يساريون ضد الديمقراطية

ياسر الزعاترة

بحسب الأستاذ الجامعي (المغربي) محمد الطوزي الذي كان عضوا في لجنة إعداد الدستور المغربي، فقد كانت اللجنة منقسمة بين محافظين ويساريين، وكان اليساريون (للمفارقة) من أكثر المدافعين عن تقوية الاستبداد.

وقال الطوزي إن اليساريين داخل اللجنة “كان يحركهم هاجس الخوف من اكتساح الإسلاميين للانتخابات، لذلك لم يكونوا يثقون في البرلمان ولا في الأحزاب. وباختصار لم يكونوا يثقون في الشعب، لذلك دافعوا عن تقوية استبداد السلطة”.

من المؤكد أن مواجهة الإمبريالية والحرص على مركزية القضية الفلسطينية ومحور المقاومة والممانعة التي يتخذها بعض اليساريين والقوميين ستارا لتبرير موقفهم المناصر لنظام بشار الأسد الدكتاتوري الفاسد، من المؤكد أنها لم تكن حاضرة في وعي اليساريين المغاربة الذين تحدث عنهم صاحبنا، والذي كان صريحا في تفسير موقفهم ممثلا في الخوف من شعبية الإسلاميين.

والحال أن كل تلك الشعارات التي يتشدق بها من يقفون ضد ثورة الشعب السوري لا تبدو مقنعة، إذ أن الهاجس الإسلامي يبدو الأكثر حضورا في وعي أكثرهم. ولو كان البديل قوميا أو يساريا لكان المشهد مختلفا إلى حد كبير، ولسقطت مقولات المقاومة والممانعة لصالح شعارات الحرية التي يطالب بها السوريون.

لا خلاف على أن الشعب السوري لم يكن بثورته يستهدف المقاومة والممانعة، ولم يكن يتآمر على فلسطين وقضايا الأمة، بل كان ينتفض من أجل حريته التي داسها النظام الدكتاتوري الفاسد، ولو ملك أولئك شيئا من المنطق لما اتهموا الشعب بالتآمر مقابل تزكية نظام فاسد.

الشعب السوري ثار مثلما ثار الشعب التونسي واليمني والمصري والليبي، ولا نعرف إن كان موقف الغرب من حسني مبارك والقذافي وعلي صالح وبن علي نابع من مقاومتهم أيضا، أم أن الشعب السوري هو المتآمر الوحيد على قضايا الأمة، بينما بقية الشعوب من طينة مختلفة؟!

سيرة اليساريين في العمل مع الأنظمة الدكتاتورية ليست جديدة، فنظام بن علي كان يستخدم مجموعات اليسار في مواجهة الإسلاميين، ثم انقلب عليهم بعد شعوره بالنصر الكامل على حركة النهضة، بينما كان اليسار المصري في معظمه حليفا لنظام مبارك في قمعه للقوى الإسلامية، ولم يكن لزعيم حزب التجمع اليساري (رفعت السعيد) من شغل في حياته سوى الطخ على جماعة الإخوان والنبش في تاريخهم وتزوير الوقائع من أجل تشويههم وتبرير استهدافهم.

المتتبع لمواقف قوى اليسار من الانتفاضات الشعبية، سيرى كيف يهيمن عليها هاجس الإسلاميين، وكيف تعمل بكل ما أوتيت من قوة من أجل تحجيم فرصهم في التقدم والحصول على ثقة الشعب، وهي لذلك لا تبحث في تفاصيل أي قانون أو دستور إلا من هذه الزاوية الضيقة.

إذا فاز الإسلاميون في أية جولة، ذهبوا يحللون العوامل التي أدت إلى الفوز، والتي ليس من بينها ثقة الناس، وليس من بينها أيضا سقوط مقولاتهم السياسية والفكرية في الوعي الشعبي.

مشكلة هؤلاء هي أنهم لا يريدون الاعتراف بحقيقة أن هناك صحوة دينية في المنطقة، وهي الأكثر تأثيرا في وعي الجماهير، وأن النظريات الأخرى لم تعد مقبولة سوى عند القلة من الناس، وبالتالي فإن من الطبيعي أن يفوز الإسلاميون، إلى جانب بعض الآخرين على أسس مناطقية وعشائرية، كما أن الإسلاميين أنفسهم لم يعودوا لونا واحدا، إذ باتت أطيافهم تتعدد وتتكاثر، بل وتتناقض في بعض الأحيان.

من المعيب أن يجد بعض اليساريين والقوميين (نقول بعض لأن المشهد لا يخلو من منصفين) أنفسهم متلبسين بالتناقض مع الشعارات التي يرفعونها نكاية الإسلاميين، لاسيما أن ذلك لا يزيدهم من الناس إلا بعدا، كما يأكل من رصيدهم بدل زيادته، والأسوأ بالطبع هو أن تفوح من بعض غير المسلمين منهم رائحة الطائفية التي تتصاعد في كلامهم على نحو يستفز المسلم العادي، فضلا عن المتدين أو المنخرط في النشاط السياسي الإسلامي.

هو تاريخ جديد يكتب في هذه المنطقة، وعلى كل طرف أن يختار الصفحة التي سيسطر اسمه فيها: هل هي صفحة الدكتاتورية والفساد أم صفحة الحرية والتعددية، لاسيما أن الثانية هي الأكثر وفاءً لشعارات المقاومة والممانعة وتحرير فلسطين، أما الشعارات الأخيرة فيستخدمها الطغاة من أجل استمرار سيطرتهم على السلطة والثروة لا أكثر ولا أقل.