مرسي رئيساً لماذا؟!

مرسي رئيساً لماذا؟!

حسام مقلد *

[email protected]

يبدو مشهد انتخابات الرئاسة المصرية غامضا ومرتبكا بسبب تلاحق الأحداث المتعاقبة، وقد ألقت جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة بكل ثقلها خلف الدكتور (محمد مرسي) باعتباره المرشح الرسمي للحزب، لكن هذا القرار لم يعجب عدة أطراف، ويطالب بعض قوى الثورة بسحب الإخوان لمرسي كشرط مسبق لعودة اللُّحمة الوطنية بين هذه القوى وعودة ثقتهم في الإخوان!!

والحقيقة أن هذا الشرط غريب جدا وبعيد كل البعد عن أي وعي سياسي، بل عن المناخ الديمقراطي الذي نتمناه لمصر ونسعى لتأسيسه بعد ثورة 25 يناير المباركة، وأزعم أن هذا ليس رأيا شخصيا بل هو رأي أي شخص يؤمن بالديمقراطية والدولة المدنية الحديثة، وإلا فما معنى الحرية ونحن نريد أن نحرم فصيلا سياسيا مهما من المنافسة على أرفع المناصب السياسية في البلد بحجة أنه أعلن سابقا عدم ترشيح أحد منه لهذا المنصب؟!

وما معنى السياسة إن كنا نهمل الظروف والمتغيرات والمستجدات التي تطرأ، والسياقات التي تجري فيها مجمل الأحداث؟ ثم هل يعني ترشيح الإخوان لأي شخص حتمية نجاح هذا الشخص أو فرضه على المصريين؟ فإذا كان الشعب المصري هو الذي يختار، ومن حقه أن يقبل أو يرفض من يشاء ـ فلِمَ الحجر على هذا الفصيل أو ذاك؟ ولِمَ التشكيك في قدرة الشعب على الاختيار؟ وما معنى الديمقراطية إن كنا سنضع وصاية على الشعب منذ البداية؟!

ورغم كل ما يثار من شبهات إلا أنه في الواقع هناك الكثير من الأدلة المنطقية والمبررات الموضوعية التي تفرض ـ من وجهة نظري ـ على الإخوان أن يصروا على ترشيح الدكتور محمد مرسي للرياسة، ولعل من أبرزها ما يلي:

أولا:

حكمت القوى الليبرالية مصر ثلاثة عقود قبل ثورة يوليو، ثم حكمت القوى القومية اليسارية الثورية نحو ثلاثة عقود بعدها، ثم ورث الحزب الوطني الحكم، وتوحشت تدريجيا توجهاته الرأسمالية على مدى العقود الثلاثة الأخيرة حتى انتشر الفساد وبلغ ذروته في كل المجالات، والنتيجة التي وصلنا إليها بعد كل هذه العقود من الفساد والإفساد نعلمها جميعا، وآن الأوان لتمكين القوى الإسلامية من تنفيذ مشروعها الحضاري ذي المرجعية الإسلامية الذي تُمَنِّينَا به منذ عقود طويلة!!

ثانيا:

أليست جميع القوى والفصائل السياسية تريد الخير لمصر؟ ألسنا جميعا نتمنى بناء دولة مدنية قوية ومتقدمة في كل المجالات؟ أمامنا الآن قوة مصرية وطنية كبيرة وعريقة تقول إن لديها مشروع للنهضة المصرية متكاملا وجاهزا وقابلا للتطبيق لبناء دولة مدنية حديثة يحصل فيها جميع المصريين على كل حقوقهم ـ أوليس من الأفضل لمصر وللإسلاميين، بل لكافة القوى السياسية أن نعطي هذه القوة الفرصة كاملة لتجربة فاعليتها، واختبار قدرتها على تنفيذ مشروعها الحضاري؟! ألم تأخذ جميع القوى السياسية ما عدا الإسلاميين الفرصة تلو الأخرى قبل ذلك؟ أليس من باب المنطق والعدل أن يأخذ الإسلاميون فرصة حقيقية كاملة هذه المرة لوضع مشروعهم على المحك ومعرفة إمكانية تنفيذه؟!!

