هل يتآمرون على الثورة

عقاب يحيى

 لم أك في عمري من أصحاب التفسير البوليسي للتاريخ، أو من المصابين بلوثة إرجاع كل شيء لمؤامرة واختراق وعملاء وجواسيس ومخططات، وكنت أنطلق من العامل الذاتي، ومن منهج نقدي للبنى والفكر والخط والممارسات كي نؤسس عليه بناء فكر متطور يتحسس ويرى الثقوب في الثغرات والسلبيات قبل أن يلقي بأحمال الهروب إلى خارج هو بالتأكيد له مشروعاته ومخططاته، والتي يحتل فيها الوطن العربي موقعاً استثنائياً لعوامل بنيوية متعددة .

 هذا لا يعني إغفال مشاريع الخارج، ولا التقليل منها، والتصدي لها، والتنبه لها ولتعاريجها وملفوفاتها وأصابعها ووسائلها وكراكوزاتها من المنطقة . فالدور الخارجي كان في بلداننا وعلى مرّ العقود فاعلاً درجة إنشاء أوضاع برمتها، وفرض التجزئة، واغتصاب فلسطين، والتآمر على القوى الحية، والوحدة، والنظم التي طرحت مشاريع النهوض بديلاً للتخلف والتبعية، وصولااً إلى غزو وتاحتلال وتدمير العراق.. والكثير الكثير مما يمكن ذكره، بما في ذلك إيجاد ودعم النظم العميلة، والذيلية، وحمايتها من السقوط، وحضور الصهيونية القوي بما لها من مشروع خصوصي يضع منذ سنوات في أول أولوياته تفتيت المنطقة وتذريتها على أسس دينية ومذهبية وعرقية، وتقديم الإسناد الواضح لنظم الاستبداد والنهب والتسول والتوسل، وفي مقدمها نظام الطغمة في بلادنا : سورية ..

ـ حين انفجرت الثورة السورية العظيمة.. حاول كثير خلط الأوراق وغمغمة طبيعتها، فخرج كثير بنغمة الاختلاف عمّا جرى في تونس ومصر واليمن وليبيا، وارتفعت بيارق المبوقين تحدثنا عن المؤامرة على سورية(وليس على النظام وحسب) لأنه " ممانع" و"مقاوم" واستثناء.. وكأنه لا يوجد في سورية شعب عريق كان على الدوام حامل هموم الأمة، وفتيل التغيير، ومفتاح الزلزلة في المنطقة برمتها، وكأنه لا يحق لهذا الشعب أن المقموعه والمغيّب والمسحوق والمذل المهان المنتهَب.. أن يطالب بحقه الطبيعي في الحرية والكرامة ورفض المذلة ومعاملته كالعبيد .. فخرجت التحاليل المعلبة توسم الثورة بالتبعية للغرب ومخططاته، ووضع العديد سناريوهات التدخل، وهو يذكرنا على الطالع والنازل ب"الفوضى الخلاقة"، وما جرى للعراق، والأمة، وينسى تونس ومصر، بينما يعلك بعض الحقيقة في اللوحة الليبية لتصدير المَراد.. حتى اعتقد كثير أن التدخل العسكري الدولي قادم في الأيام والأسابيع..

ـ مرت الأشهر، وهاهو عام وشهران وذلك التدخل لم يحدث إلا في جعجعات مطاحن الطغممة ومنظومة أتباعها، ليظهر أن العملية جزؤ من ترتيبات يستخدمها القاتل لتكرير إبادته للشعب، والتغول في سياسة التدمير والحرب الشاملة تحت رايات الوطنية، الممتدة إلى "جورة الحرامية" في فئويته المريضه وأحقاده الدفينة.. وإذ بالوقائع تدلل أنه لا تدخل ولا ما يحزنون، وأن الصهيونية ما زالت أحرص على طغمة تعهدت لها ببقاء الحدود آمنة على مرّ العقود، وهي تنفذ تلك الاستراتيجية التطويفية نهجا، وبالنتيجة.. لذلك فكل دمار، وكل استنزاف لبلادنا، وكل إضعاف لمكوناتها، وكل خندقة عمودية تصل حدود الحرب الأهلية خاصة من قبل طائفيي النظام، وبعض المتخلفين الموتورين.. إنما تصبّ في خندق بقاء النظام القاتل، وعلى الأقل : الإمداد بعمره حتى يستكمل حرب الإفناء التي يقوم بها للشعب والثورة والبلد والمستقبل، وحتى يجر البلاد قاصداً، متعمداً للفتنة الطائفية التي كان الوريث المجرم يقهقه لتكريسها بطريقته المعتوهة وهو ينتفخ نرجساً، ويعلن الحرب على الشعب ..

