البشرية... وصناعة التدمير

البشرية... وصناعة التدمير

الشيخ حماد أبو دعابس

رئيس الحركة الإسلامية

خلق الله تعالى ادم عليه السلام ليكون خليفة في الارض يعمِّرها وفق شرع الله ودينه. قال تعالى:"  وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً....". ومن مهمَّات بني ادم التي اراد المولى عز وجل ان يقوموا بها: عمارة الارض. ومن اجل ذلك جعلهم شعوباً وقبائل ليتعارفوا. وامرهم بالتعاون على البرِّ والتقوى، وحرِّم عليهم الظلم والبغي والعدوان. وحرَّم سفك الدماء البريئة، وقتل النفس التي حرَّم الله الا بالحقِّ. ولكن الى جانب ذلك فقد جعل الله تعالى بين البشر سنة قاضية الى قيام الساعة الا وهي سنة التدافع. قال تعالى:" الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ". اي ان القوي لا يبقى قوياً الى الابد، والفاسد والمستبد لا يظل مهيمناً ومسيطراً، بل يضعف القوي وياتي من هو اقوى منه يدفعه. وينخر الفساد والاستبداد في جسد من يدمن عليه حتى يقيِّض الله  تعالى من هو اصلح منه ليستبدله. ولا يترك الله تعالى الكون فراغاً، وعليه فانه عز وجل لا يدمِّر بنياناً للباطل حتى يكون من اهل الحق من هم اهل لاقامة بنيان للحق، فيستحقون الاستخلاف، يقول تعالى:" وان تتولوا يستبدل قوماً غيركم،ثم لا يكونوا امثالكم". ويقول :" ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

اما الممالك والدول والامبراطوريات، فلو دام الملك لمن قبلهم لما وصل اليهم، بل هي ايام يداولها الله بين الناس:"وتلك الايام نداولها بين الناس". وحين يسود الطغيان والظلم، ويستشري الطمع والبطر، والفسوق وكفران النعمة، يدمر الله الممالك والامبراطوريات ولو كانت في عرف الناس دولاً عُظمى. فانها في عرف القران الكريم قرى ظالمة. فالقرية في التعبير القراني هي المجموعة البشرية التي يسود فيها الظلم والكفر ولو كانت دولة او قارة باسرها. قال تعالى:" واذا اردنا ان نُهلك قريةً امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً".

وتيرة متسارعة نحو تدمير شامل

صنع الانسان القديم انواعاً من الاسلحة التقليديه كالسيف والرمح والسهم ليقاتل بها عدوه، فكانت تستدعي مواجهة الى حد التلاحم بين الخصوم او الجيوش. ثم طوَّر بعد حقبة من الزمن بندقية تقتل عن بعد. ثم كانت القنابل والمدافع، فالدبابات والراجمات لتقتل وتدمِّر بكمٍّ اكبر وعن بُعد اكثر. ثم جاء عهد الطائرات تلقي بقنابلها من الجو فتدمِّر اضعافاً مضاعفة، والصواريخ بعيدة المدى لتزرع الدمار عن بعد الاف الاميال من الهدف. وظلَّت مسيرة صناعة التدمير مستمرة حتى طمعت كثير من الدول للوصول الى اخطر تلك الصناعات، وتلك الاسلحة، التي تسمَّى اسلحة الدمار الشامل. ومن بينها الاسلحة النووية والكيماوية، والقنابل الهيدروجينية وغيرها من المسميات، الكفيلة بابادة مدن كبرى ودول باسرها، في حال استخدامها. واليوم باتت مجموعة من الدول الكبرى تشكل ذلك النادي المتميز"نادي الدول النوويه" تشمل دولاً غربية وشرقية، يضاف اليها اسرائيل بشكل غير رسمي، والباكستان كاول دولة اسلامية في هذا النادي. وتسعى ايران- وفق اتهامات الغرب- لامتلاك التكنولوجيا النوويه لتفرض نفسها عضوا" غير مرغوب فيه" في نادي الدول النوويه.

هذا السباق المحموم نحو التسلح، وما يقابله من وعيد وتهديد لمنع ايران من الوصول الى صناعة القنبلة النوويه الاولى، هو جزء من صناعة البشر لوسائل تدميرهم. فحتى لا تصل ايران لصناعة سلاح دمار شامل. يسعى الغرب واسرائيل لمنعها عن طريق عقوبات صارمة، وقد  يتعدى الامر ذلك ليصل الى حرب مدمِّرة على ايران، تحت ذريعة:"ندمّرها اليوم حتى لا تدمّرنا غداً". فتردّ ايران: من يسعى لتدميرنا فسوف ندمِّره، ولن نستثني احداً.

تدمير في بلاد الشام  وفي ارض النقب

حطَّت معظم الثورات العربية رحالها،ورحل طغاتُها، وبقيت الحرب المتاججة في سوريا. جيش نظامي يفتك بشعبه، بكل ترساانته الحربية، يدكّ المدن والقرى والاحياء السورية على كل ساكنيها، ويزرع الدمار في كل الارجاء. البشر والحجر والشجر الكل معرض للابادة والتدمير. الاطفال والشيوخ، الرجال والنساء، المتظاهرون والمعتقلون، الصحافيون الاحرار والمصورون لنقل الاخبار..... كلهم مشاريع شهادة، وكلهم مرشحون ليكونوا ارقاماً في سجلات الموت.