ثالثا:

حُرِمَ الإخوان والسلفيون من المشاركة في الحكومة، وإذا جاء رئيس الدولة من اتجاه سياسي يخالف الإخوان والتيار الإسلامي ويصادم مشروعهم الحضاري فلن يكون لهم أي تواجد في أية سلطة تنفيذية، وسوف يعْرقِلُ مسيرتهم، وبالتالي سيبقى مشروعهم الحضاري ذي المرجعية الإسلامية مجرد حبر على ورق، وسيتم تعويق الحياة النيابية في مصر، ولا يستبعد أن يُقْدِمَ الرئيس على حل البرلمان بغرفتيه، وعندئذ يخرج الإسلاميون من اللعبة السياسية برمتها صفر اليدين، وتضاف التجربة الإسلامية المصرية (كتجربة إسلامية فاشلة) للتجارب الأخرى التي فشلت في السودان وأفغانستان وغيرها، وساعتها قد يسقط المشروع الإسلامي سقوطا مدوياً لا قدر الله!!

رابعا:

تُقَيِّمُ الشعوب والمجتمعات تجارب الأحزاب المختلفة بما تحققه لها من إنجازات حقيقية ملموسة في أرض الواقع، وحزب الحرية والعدالة الذي حظي بثقة المصريين ونال (41٪) من مقاعد البرلمان (وكان بإمكانه الحصول على أكثر من ذلك لكنه أفسح المجال لقوى وأحزاب أخرى على عكس ما يشاع ...!!) لم يتسنَ له بعد تولي أية مناصب تنفيذية في الدولة المصرية، وحيل بينه وبين تحقيق مشروعه الحضاري لنهضة مصر، وحُرِمَ من تشكيل الوزارة أو المشاركة فيها فكيف سينفذ برنامجه الانتخابي؟ وكيف سينفذ رؤيته الإصلاحية؟ وهل من العدل أن تُحسب هذه التجربة على الإخوان، وقد حِيلَ بينهم وبين تنفيذ خططهم النهضوية، ثم يتهمون بعد ذلك  بالفشل هم والتيار الإسلامي كله معهم؟!

خامسا:

يرفض البعض ترشيح الإخوان أحد قادتهم لانتخابات الرئاسة؛ لأن ذلك كما يزعمون يعبر عن حالة من الجشع والطمع السياسي والرغبة في التكويش على كل شيء، وهذا هو ما أفقد الآخرين ثقتهم في الإخوان!! وفي الحقيقة فكرة رغبة الإخوان في الهيمنة السياسية فكرة غير صحيحة مطلقا، وتنافي الواقع جملة وتفصيلا وهي محض افتراء أو مجرد شغب حزبي يعبر عن مراهقة سياسية غير ناضجة لا أكثر، ولا أدل على ذلك من أن الإخوان لم يحصلوا حتى الآن على منصب سياسي واحد في الدولة المصرية بالتعيين، ولا وجود لهم في مجلس الوزراء، ولا المحافظين، ولا في أي منصب أو موقع من مناصب الجهاز البيروقراطي التنفيذي للدولة الذي يشتمل على نحو عشرين ألف وظيفة عليا، وكل المواقع التي يحتلها الإخوان الآن جاءت بالانتخابات الحرة المباشرة التي اختارهم فيها الشعب المصري بكامل حريته وملء إرادته، سواء في مجلسي الشعب والشورى أو النقابات أو الجامعات، فلِمَ الافتئات على حق المصريين في انتخاب من يمثلهم؟!!

سادسا:

ثورتنا المجيدة لم تكتمل بعدُ، ولم تحقق أية منجزات عملية على أرض الواقع، فكيف للإخوان أن ينسحبوا منها وهي في منتصف الطريق؟ ألن يُعدَّ ذلك هروبا وتقصيرا منهم؟! ثم لِمَاذا لا تتعاون معهم القوى الأخرى وتمنحهم فرصة حقيقية كاملة بعض الوقت، وبعدها يحاسَبُون بكل جدية، وأمامنا الميدان ولن نُستعبَد بإذن الله تعالى بعد ثورة 25 يناير المباركة؟!!

