و التدمير، و

إثارة الطائفية و الحقد و الضغائن للوصول الى حالة من الغليان و الإحتقان

لتفجير الصراح الإجتماعي.

كما أن هذه الثورة خلقت اوضاعا جديدة على الساحات المحلية و العربية و

الأقليمية و الدولية، و أفرزت خلافات و إختلافات و تناقضات في كيفية

التعامل معها أو احتوائها.

و في ظروف الواقع السوري الذي تعيشه الثورة و صعوبته و تعقيداته و

إستبداد لا مثيل له و فراغ سياسي، لم تتمكن من تشكيل قيادة ميدانية، عبر

التواصل و الحوار لتحديد برنامج عملها يتعامل مع الواقع و يحدد قواعد و

أسس المستقبل لبناء دولة عصرية ديموقراطية تعددية في ظل العدالة و

المساواة و التبادل السلمي للسلطة بعيدا عن الهيمنة و الإقصاء.

هذا الواقع أدى الى خلق ثنائية بين داخل و خارج أفرز تشكيل عدة هيئات

معارضة أبرزها كان تشكيل المجلس الوطني كصيغة سياسية لتأدية مهام لا

يستطيعها ثوار الداخل، و يعبر عن مطالبهم و العمل على تحقيق أهدافهم، هذه

الثنائية بين داخل ثائر و خارج مشتت و بعضهم يعيش ترفاً سياسيا و فكريا

أو يحلم بدور شخصي......

إن ظروف تشكيل المجلس الوطني على عجل ضمّ شخصيات وطنية نقدّرها و بجانبها

من ليس له علاقة بعير أو نفير فأختلط الحابل بالنابل، فمنهم لا يصلح

لإدارة روضة أطفال بل من الطفيليات أوصلتهم الصدفة و عوامل أخرى بالإضافة

الى اختراقات من قبل النظام و جهات متعددة.

إن من أيّد المجلس كضرورة و إعتبره خطوة أولى كان مشروطا بإداء مهامه و

التعبير الصادق عن إرادة الثورة و أهدافها و السعي الجاد لتوحيد المعارضة

و الإبتعاد عن المنافسات و المناورات لقيادة الصراع وصولا لتغيير

المنشود.

لقد مرت عدة أشهر و لم يقدم المجلس الوطني شيئا بل أصبح عبئاً على

الثورة، و اذا كان لدى أعضائه الجرأة و الشجاعة الأدبية يقولون ماذا

قدموا للثورة؟؟ و الى متى سيبقى مشلولاً و عاجزاً و فاشلاً و متجاهلاً

مطالب الثورة و منشغلاً بأمور ثانوية؟ بل لقد أثبتت شهور عمره عن ضعف

أدائه السياسي و الإعلامي برغم العديد من القنوات التي تعمل لصالح

الثورة، كما أنه أثبت عجزاً عن تأمين الحد الأدنى من الدعم المادي و

الأنساني، و عدم بذل جهد كافي لتوفير الأجواء لوحدة المعارضة و فشل فشلاً

ذريعاً في معالجة الملفات العديدة التي أمامه و أهمها تقديم الدعم للثورة

بجناحيها المدني و الجيش السوري الحر للصمود و الأستمرار و التصعيد، و

عوضا عن توحيد المعارضة عبر الحوار دخل في صراعات معها، ضعف أدائه في

إقامة علاقات عربية و أقليمية و دولية تحافظ على المصالح العليا للشعب و

فشل حتى الآن في عدم طرح رؤى للتعامل مع مبادرة كوفي عنان.

لقد تحكمت الـ أنا و الذات الفردية و الحزبية و كان لها الأولوية على

المصالح الوطنية، صرفتهم عن هذه الملفات و أنشغلوا بصراعات و تجاذبات

بإستغلال و إستثمار للتضحيات و توظيفها لخدمة أفراد أو فئات في ظروف توجب

الصوفية السياسية و توظيف الامكانات و القدرات لإنجاح الثورة.

