"الصمت": فن، وفوز، وفضيلة

"الصمت": فن، وفوز، وفضيلة

ناديا مظفر سلطان

ما كان فوز الفيلم الصامت الفنان" الآرتيست" بخمسة جوائز أوسكار في يوم الأحد الماضي 26-2-12  بعد ثلاث وثمانين عاما من رحلة هوليوودية من الأفلام الناطقة  ما كان هذا الفوز إلا برهانا واضحا على أن الصمت أعظم شأنا من الكلام .

ففي ظلال الحدث السوري الذي يلقي على أصحاب الضمير فحسب ،  ثقله ، منذ عام وحتى اليوم ، تحدث الداني والقاصي ، وكتب العربي والأعجمي ... فنطق البعض كفرا ، وشهد الآخر زورا ، وكتب ثالث مهاجما ، ومزدريا  ، محاولا النيل من الثورة السورية

وفي  رسالة رثاء للثورة السورية ، تحدث أحد الكتاب من منبر عاجي ، شاهق العلو والغلو من الكبر والخيلاء ، وفي تفوق أسطوري يزري بأرسطو وأفلاطون  ،واصفا إياها بالتمرد الأهوج الذي لا يحمل سوى صفات الانفعال الغوغائي  ، لافتقارها إلى الفلسفة والفلاسفة.

كما نعى الكاتب كل من أدلى بدلوه فيها ،  ف "بشارة " احترق حتى التفحم  ،و"غليون" تقزم حتى التلاشي ، ثم نال من كل "آل الأتاسي"... شيبهم وشبيبهم ،سلفهم وخلفهم ... ولم ينج في آخر الكلام ، من  كوارث التفحم ، والتقزم ، والتفتق  إلا " المدعو " حسن نصر الله " ، كمثل أعلى على الرغم من أنف هذا الأخير ، الذي طال منافسا " بينوكيو" في آخر خطاب له ، وهو يتحدث عن السلام والوئام  -التي ترتع فيه مدينة حمص - في أحضان الأسد ، وعينه الرؤوم التي لا تنام !!.

وأبواق النظام السوري المسكين لازالت تنعق زورا وبهتانا منذ أول الحدث وحتى مهزلة الدستور في مقابلات هزيلة مع ثلة من  "كومبارس" قد طردوا من معهد التمثيل لرداءة أدائهم  

أما أصدقاء  سوريا "اللدودين" فقد هرعوا إلى تونس كي تتفتق قريحتهم هناك عن طريقة جديدة لمساعدة السوريين ، ألا وهي في تقديم العون للمصابين ، لإسعاف من فقأت عينه أو بترت ساقه ،أو طار فكه ،  في مباركة ضمنية لعمليات الإبادة  للشعب السوري ، على طريقة  "راسبوتين" الذي كان يحث على ارتكاب الخطايا أولا لأجل التطهر من الآثام!!

البعض خرج من صمت القبور فتكلم وأنصف ، وبعض مشايخ السعودية ، أفتوا بوجوب قتل الأسد حسب الحكم الشرعي  بأن القاتل يقتل ولكنه أسهب ف تكلم عن وجوب  قتال المسيحيين والنصارى ! و ليته لم يفعل لكان الصمت أفضل!

ومما لا شك فيه أن الثورة السورية  "إسلامية" ،

 إسلامية ، بميقاتها  وخروجها من ظهيرة كل" جمعة" ، إسلامية بمكانها وانطلاقتها من "الجوامع"  ، إسلامية بهتافها "الله أكبر" ، إسلامية بمضمونها وتوحيدها  "لن نركع إلا لله" ، إسلامية  بسلميتها  وبعدها عن العنف - لما بدأت-  ، إسلامية بتقديمها للشهداء الموعودين بالجنة ، إسلامية " بصبر ذوي الشهداء " ، إسلامية" بصمودها الباسل" ، إسلامية "بروحها وتاريخها بالتعايش السلمي" مع مختلف الديانات والمذاهب ، على طريقة "العهدة العمرية" ، لما سمح عمر بن الخطاب لليهود بالعيش السلمي فيها للمرة الأولى بعد 500 سنة من الحكم القمعي للرومان ،  وكذلك لما  رفض عمر الصلاة في" كنيسة القيامة خوفا واحتراما للكنيسة " ، كمعبد مسيحي ، وبأن المسلمين قد يكسروا العهدة  ، ويحولوا الكنيسة إلى جامع !.

