المصريون بالخارج والزيت والسكر

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

يبدو أن مشكلة مصر التي لا حل لها تكمن في وجود الإخوان المسلمين ، بل في وجود الإسلام نفسه ، فلا تفتح جريدة ولا تشاهد قناة من قنوات الإعلام الرسمي أو الخاص إلا وتجد معزوفة واحدة يعزفها عازف واحد ، يضع مشكلات الوطن منذ سبعة آلاف سنة ، وفي مقدمتها الفرعنة والاستحواذ والتكويش والسيطرة والهيمنة وسرقة الثورات ؛ في حجر الإخوان المسلمين ، ويتهمهم باقترافها ، مع أن الإخوان عمرهم ثمانون عاما لا غير قضوا معظمها في السجون والمعتقلات وتحت الحصار والمطاردة ، وكان يمكنهم لو أنهم تخففوا قليلا من معتقداتهم وشريعتهم ، وصفقوا للفرعون الحاكم وتملقوا بطانته الفاسدة أن يصلوا إلى سدة الحكم منذ نشأتهم ، وأن يكون لهم بدل الوزير أربع وثلاثون وزيرا ، وبدل الدبلوماسي تسعمائة دبلوماسي وبدل السفير مائة وسبعون سفيرا ، وبدل المحافظ ثمانية وعشرون محافظا ، وبدل رئيس مدينة واحد ثلاثمائة رئيس مدينة ، وبدل رئيس قرية واحد أربعة آلاف رئيس قرية ، وبدل لواء واحد في الداخلية خمسة آلاف لواء في الداخلية وأمن الدولة ، وبدل لواء واحد في الجيش عشرات الآلاف من الرتب الكبرى في القوات المسلحة , وبدل ... وبدل ...

ولكن يبدو أنهم لا يفكرون بعقلية التخفيف من معتقداتهم وشريعتهم ، فصاروا تبة لضرب النار الإعلامي من إعلام الريادة لصاحبه صفوت الشريف الذي مازال فعالا بكل قوة سواء في الإعلام الرسمي ( ماسبيرو) أو الإعلام الخاص الذي يملكه الفلول أو الصحف القومية أو صحف الضرار التي نشأت برعاية أميركية أو أمنية أو الصحف الصفراء التي تسعي إلى الرزق الحرام !

منذ بدأ الإسلاميون يشاركون في الحياة السياسية الجديدة ويكتسحون الانتخابات ، والحملة الشريرة لم تتوقف : الإخوان حزب وطني . الإخوان يكوشون . الإخوان يسيطرون . الإخوان يقودون مصر إلى الوراء وعصور التخلف . الإخوان يقيمون دولة دينية . الإخوان يقترفون خطايا لا أخطاء .الإخوان يرشون الشعب الجاهل بالزيت والسكر والمكرونة . وأضاف أحدهم مؤخرا البطاطس الرخيصة والبصل الأحمر !قال :

مثلما لجأت جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية إلي كيس المكرونة وزجاجة الزيت لإقناع الناخبين بمرشحيهم إلي البرلمان, لجأت أخيرا في الانتخابات الرئاسية إلي بيع البطاطس والبصل للمواطنين بأسعار مخفضة..!!

ومثل أي' جماعة في البيت' تعتقد أن أقصر طريق إلي قلب الرجل هو معدته يبدو أن' الجماعة' مقتنعة بأن أقصر طريق إلي' قصر العروبة' هو باب المطبخ!

وقالت إحدى الصحف في صفحتها الأولي إن الحصول علي كتيب الدكتور مرسي لمشروع النهضة هو أولي الخطوات لدخول' شادر الإخوان للبطاطس والبصل' الذي أقيم في مدينة الشيخ زايد.. الأمر لن يستغرق سوي بضع دقائق للحصول علي5 كيلو بطاطس بـ4 جنيهات.. وعليهم الدكتور مرسي مجانا!!

الأدب الرفيع في الحملة على الدكتور مرسي والإخوان ، لا يمكن أن تحدث مع مرشح غير مسلم ، وأتحدى أن يتفوهوا بكلمة غير لائقة ضد مرشح غير مسلم ، ولو كان عمدة قرية في أعماق الريف !!

ونحن نسأل القوم : هل أرسل الإخوان زيتا وسكرا ومكرونة وبطاطس وبصلا إلى عواصم أوربة وآسيا وإفريقية لينتخبوا الدكتور مرسي ؟

هل مئات الآلاف من الأطباء والمعلمين والمهندسين والصيادلة والمحاسبين والصحفيين والموظفين والخبراء في المجالات المختلفة الذين يعملون في الخارج ومارسوا حق التصويت ، وصلتهم شحنات البصل والبطاطس والسكر والزيت والمكرونة ليصوتوا للدكتور مرسي أو لمرشح إسلامي ؟

المفارقة أنهم زعموا أن فلانا يتصدر الفائزين في زيمبابوي ، وعلانا يحصل على أكبر الأصوات في عاصمة نيبال ، وترتانا يتفوق في نيوزلاند ، أما المرشح الإسلامي فلا أثر له ولا وجود !

وكما فعلوا في استطلاعات الرأي المزيفة ليوجهوا العامة إلى من يريدونه رئيسا ، يحاولون الإيحاء بأن المرشح الإسلامي لم يحظ بأية أصوات في انتخابات المصريين بالخارج ، أو جاء في المؤخرة ، مع أن النتائج لم تعلن في العواصم ذات الثقل التصويتي ، لعدم انتهاء الفرز . 

من الملاحظ أن إعلام الريادة وصحافته وأقلامه لم يلتفتوا أبدا إلى فلول حسني مبارك الذين بشرونا بإعادة مصر زي ما كانت – أي إلى عهد المخلوع وأمن الدولة واللصوص الكبار والصغار ، كما بشرونا أن غزوة العباسية الظافرة ضد المتظاهرين العزل والحرائر ومسجد النور واقتحامه بالبيادة ؛ كانت بروفة لفرض الصمت وقهر الشعب المصري وشطب ثورة يناير من التاريخ !

إعلام الفلول لم يتكلم عن مرشحي التطبيع الناعم الذين يوالون العدو الصهيوني ويروجون للاستسلام لإرادته الشريرة ، ولم يشر إلى فلول الشيوعية المنهارة وأشباههم الذين يريدون سحق الإسلام وإشعال نار الصراع الطبقي بين أبناء الشعب ، ويحتكرون لأنفسهم الثورة والثورية ، متجاهلين أن الثورة المصرية خرجت من المساجد وصلت في ميدان التحرير !

التصويت ليس بالسكر والزيت والمكرونة والبطاطس والبصل يا إعلام الفلول وصحافة البصاصين وأبواق أمن الدولة ، والشعب المصري من أذكى الشعب ، وسيختار من يحافظ على الدين ويبني مصر ولا يسرقها ولا يرهنها للأعداء والخصوم والطامعين .

وكل بطاطس وبصل وأنتم بخير !