الضغوط الراهنة وسبل التعامل معها

عقاب يحيى

بين العقل الكيدي، والنهج التباكسي، وشعارات أهمية تجميع قوى المعارضة وتوافقها على رؤية، أو خريطة طريق مشتركة، وبذل الجهود المخلصة لعقد مؤتمر وطني جامع، وحقيقي، ومنتج، وسوري، وله علاقة بالثورة وما تواجه، والبلاد، والتحدّيات.. مروحة تتسع من التفاسير والخلفيات، والغايات التي لا تقتصر على السوريين وقراراتهم " الذاتية "  لأنها تختلط بمجموعة من العوامل الإقليمية، والدولية وتشابك المشاريع والنوايا، والتكتيكات..

هناك شعور يقوى بأن الوضع شبيه بانعقاد " مؤتمر القاهرة للمعارضة" أوائل تموز 2012 حين اعتبر المجلس الوطني حينها أن ذلك الإصرار على تشكيل لجنة متابعة هي مؤامرة عليه لإضعافه وتحجيمه واحتوائه فواجه الجهود المخلصة، وصاحبة النوايا بإرادة التفشيل، وكان له ذلك.. وكان الثمن : إسقاطه من حسابات جهات كثيرة وولادة الإئتلاف في تلك الظروف المعروفة..

ـ اليوم الظروف أشدّ تعقيداً، وتراكباً، وتراجعاً في مختلف المجالات..

فتركيبة الإئتلاف، وصراعاته البينية، وفشله في مأسسة داخله، والنهوض بالأعباء الرئيسة المناطة به، وسط تنصّل الجهات الواعدة بمزيد المساعدات والدعم، وبروز حقيقة الموقف الأمريكي الرافض لوضع ثقل مهم في اتجاهي : الحسم العسكري أو السياسي، واقله تقديم اللازم لبناء ميزان قوى جدّي لصالح الثورة من شأنه أن يفرض الحدّ المقبول في معادلة الحل السياسي وفق قرارات جنيف 1 وبنوده الست، وتراجع الاهتمام بالمسألة السورية مسافات كبيرة حتى لدة معظم" اصدقاء الشعب السوري" وصعود قصة داعش، ومحاربة الإرهاب مستوى الطغيان على جميع الاهتمامات الأخرى، وكذا موقع الاتفاق مع إيران، والنظر إليه ـ على الأقل ظاهرياً ، لأن المخفي كبير وكثير واستراتيجي ـ من ذلك الثقب بالذات، والعبور من خلاله إلى تغيير واضح في الموقف من مصير، ومستقبل النظام السوري ورأسه، وكبار مجرميه..وتكرار الحديث عن معارضة معتدلة لا أحد يعرف توصيفاً محدداً لها، ولا ضمن اية شروط يريدونها، أو يسعون إلى قولبتها، وتكييفها، في الوقت الذي يضعون واقعها دريئة لتوجيه سهام تقصيرهم، ومواقفهم، وحجة مانعة لدعمهم، وبلورة مواقف واضحة تخصّ وضع ثقلهم في حسم الماساة السورية، وإنهائها لصالح الشعب وحقوقه ..

في هذه اللوحة المضطربة.. تكثر المبادرات، ويلتقط البعض الوضع بخلفيات وطنية، وأخرى تخصّ ذلك العقل الكيدي، خاصة وأنه يرى أن الظروف مناسبة لتعويمه، واقتناص فرصة الانقضاض وضرب عصافيره التي حلم باصطيادها بأحجار الظروف الحالية، وواقع الإئتلاف، وإشاعة أخبار متواترة عن النوايا بتجاوزه، أو بفرض جسم فضفاض عليه، او بالتعامل معه كمجرد جهة معارضة، وليس كممثل شرعي للشعب السوري.. كما هم قرروا في لقاءاتهم الرسمية تحت عنوان : اصدقاء الشعب السوري .

ـ وعلى ذكر الممثل الشرعي، ورغبة البعض أن يضيف إليها والوحيد، ايضاً، فقد أكدنا على مدار عمر الإئتلاف، داخله وفي مواقف كثيرة منشورة، وكتابات معلنة أن الشرعية هي تلك التي يمنحها الشعب السوري، وليس غيره، وأن لم يستشر، وأن الوصول إليها وتجسيدها نتاج فعل، وحصيلة ما يقوم به الإئتلاف من دور على الأرض، وفي عموم الميادين، وهو الأمر الذي عجز عن النهوض به، والسباب كثيرة : ذاتية ومتراكبة مع تلك الإقليمية والدولية، ومنعرجات الثورة الثورية وما عرفته من تحولات، ومناقلات، وتشوّهات

ـ لكن ومع الإقرار بهذه الحقيقة التي تستدعي من أهل الإئتلاف وعيها، والعمل الحثيث لأن يكون الجسم الأكثر تمثيلاً للمعارضة وقوى الثورة، إن كان على صعيد أوضاعه الداخلية، وتجسيد مشاريع الإصلاح التي تقدّم بها عدد من الأعضاء والهيئات فيه، ومنهم " التجمع الوطني السوري"، وفتح حوارات جدّية مع مختلف قوى المعارضة والحراك الثوري والمسلح والمدني بغية التحضير لمؤتمر وطني جامع، حرى الكثير في جدول أعماله، وغاياته، ومهامه..

     رغم ذلك يبقى الإئتلاف بمكوّناته والقوى المشاركة فيه، مع الأخذ بالاعتبار ـ هنا ـ موقع الاعتراف الرسمي من دول عديدة به، الجسم الأكبر للمعارضة، والمعني مباشرة بالتصدي للمهام الحيوية المطروحة على الثورة والبلد .

ـ من جهة ثانية فإن الابتعاد عن نهج المباكسة، والمحاصصة المغلفة بكثير الأورام والتوريم في الحجوم.. يفتح الطريق إلى تفاهمات حقيقية لا علاقة لها بالذهن الكيدي، الاستبدالي، او الإقصائي، ويدفع جميع القوى الحية، والتي لها وجود على الأرض، وليس الورق، للتلاقي حول المشتركات، وتخطي كافة المعيقات التي تحول دون، أو تصعّب انعقاد المؤتمر الوطني الجامع ..

ـ أما مستوى التدخلات الخارجية بكل الأمزجة، والاعتبارات، والتكتيكات، والمشاريع المختلفة التي تحرّك اصحابها.. فلن ينجح أحد في استيعابها، ومواجهتها إلا عبر استنهاض الوطنية السورية العريقة، والتمسّك بالقرار الوطني منطلقاً وغاية ونهجاً.. حينها سيكون بإمكان المعارضة مقابلة كافة الضغوط، والمحاولات بإرادة قوية قادرة على إفشال وتقويض كل ما من شأنه الفرض، والوصاية، والحرف، وخلق البدائل الكرتونية، والتابعة ..