إن عجز المجلس الوطني و ضعفه و عدم قدرته على الإرتقاء ليكون قيادة وطنية

و يعالج الأوضاع و الأزمات بالبحث عن أسبابها، أدى الى تناقص الثقة به

يوم بعد يوم و فقد بريق إنطلاقته، و الأدهى و الأمر أن كثيراً من أعضائه

أصبح خطابهم السياسي يتماهى مع خطاب النظام كمقولة المجلس الممثل الوحيد

-  و العمل تحت سقفه ، دون أن يقدموا أي عمل أو تصرف له وزن أو تأثير في

مجرى الأحداث، فاذا كانت الضرورة تملي إيجاد صيغة فهل يجوز إحتكار العمل

و الوطنية؟ و من أين أكتسب وحدانية التمثيل؟

إن من حق أي مواطن أن يسأل كيف تمّ إختيار أعضائه و من أعطاهم حق التفرد؟

و آخرون يتحدثون عن قيادة النخبة، إن هذه الطروحات من رواسب و نفايات

الحكم الشمولي و تتناقض اساسا مع شعاراتهم عن حكم الشعب و الديموقراطية و

حق الأختيار عبر صناديق الإقتراع، و من أصطفى هؤلاء الإخيار النجباء من

أعضاء المجلس؟ و ما هي المعايير لهذه النخب؟

لقد أنطلقت الثورة لرفض هذا الأسلوب و المنطق و تصنيف المعارضة بين

قيادات و قواعد و مرؤسين و منفذين و التسلط و الهيمنة. فالمسؤلية ليست

أمتيازاً و إنما هي وظيفة لإداء خدمة عامة.

إن سبب إخفاق المعارضة بشكل عام يعود لمجموعة من الأسباب أهمها تركيب هذه

المعارضات – و ظروف ولادتها – فقدانها لبرامج العمل – فقدان الثقة ببعضها

-  سيطرة النزعات الفردية و الطموحات – و الصراعات البينية – قصر النظر

تغليب المصالح الخاصة فردية أو حزبية على المصالح العليا -  الأختراقات

الإنغلاق و الإستئثار – المساوامات – توظيف البعض لمصالح الشعب السوري

لصالح دول أخرى.

إن عرضنا لتشكيل المجلس الوطني السوري و الخلل الذي يعاني منه لم يقصد

النيل به من بعض شخوصه و إنما هو وصف لواقع حاله.

أما المعارضة التقليدية بمعظمها هرمت و شاخت و وهن عظمها، و لم تفقد

قدرتها على الفعل بل فقدت الرؤية الصحيحة لإيجاد حلول وطنية، و أهم

فصائلها هيئة التنسيق الوطني و عمودها الفقري التجمع الوطني الديمقراطي

(تود)، اذ كان لنا مع آخرين ممن أنضموا الى الحركة السورية للديمقراطية و

العدالة حوارات لتشكيل هذا التجمع منذ عام 1979 و ندرك جيداً ظروف تشكيله

على هامش النظام و تحت سقفه، و هو يعاني من حالتين الخوف المزمن المستقر

في عقول و قلوب بعضهم و الأخرى هي إختراق الأجهزة الأمنية لقيادات مفصلية

فيه، مما عطّل عمله و شلّ حركته و منعه من الإرتقاء الى مستوى الثورة و

المطالبة بإسقاط النظام. و على الوطنيين منهم و الذين أمضوا أكثر من

أربعة عقود بمعارضتهم الجدية التحرر من الخوف و التصرّف بما تمليه

مسؤلياتهم الوطنية.

