حكايات خلفان مع جماعة الإخوان!!

حكايات خلفان مع جماعة الإخوان!!

ياسر الزعاترة

لم تبدأ “الحرب الباردة” بين (العقيد ضاحي خلفان) مدير شرطة إمارة دبي وبين جماعة الإخوان المسلمين عندما رد الأول على حديث الشيخ القرضاوي في برنامج “الشريعة والحياة” المتعلق بترحيل عشرات العائلات السورية إثر مشاركتها في اعتصام أمام القنصلية السورية في دبي، إذ أن هجوم العقيد على الجماعة لم يتوقف منذ زمن، فهم تارة يتآمرون على أنظمة الخليج، وهم تارة أخرى عملاء لأمريكا، وفي ثالثة أخطر من إيران، إلى غير ذلك من التهم التي أخذ العقيد يترجمها مؤخرا من خلال صفحته في موقع “تويتر” الشهير، فيما يكررها في حواراته الصحفية التي لا تتوقف.

لا خلاف على أن موقف دولة الإمارات ، وأقله بعض رموزها، من الإخوان هو موقف عدائي (استهداف “الإخوان” الإمارتيين الدائم دليل على ذلك)، الأمر الذي يستحق الكثير من التفسير والتحليل الذي تختلط فيه السياسة بالأبعاد النفسية، وإن طغت عليه السياسة والعداء التقليدي لقوى المعارضة. نذكّر بذلك كله حتى لا يبرر البعض مواقف خلفان بوجود حرب إخوانية مماثلة ضد دولة الإمارات تستدعي تدخلا سياسيا عاجلا من مجلس التعاون الخليجي مع قدر من التهديد لمصر وشعبها.

معلوم أن القرضاوي لا يخضع في تحديد مواقفه لحسابات الإخوان؛ هو الذي اختلف معهم مرارا خلال السنوات الأخيرة، مع ضرورة الإِشارة هنا إلى أن الخلط بين الدول العربية وحكامها هو محض تلفيق، لأن الحديث عن قيادة بلد لا يعني بحال الإساءة لأهله الذين ربما كانوا الأكثر تأثرا بسياسات تلك القيادة.

كلام القرضاوي كان محض مناشدة إنسانية، لكن رد خلفان جاء قاسيا، إذ بدأ بالحديث عن إعداد مذكرة لجلب الشيخ عن طريق “الإنتربول” كما لو كان تاجر مخدرات، وانتهى بهجوم أكثر شراسة على الإخوان وتذكير بمخاطرهم وتحذير منها.

رد الناطق باسم الإخوان المصريين (محمود غزلان) لم ينطوِ على تصعيد يُذكر، فقد رفض الرجل فكرة جلب الشيخ عن طريق “الإنتربول”، وقال إن الأمة لن تسكت على ذلك. ولو كانت لدى الإخوان نوايا تصعيد من أي نوع لرد رموزها على هجمات خلفان التي لم تتوقف قبل الربيع العربي وبعده.

اللافت أن الرجل لم يتوقف بعد ذلك، إذ واصل هجومه الرهيب (والطريف في آن) على الإخوان، حيث قدم مقاربة سياسية غريبة خلاصتها أن الإخوان أصبحوا الآن دولة (يعني في مصر)، ولم يعودوا تنظيما، ما يعني أن “تبعية” الفروع الأخرى (وكذلك أي شخص) لهم هي عمالة لدولة أجنبية تستدعي المحاكمة.

والسؤال هنا: هل كان الإخوان المصريون يحركون فروع الجماعة بـ”الريموت كونترول” أيام التنظيم حتى يحركوها بذات الطريقة أيام الدولة والسلطة؟ ألا يرى خلفان ذلك التباين في السياسات بين فروع التنظيم تبعا لاستحقاقات الدولة القطرية؟ ثم هل تلك الدولة التي يتحدث عنها هي “الدولة الصهيونية”، أم أنها مصر الشقيقة الكبرى للأمة، التي ينبغي أن تقود العمل العربي المشترك نحو آفاق التعاون والتكافل؟!

إضافة إلى تحذيره من سيطرة الإخوان على سوريا بعد الأسد، قدم خلفان في حديث لصحيفة الشروق الجزائرية رؤية فريدة للربيع العربي خلاصتها أنه مؤامرة أمريكية إخوانية، طبخت من تونس بعد استفزاز البوعزيزي لحرق نفسه. أما الأكثر طرافة فيتمثل في قوله إن الإخوان هم “الجنود السريون لأمريكا الذين ينفذون مخطط الفوضى”، ما يعني بمفهوم المخالفة وقوفه على رأس محور العداء لأمريكا، مع علم الجميع بأن الإمارات هي الدولة العربية الأقرب على الإطلاق للسياق الأمريكي. لا تعكس ذلك حيثيات السياسة فقط، وإنما أيضا صفقات السلاح “التاريخية” التي صبت مئات المليارات في جيب الأمريكان.

لا حاجة للكثير من الكلام، فأصدقاء أمريكا معروفون وأعداؤها كذلك، ولو كان بوسع واشنطن المحافظة على حسني مبارك وزين العابدين وعلي صالح والقذافي لما ترددت في ذلك، لكنها الشعوب العربية التي فرضت التغيير بقوة الإرادة والتضحيات.

أيا يكن الأمر، فإن مزيدا من التحليل لحيثيات القصة من ألفها إلى يائها لن يختلف عن تحليل حديث ذلك الأمير (مسؤول كبير) في دولة مجاورة عن مخاطر الإخوان، وخلاصته أن القوم خائفون من امتداد الربيع العربي إليهم، أكان بطبعة إخوانية أم سلفية أم ليبرالية، ذلك أن استهداف المعارضة في وعي الحكام لا صلة له البتة بالأيديولوجيا، بقدر صلته بالمعارضة من حيث أتت، تلك التي تهدد تفردهم بالسلطة والثروة، وهو تفرد لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، لأن رياح الربيع العربي لن تتوقف عند حدود أحد، وشعوب الخليج بوعيها وارتفاع معدلات التعليم بين صفوف أبنائها لن تقبل استمرار الحال على ما هو عليه، والأوعى بين حكامها هو من يبادر إلى الإصلاح.

ختاما، ورغم عدم توقف خلفان عن إطلاق التصريحات ضد الإخوان، فإن من الأفضل إيجاد تسوية للعلاقة بينهم (إخوان مصر تحديدا) وبين الإمارات وعموم دول الخليج، ليس لأن في ذلك مصلحة للأمة فقط، بل أيضا لأن أحدا في تلك الدول، بما في ذلك الإسلاميون، لم يتحدث عن تغييرات جذرية، وإنما إصلاحات سياسية تصب في مصلحة الجميع حاضرا ومستقبلا، الأمر الذي يستدعي الاستجابة وليس الهرب إلى الأمام بافتعال معارك جانبية مع طيف سياسي واسع في المجتمعات العربية.