لا نملك إلا

لا نملك إلا..!

صباح الضامن

[email protected]

لما قامت تونس تخضر ربيعها الذي اصفرت أوراقه , تندت العيون بندى دافيء أشاع في القلب أملا بحياة وبعث جديد من موات لمن مات ومات ومات .

ووقف الجميع وفجاءة الحدث ألجم عنان مسايرته , وتنقل  الصمت أو الهمس بين أروقة الخفاء لمن سكن جغرافية كانت يوما متحدة .

وانتصرت الإرادة الفتية على وهن عظام الأرواح المغلوب على أمرها .

وكالإعصار الأخضر يحمل بذور لقاح سريعة الانبثاق أزهرت مصر وشَدَتِ الأفواه معهم ولكنها لم تغادر أقبية الخفاء ولا تعدت عبارة مستترة بضمير جديد في اللغة العربية اسمه (( ضمير الخائف )) عبارة تقول نحن معكم بقلوبنا ودعائنا .

وفي الليل ولا أحد مطلع غير خالق الليل والنهار تبكي العيون القريبة البعيدة من ضمائر خائفة بخفوت وهمس (( كن معهم يا الله )) .

وتزهر قناديل الأزهر , ومنارة الإسكندرية تضيء مهللة مصاحبة قنوت ميدان تحرير العباد ,

وينتصر الحب ويخرج إبليس من جنة المتحابين .

ويعود يحمل صحراء قوية ببطش في بيضاء ليبيا وقلب المختار يتصدى له و يسكن بعزم ٍأفئدتهم لتنتصر ليبيا ونحن نقف ننظر لبلد الآلاف من الشهداء في تعداد لأيام حزنت من قصورنا وتقصيرنا , فهناك من يحارب عنا !!

نقف ننتظر وننظر ليمن الحكمة شهورا وشهورا يذبح العدل فيه على مقصلة الخور منا جميعا . ونسائل ضمائرنا وماذا بعد ! ونكذب على أنفسنا أن اليمن في أقصى الأرض أو أدناها ونحن : لا نملك .. إلا الدعاء !

ولهيب أوقد في شام العزة  وسارت بردى ساقية دماء وتحنى العاصي من شهداء حمص الوليد ليحمل في رحمه حروفا أرجوانية توقظ فينا ضمير الخائف وتقول لنا :

ألا زلتم لا تملكون إلا الدعاء !! هل يسمعكم الياسمين الدامي بلون دمع الثكالى !! أم تحرس دموعكم إسبارطيو الغدر يلقون من أعالي جبل  قاسيون فتى شاميا يقول أنا حر ..!!

ألا زلتم تنتظرون أنظمتكم مع من ستصفق لتأخذوا هواءها المتعالي وتتنسموه في شرفاتكم وعلى سطوح منازلكم الآيلة للسقوط فإن كانوا مع ... كنتم مع ... وإن رفعوا العقيرة بغناء على عروبة سفكت دماؤها ثارت بين جنباتكم قصائد الفخر لعنترة العبسي وعمرو بن كلثوم وكنتم ظاهرين كالشمس بضمائر الحاضر !!!!!

ومن به ذرة من حضور في مسرح الحزن يكتب قصة أسف وألم على دم الأبرياء والشرفاء والضعفاء ,  ولكنه وراء ضمير الخائف بلقب مستعار وقلب مستثار في دواخله يتنفس هو فقط هواءه  ويبكي هو فقط من وجع علو خفقاته .

ونقول لا نملك إلا الدعاء ! لا والله  بل نملك الكثير ........

نملك أن نوقظ فينا ديننا الذي حبس في شعائر تعبدية فقط بلا روح ولا عمل .

نملك أن نؤرخ وثبات الأسود من قادتنا العظام الذين مع الدعاء جاهدوا الغزو والظلم والاستعباد .

نملك ألا نسد عين الشمس بأعلام  بلادنا المجزأة بكل لون ...

نملك أن نوظف هذا المُذْهَبِ البراق الذي كتب قصص الحب من أجل أن ننهض الهمم .

نملك أن نوثق الجرائم بعين ترافق عيون المبتلين , نرصدها , نخبر العالم أننا طائرات استكشاف ليست جبانة بلا طيار بل بحروف تطير في كل أصقاع الدنيا تنتصر للمظلوم .

نملك أن نجري سنة الوقف التي اندثرت لما غزى حب الدنيا قلب الكثير , أضع بجانب صندوق ابني صندوقا صغيرا أكتب عليه :

من أجلك يا وطني الإسلامي الكبير : وكل يوم أوقف شيئا من ماء العيون وغذاء القلوب والأبدان .

كل يوم أضع في حساباتي البنكية,  في داخلي وخارج ذاتي وقصري وكوخي وأدراج مكتبي وقف بما أستطيع أن أخزنه ليوم أقف فيه لهم وبهم .

لما نملك إرادة العطاء وأن الدنيا دول وكأس البلاء على الجميع سواء .. سنعرف أن الوقف لنا ..

بئر يحفر لتشرب منه الخلائق وقف , وقرش يوضع في بئر حب الأخ لأخيه لمعونته في مشرق ومغرب وقف, كلمة تقال بحق بلا ضمير خائف وقف .

لا نقول لا نملك إلا الدعاء فلربما يأتي يوم نقف فيه ذات الموقف ونتمنى ألا يكتفوا بالدعاء على عظمه .