الثورة السورية : فلاسفتها أهل" كفر نبل" فالجميع ومنذ قيام الثورة  يتطلعون يوميا  إلى شعاراتهم الفطنة الواعية الظريفة "المبكية المضحكة " رغم الآلام والدماء .... وقادتها " فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى" ،  من حمص وحماة ودرعا ودير الزور وجسر الشغور وإدلب.....ومرجعيتها  ، تاريخ عريق مجيد من وحدة لا يهددها الانفصام ،  جمعت بين فتح الله صقال،  وابراهيم هنانو، وسعد الله الجابري وفارس الخوري ، وهاشم الأتاسي و  ... لأجل حرية سوريا ونمائها وبنائها

عندما دخلت للمرة الأولى -لأعوام خلت- منزل  صديق والدي ،شاعر حلب ،عبد الله يوركي حلاق لم يطالعني صليب كما توقعت ، وإنما آية قرآنية

"لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون"82-5

حدثني فيما بعد الشاعر عن تاريخ صداقته مع المحامي  "فتح الله صقال"  فقال لي كان يطلب مني هذا الأخير أن أوزع الصدقات في شهر رمضان ولا أسأل إنسان عن دينه إن كان مسلما أم يهوديا أم مسيحيا

كانت بناية "سالم وبستاني " ،في حي الفرنسيسكان  في حلب ، التي قضيت فيها عهد  الطفولة ، وجزء من الشباب ، تضم سنة وشيعة وعلوية ومسيحيين وأكراد وأرمن ، نساء محجبات وأخر سافرات .لم يحاكم أحد أحدا ،  كما أنني  لم  أكتشف هذه الحقائق التي أسردها الآن عن هؤلاء الجيران المتواد ين المتراحمين المتكافلين إلا عند قيام الحركة التصحيحية التي أفسدت العقول ،و نشرت الفساد في البلاد من تعليم وقضاء حتى وصلت إلى تركيبة ال د ن ا للإنسان فلوثتها فوصلت سوريا إلى ما عليه اليوم من مجازر .

 سوريا التي نسعى إليها اليوم ، ليس حلما مثاليا ، بل تاريخا مجيدا ، يستأهل التضحيات ، ولكن المطلوب لأجل تحقيقه ، مجلس وطني يملك : حنكة سياسية ، وإخلاص  حقيقي،  وروح إسلامية أصيلة ،- وليس توجه إيديولوجي-  وثقافة تاريخية واسعة ، ونضج على مستوى الأحداث  .... يتناسب مع :  بيان أهل كفر نبل ، وشجاعة أهل حمص  ،ونخوة أهل حماة ، ومبادرة أهل درعا،  ووعي أهل جسر الشغور .... وأسطورية الإقدام في  الشارع السوري بالإجمال . 

  

والحقيقة  أنني ومنذ بدء الثورة السورية  ، وأنا أتساءل عن فحوى خطبة الجمعة في مدينتي حلب ودمشق ؟هل  يتحدث الخطباء فيها  عن حكم رضاع الكبير مثلا ؟أم عن حكم نقاب المرأة بين الفرض والاستحباب؟ إذا كان علماء المسلمين أعجز من النطق بكلمة حق عند سلطان جائر أما كان صمتهم أبلغ وأعظم أثرا ؟ أما كان مكوثهم في ديارهم أجدى ؟

الصمت قد أثبت في الأوسكار أنه قمة الفن وسبيل  للفوز،  وهو أيضا  معين  للفضيلة "لأهل الفضائل" عندما لا تنتصر  "نجواهم" لإخوتهم  المسلمين من جائع وشريد ومعتقل ؟؟؟؟

في النهاية أجد من العبث إقناع الإعلام السوري بالصمت  والكف عن النعيق والنهيق" مهما عظمت جوازيه" ، تماما  كعبثية إقناع وحش مسعور بالكف عن العواء ، ولكن ..

أقترح إن كان الكلام أمثال خطب الجمعة في الأماكن السورية  التي خذلت الثورة منذ عام  وحتى اليوم والتي لم تثمر عن أي شكل من أشكال النهي عن المنكر  ... وأمثال مقالات بعض الكتاب " التي تتخذ من بينوكيو مثلها " الفلسفي الأعلى " ، وأمثال مؤتمرات راسبوتينية لأصدقاء سوريا "اللدودين "،  أقترح  ،أن يرحم أهل الثورة أنفسهم من ضوضاء ملوثة للبيئة  وللوجدان ، وأن يدعوا إلى   يوم جمعة لأجل

" اخرسوا فإن صوتكم يقتلنا"

ليت  المتكلمين من عرب وعجم قد صمتوا ولو دقيقة من أجل أرواح  الطفولة السورية ،حمزة وعفاف وهاجر ومروة وملك وإسراء  .وبقية المشاغبين !!!...

 وفي الحديث النبوي "من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو يصمت ".