اما في النقب فاكثر من الف منزل هدمت في العام الماضي وحده والاف المنازل الاخرى قبل ذلك وبعده ضمن مسلسل تدمير لا ينتهي. استلاء على الارض العربية بملايين الدونمات، ومخطط لاستئصال ما تبقى منها. ابادة للمزروعات الموسمية في الارض المتنازع عليها، وقوانين عنصرية بالجملة. تشرعن قتل المواطن العربي حيث تكون عقوبة القاتل الاسرائيلي بضعة اشهر في السجن، بمقابل عشرات السنين للقاتل العربي. اما صناعة التدمير الاسرائيلية في الضفة الغربية والقدس وغزة ولبنان فحدِّث ولا حرج، مئات الاف المنكوبين وملايين المتضررين، ومغتصبات اسرائيلية تبتلع قرابة نصف اراضي الضفة الغربيه والقدس.

انها نفس مسيرة التدمير. فالبشر باتوا يعتمدون قوانين الغاب، فيها القوي ياكل الضعيف. فاسرائيل تزرع الدمار في فلسطين، وامريكا زرعت الدمار في ربوع العراق وافغانستان، والقذافي وبشار الاسد زرعا الدمار في ليبيا وسوريا. والقوى المتصارعة في الصومال دمَّرت فيها كل شيء. فلمن البقاء اذن؟.

البقاء للأقوى ام للأصلح؟

في المنطق البشري الاعتيادي القوي يطرد الضعيف ويستولي مكانه. القوي يقتل الضعيف ويحرمه من كل شيء، فالبقاء فيما يبدو هو للاقوى!!. ولكن لعبة الامم تشير الى ان الضعيف اذا راى نفسه مهدداً من قبل قوة عظمى، فانه يلجأ الى قوة عظمى مقابله، ليحدث بينهما الروع والتنافس المحموم، وربما الحرب البارده، التي تضمن للضعيف نوعاً من انواع الحياة . قد لا يحظى بالحرية والكرامة والاستقلالية الكاملة، ولكنه على الاقل يبقى موجوداً يترقب تغيُّر الموازين لصالحه. لكن المصيبة الكبرى حين تتوافق القوى الطامعة من الخارج على الإجهاز على ذلك الشعب المستضعف، فيتقاسمون الغنيمة، ويرضون بان يقتل الخصوم ابناء البلد الواحد ليُجهِز بعضهم على بعض. هذا المنطق الفاسد ان استمر كانت معه الفوضى والدمار المطلق.

ولكن بمقابل هذه المعادلات البشرية، فهناك المعادلة الالهية وهي اصدق واثبتت. اذاً ان المولى عز وجل يتدخَّل لحسم الصراع متى شاء، فيضرب الظالمين بعضهم ببعض، وينزل سخطه ونقمته على الطغاة والظلمة والمفسدين، ويمنح الفرصة للاصلح ان يسود ويقود، لتبدأ حقبة جديدة في حياة الامم والشعوب.

 يقول تعالى:" وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنَّهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم امناً يعبدوني لا يشركون في شيئاً ومن كفر بعد ذلك فاولئك هم الفاسقون". ويقول تعالى:" وكان حقاً علينا نصر المؤمنين".

اما الاكثر خطراً على الاطلاق!!!

البشرية تسير بخطىً سريعة نحو تدمير نفسها، وبذلك فانها تغضب ربها، وتفشل في امتحان المهمة التي خلقها الله من اجلها. خلقهم للتعمير، فأمعنوا في التدمير، جعلهم شعوباً ليتعارفوا فجعلوها عنصريةً واسباباً ليتقاتلوا، خلقهم ويعبدون غيره، رزقهم فيشكرون سواه، خيره اليهم نازل وشرهم اليه صاعد، يتحبب اليهم بنعمته ويتبغَّضون اليه بمعصيته، خلق لهم الحلال اصنافاً والواناً فاستلذوا بالحرام ففشى الظلم والكذب والخيانة والفواحش. فالخطر الداهم حين يعلن المولى عز وجل فشل البشرية فيما خلقها من اجله. واستحقاقها لغضبه وعقابه. حينها ياتي الله بامره، فيزلزل الارض بمن عليها، ويقلب عاليها سافلها، ولا يبالي الجبَّار بالمليارات ممن استحقوا النَّار.

فوالله لن يُبقي الله على وجه الارض من الطواغيت والظلمة والقتلة احداً.ولن تبقى دولة ولا امبراطورية ظالمة الا ويدمرها ربك او يعذبها عذاباً اليماً. فهو القائل سبحانه:

"وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا".وان قوماً قتلوا الانبياء من قبل، وعاثوا في الارض فساداً، وعلو علوّاً كبيراً يتوعدهم العظيم الجبَّار:" وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم 

".

فاطمأنوا ايها المستضعفون المؤمنون في الشام وفلسطين، يا اهل السنة في العراق وايران، ايها المقهورون في بلاد الكفر والالحاد في الصين وروسيا والشيشان وجمهوريات اسيا الوسطى. فان الذي يتوعد ظالميكم وقاهريكم هو القهار،ذو العزّة والجبروت، انه الله قاسم ظهور الجبَّارين، وناصر المستضعفين، انه عزيز ذو انتقام.

والله غالب على امره.