ـ نام الخارج على اللغة المطاطية، والتصريحات الملتبسة، ونجيع الدم السوري لا يحرك إلا الوعود الخلبية، وذريعة : حال ووحدة المعارضة الدريئة المثقوبة.. وصولاً ل"مبادرة الدجامعة العربية" المتحولة إلى مبادرة أممية يقودها ويسوقها كوفي عنان وفريقه بوتيرة تشبه صيادي الحيتان . ثم، وأخيراً، دعوة الجامعة العربية للقاء المعارضة الذي كان نطفة في رحم الانتظار الباهت منذ أشهر، تأخذه الأمواج بعيداً، وتعيداً شاحباً، منهكاً، بلا روح وأمل ..

ـ اليوم يطرح كثير معادلة قسرية مريبة : إما مبادرة كوفي عنان وإما الحرب الأهلية والدمار، ولأن كفتيها هكذا، فإذاً : لا بدّ ولا فكاك، ولا خيار آخر سوى القبول بها والتعاطي معها من موقع خلاصتها . اي الحوار مع النظام فيما يعرف ب"الحل السياسي".. ولا شيء غير ذلك، وكأنه لا وجود لثورة هي العامل الفاعل، وهي الرقم الصعب، وهي القرار وصانعة الحدث والقرار، وكأنه لا طريق أمامنا إلا وإلا هاتيك.. بما يعني سياسياً : التكيّف بما يتناسب و"موازين القوى"؟؟؟. وموازين القوى بنظر البعض تميل لصالح النظام طالما أنه مدجج بالسلاح ويملك قدرة خوض الحرب على الشعب، وقدرة التدمير والإفناء، وإذاً : إما الحوار.. وإما الدمار.. وكأن الصورة من السذاجة التي تستدعي من الوطنيين، الخائفين على بلدهم شرّ القادم، ومن شباب الثورة الذي يقدم الدم يومياً.. أن يتنازلوا حتى الخيانة، وأن يقبلوا ايادي المجرم الملوثة بالدماء ليطلبوا منه التنازل فيقبل بالتعاون على وضع خطة، أو خريطة طريق للانتقال" السلمي" إلى مرحلة انتقالية، وعفا الله والثوار عن الدماء والمجرحى والمعطوبين والمهجرينى والمغتصبين والذين حرقت بيوتهم ودمرت أملاكهم، وبالأساس : التخلي عن الثورة واستبدالها بحل سياسي توافقي ..

ـ إن قبول جميع أطياف المعارضة، والحراك الثوري بخطة عنان كان مشروطاً بتطبيق نقاطها الخمس الأولى، والأساس، ثم التوقف عند بند الحل السياسي الذي لا يمكن أن يجري أي كلام فيه إلا بشرط رحيل القتلة، وعلى رأسهم وريث العته والحقد، وتشكيل حكومة انتقالية من الحراك الثوري والمعارضة، وإلا فإنه من المستحيل، بل من الشبهة الموصوفة بخيانة الثورة أن يقبل أي طرف محسوب على المعارضة الجلوس على طاولة واحدة مع طغمة الإجرام والفئوية. ولذلك تتهاطل الأسئلة المثيرة عن إصرار الجامعة العربية على عقد ما يعرف ب"لقاء المعارضة" بواقع رفض المجلس الوطني الحضور إلا بشروط أعلنها، ومقاطعة هيئة التنسيق له لأسباب طرحتها، ووضع قصة " إصلاح وهيكلة المجلس الوطني" في صلب بنود جدول الأعمال، بل كبند محوري فيه، بينما لم تطرح الجامعة أي ورقة سياسية، ولم تقم بالإعداد الجيد، ولا بدعوة المكونات السياسية عبر هياكلها التنظيمية، سامحة للتدخلات الخاصة والمعارف الشخصية أن تفعل فعلها في تحديد الأسماء، وحجب آخرين.. وبحيث تبدو الصورة وكأن المراد تفجير مثل ذلك اللقاء ـ إن عقد ـ وإظهار المعارضة أكثر شرشحة وهزالاً، وبهدلة.. كي يمرر من يريد التمرير مشروعاته .

ـ وإذا كان المجتمع الدولي يتهرّب من تحمل مسؤولياته في حماية الشعب السوري، وتقديم العون اللازم والمحسوس له، وإيقاف جرائم النظام التي ترقى إلى جرائم الإبادة البشرية.. فهل يريد أن يحمل الثورة، والمعارضة وزر ذلك التقصير ؟؟.. هل يحمل مشروعات يضغط لتمريرها بالفرض والتهديد والإغواء؟؟.. هل ينوي وضع السوريين أمام تلك المعادلة التي يقحمها : إما الحوار وإما الدمار..؟؟..

أسئلة مشروعة برسم " لقاء المعارضة" في ظل الجامعة العربية والذي لن يسفر إلا على مزيد من الهباء، والفرقة..