هل خلت سورية من العقلاء أم خفتت أصواتهم

هل خلت سورية من العقلاء أم خفتت أصواتهم

ولم تعد تسمع من زعيق الحمقى والأغبياء ؟؟!!!

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

في مداخلة لي عام 2009 على موقع جمعية المترجمين والمثقفين العرب والمختصرة (بواتا) والتي كانت تضم عشرات الألاف من المثقفين والكتاب العرب والصحفيين بعنوان:

( أرشح نفسي قائداً للأمة فمن ينتخبني ؟)

 كنت في الصف الثالث الابتدائي انتخبوني التلاميذ عريفاً للصف , وعندما يخرج المدرس لصف آخر أقوم بتسجيل أسماء المشاغبين , وكان شقيقي الذي يكبرني في الصف الخامس , وفي أحد الأيام وأثناء الفطور قال شقيقي لأمي , إن أخي عبدالغني ظالم جداً يكتب أسماء زملائه ويقوم المدرس بمعاقبتهم عقاباً مخابراتياً , فقالت لي أمي يابني إن الظلم حرام فلا تظلم زملائك , فوعدتها لن أفعل ذلك بعد الآن , وبالفعل تغير اسلوبي وابتعدت عن ظلم زملائي , ولم أظلم أحداً بعدها ,وفي الصف الرابع بعد أن انتخبوني عريفاً للصف بقيت فترة وبعدها تركت منصب العريف طوعاً وانتخبوا غيري وأنا راض كل الرضى .

إن العدل أساس الملك والله سبحانه وتعالى من أسمائه الحسنى العادل , وهو مالك الملك , وهو الخالق لنا وموجدنا ومحيينا ومميتنا وإليه عائدون حتماً .

الأنسان مخير في أشياء ومجبر في أشياء , ولكن توجد أمور كثيرة لايمكنه الاختيار فيها أبداً .

فهو لم يختر والديه , ولم يختر وطنه ولم يختر معتقده أو دينه أو عرقه أو طائفته , ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة , ولكنها سنة الله في خلقه .

واختلف الفلاسفة وعلماء الاجتماع وثقافات الشعوب في نظرتهم للأخلاق فمال البعض للقول :أن الانسان بطبعه يولد خيراً , وقال البعض الآخر الانسان شرير بطبعه , وعلماء الاحتماع أعادوها للنشأة والتربية والمجتمع وعلاقة الانسان بمحيطه أو مهنته .

بينما الاسلام حدد الأخلاق بالنفس البشرية والتي تملك الخير وتملك الشر وقد عبر عنها القرآن الكريم (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها , قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) .

المجتمع السوري يسير لمنزلق خطير جداً , ولا يعلم إلا الله تعالى نهاية هذا المنزلق ,والكل يسير مسرعا لقعره بأصوات الحمقى .

الكل يلغي الكل والكل ملغي , مع دماء تسير كالأنهار طاهرة بريئة  , يقوم فيها حمقى , ويشعل نارها سفهاء... أحمق منهم في مواقف كثيرة .

لقد ابتلي الشعب السوري بنظام حكم ظالم , والظلم واقع على الغالبية الساحقة من المجتمع السوري , وتوجد ثلة قليلة تتحكم بكل الأمور ,وانطلقت الثورة السورية للتخلص من هذا النظام , وشعارها الشعب السوري واحد , واللي بيقتل شعبوا خاين , الله سوريه حرية وبس .

وعندما وجد الحاكم أن الأمور انقلبت عليه , سعى إلى جعل الثورة على أنها مؤامرة وطائفية , فالعلمانيين قالوا انها ثورة اسلامية سلفية , لأنها انطلقت من المساجد , والاسلاميون قالوا هؤلاء علمانيون كفرة , والحاكم جعل نفسه الحامي للأقليات .

وتحول الصراع إلى صراع فكري ومذهبي وعرقي وإثني , وأصبح التقييم على هذا الأساس ,على أساس الفكر والانتماء , وليس على أساس اسقاط النظام الشمولي السارق الناهب القاتل .ووقع الناس في شرك هذه الطغمة الحاكمة , في تحويل الصراع والقوى المضادة لمعارك فيما بينها , وبالتالي اقتنعت الأقليات أن وجودها مرتبط بوجود هذه العصابة , عندما تحول التصنيف من تصنيف ظالم ومظلوم إلى جعل الانتماء الفكري والعقدي هو المقياس الوحيد للإخلاص .

فلماذا غاب العقلاء وهم كثر في مجتمعنا , وتركوا الساحة لحاكم غبي وسفيه , وعقلاء الثورة تركوا الساحة لمتطرفين يجدون كل ماعداهم لايستحق الحياة ؟

 إن أي نظام حاكم سيأتي مالم يكن أساس الحكم عنده العدل , فسيكون ألعن من سابقه .