سابعا:

إذا سحب الإخوان مرشحهم فلن يتركهم أعداؤهم بل سيتهمونهم بالتسرع في قراراتهم، وسيقولون إنهم هوائيون ومترددون، ولا يمتلكون مصادر عليا لصناعة القرارات الإستراتيجية والسياسية المهمة، وسوف يتهمون كذلك بعدم الفهم في السياسة، وبالتالي فسوف يقال إنهم ليسوا أهلا لحكم دولة بحجم مصر!!

ثامنا:

يحاول الكثيرون الطعن في قرارات الإخوان من الناحية الأخلاقية، بل حتى اتهمهم بعض قاصري النظر السياسي بالغدر والخيانة(...!!) وكل هذا الكلام مردود عليه شرعا وعرفا وقانونا، وجميع القوى السياسية في مصر وفي خارج مصر تغير قراراتها السياسية وفق المتغيرات الحادثة، وهذا شيء إنساني بدهي وشرعي ولا غبار عليه بتاتا، ما لم يؤدِ إلى خيانة أحد أو أكل حقوق الغير، وأعتقد أن الإخوان لو فوَّتُوا الفرصة، ولو لم يرشحوا أحدا منهم للرئاسة لاتُّهِمُوا بالتحجر والجمود وإهدار الفرص، ولساق شَانِؤهم الكثير من المبررات لهجائهم!!

تاسعا:

من أهم أسباب طرح الدكتور محمد مرسي رئيسا لمصر هو وزن الرجل نفسه، وقامته الكبيرة، وهمته العالية، صحيح أن الرجل لم يأخذ حقه بعدُ من الظهور الإعلامي، لكنه صاحب عقلية كبيرة، وطاقة سياسية لا يستهان بها، فهو عالم متميز حاصل على دكتوراه في الهندسة من جامعة جنوب كاليفورنيا، كما أنه سياسي بارع وبرلماني قدير، وكان من أنشط أعضاء مجلس الشعب المصري، وتم اختياره كأفضل برلماني على مستوى العالم بسبب أدائه البرلماني المتميز (خلال دورة 2000 - 2005م) وقد اختير عضوًا بالمؤتمر الدولي للأحزاب والقوى السياسية والنقابات المهنية، كما أنه عضو مؤسس باللجنة المصرية لمقاومة المشروع الصهيوني، ويرأس حاليا حزب الحرية والعدالة، وكان أحد أبرز القيادات السياسية بجماعة الإخوان المسلمين.

عاشرا:

الإخوان يمتلكون مشروعا متكاملا تفصيليا وجاهزا للنهضة، وغيرهم يفتقر إلى ذلك ويكتفي بالكلام الفضفاض والطروحات النظرية العامة، ويقول الإخوان إنهم قد أخذوا بالأسباب العلمية ودرسوا جميع المشكلات التي تعاني منها مصر حاليا كالتعليم والبطالة والصحة وتردي الزراعة والصناعة وتدني الأجور... وغيرها من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما درسوا جميع التجارب الدولية، واستفادوا من خبرات جميع دول العالم خاصة الدول المتقدمة والدول التي نهضت مؤخرا، ومشروعهم الآن جاهز للتطبيق، ويكفي أن نعلم مثلا أنهم يمتلكون رؤية لحل مشكلة متفاقمة في القاهرة ومعظم المدن والقرى المصرية وهي مشكلة القمامة في مئة يوم فقط ـ فما المانع من تجريب هؤلاء وإعطائهم الفرصة لامتحان قدراتهم!!

حادي عشر:

لا داعي للفرقة والانقسام في صفوف الإسلاميين، فهم كما يقولون عن أنفسهم أصحاب مشروع نهضة كبرى ذي مرجعية إسلامية، ونحن نثق فيهم وفي إخلاصهم، وكل ما يهم الشعب المصري في المقام الأول حل مشاكله المتفاقمة، والعبور به إلى بر الأمان، وتوفير الحياة الحرة الكريمة الآمنة لكافة المواطنين، بغض النظر عن اللون أو العرق أو الدين أو الجنس، وبالتالي لا يهمنا الأسماء ولن يضير المصريين شيء لو كان رئيس مصر إخواني أو سلفي، وبالتالي ينبغي أن نلتف حول الهدف والغاية وليس الأسماء والانتماءات الحزبية أو الفكرية.

               

    * كاتب إسلامي مصري