إن الواجب الوطني يتطلب وقفة مراجعة و الإسراع بإيجاد صيغة جامعة

للمعارضة تختلف عما هو قائم حاليا كما و كيفاً، و هذا لا يتم إلا بالحوار

بين المجلس و أطراف المعارضة و الشرفاء في هيئة التنسيق الوطني و تشكيل

لجنة تحضيرية و الدعوة الى مؤتمر طاولة مستديرة بأسرع وقت للتوافق على

شراكة فعلية و برنامج سياسي يوضح الرؤيا و التعامل مع المراحل، فالأزمة

ليست أزمة أشخاص فقط و أنما غياب برنامج عمل يوحد الأهداف و الرؤى و يضع

خطة عملية لتنفيذها لتحظى المعارضة بالثقة، و إن من أهم ما يجب أن يتضمنه

هذا البرنامج كيفية العبور من ضفة الأستبداد الى الضفة الأخرى لبناء نظام

ديموقراطي، و المرحلة الأنتقالية و يحدد بصراحة و وضوح الكيفية و مع من

يتم التفاوض و الحوار و الترتيبات لنقل السلطة سلميا و مصير الجيش الحر و

وضع تصورات لتوحيد الجيش و هيكلته على أسس وطنية و الإحتمالات و

التداعيات التي قد تحدث ...

و أن تحدد مدة المرحلة الأنتقالية و ما هي القواعد الدستورية التي

تحكمها؟ من يقودها؟ و كيف؟ ....

•       و نكرر ما عرضناه مرات تجنبا للمطبات العمل بدستور 1950 و قانون إنتخاب

عام  1954 الذي كان آخر قانون حدث في ظله انتخابات حرة، لتجنب الأشكالات

و الخلافات التي حدثت في دول الربيع العربي و منها مصر.

•       و أن تكون الحكومة الأنتقالية من شخصيات مستقلة تتمتع بالكفاءة و النزاهة.

•       أن لا يكون لأي من أعضاء المجلس و بقية أطراف المعارضة أي دور في

المرحلة الإنتقالية لتخفيف حدة دور التنافس السلبي و الشخصنة.

•       إن الإتفاق على برنامج للعمل هو الأساس لإن المشكلة تكمن في غيابه و من

ثمّ توسيع قاعدة المشاركة و إعادة هيكلة المجلس في هيئاته بعد أن اعترف

به كفصيل من فصائل المعارضة، و رفض كل إدعاء باحادية التمثيل فإن النجاح

يتوقف على القناعة المسبقة بالحوار و العمل المشترك و إعتماد

الديموقراطية داخل مؤسسات المعارضة، فإذا كان علم السياسة و التاريخ و

تقاليد الحركات التحررية تؤشر على أن النجاحات حققته جبهات، فإن تعقيدات

المشهد السوري و تشكيل جبهة أكثر حاجة و ضرورة.

•       إن أستمرار المجلس الوطني على نهجه و تمركزه على ذاته سيؤدي الى تفككه

و نزع الشرعية عنه داخليا و خارجيا عاحلا أم آجلا.

•       إن توحيد المعارضة حول ميثاق وطني و الإعتماد على القوة الذاتية للشعب

و توفير مستلزمات الصمود و الدعم المادي و الأنساني و دعم الجيش السوري

الحر بكافة الأمكانات و تأمين متطلباته هي عوامل أساسية لنجاح الثورة، و

يجب الإبتعاد عن الالاعيب بتقريب فصائل و دعمها على حساب أخرى، و التوقف

عنها فورا و التصرف بحكمة و وطنية و تصحيح المسار.

إن جميع أطراف المعارضة المخلصة مدعوة لإنهاء الصراعات فيما بينها لأن

الشعب هو الضحية و إعادة النظر و تصحيح الخلل.

و عندنا نصيحة نقدمها للمعارضة في الداخل و الخارج أن تحافظ على

إستقلالها و مصالح الشعب و نعرف جيداً ان المعارضات التي تكون خارج أرضها

تفقد كثيراً من استقلالها و حرية حركتها، و لكن الأمر المرفوض بالمطلق هو

ربط البعض أنفسهم باستراتيجيات البلدان التي يتواجدون على أراضيها.

و ندعوا أخواننا قيادات الثورة و التنسيقيات في الداخل حث الخطى للاتفاق

على صيغة عمل وطني توحدهم جميعا تحت قيادة واحدة لتجاوز إشكالية الثنائية

بين الداخل و الخارج، و قد أثبتوا كفاءتهم في كل المجالات و أنهم اهل

للقيادة و المسؤلية، لتقتصر مهام المعارضة في الخارج على العلاقات

العامة.

فذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين