مقالة طارئة

ز. سانا

اليوم إنتشر في وسائل اﻹعلام خبر عن صحيفة شارلي الفرنسية بأنها ستصدر غدا 3 ملايين نسخة فيها كاريكاتير مسيء للرسول صلى الله عليه وسلم وذلك ردا على عملية اﻹرهاب التي قام بها بعض رجال المسلمين المتطرفين قبل 3 أيام حيث قتلوا 5 صحفيين أثناء تأدية عملهم. 

قبل أن أعطي رأيي في هذا الخبر سأذكر حادثة ذكرتها في الخاطرة 4 وتتعلق بنفس الموضوع. فقبل سنوات قليلة وبعد حادثة إرهابية قامت بها منظمة إسلامية متطرفة أدت إلى مقتل عدد من اﻷبرياء في أوروبا، عرضت إحدى الجرائد اﻷوروبية رسومات كاريكاتورية تسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرض اﻹستهزاء بدين هؤلاء اﻹرهابيين. فقامت مظاهرات في جميع الدول اﻹسلامية إحتجاجا على تلك الرسمات التي أساءت إلى نبي اﻹسلام. في إحدى هذه المظاهرات في تركيا حدث أن مرت المظاهرة بالقرب من كنيسة فدخلها المتظاهرون وراحوا يحطمون كل شيء في داخلها وعندما خرج عليهم قسيس الكنيسة متوسلا إليهم بالتوقف عن تخريب مقدساتها إنهالوا عليه ضربا ولم يتوقفوا حتى فارقت روحه جسده ومات. ماذنب هذا المسكين ليدفع هو ثمن غضب المتظاهرين الله أعلم. فما حصل هو أن جميع وسائل اﻹعلام اﻷوروبية والعالمية التي كانت جميعها ضد ذلك الرسام الصحفي الذي أساء إلى نبي اﻹسلام وطالبت بضرورة إحترام الشخصيات المقدسة لكل شعب، توقفت الكتابة عن هذا الموضوع وراحت تكتب عن مقتل القسيس وعن تخريب الكنيسة ليظهر مدى وحشية المسلمين وليظن الجميع أن اﻹسلام هو فعلا دين عنف وسفك الدماء.

قبل عام أو أكثر أيضا قام حزب هولندي بإنتاج فيلم قصير فيه إساءة للرسول وأهله، بهدف الطعن في اﻹسلام وإثبات أن اﻹسلام هو دين الدمار والتخلف والوحشية وأن السكوت عليه داخل هذه الدول الغربية سيؤدي إلى دمار حضارة هذه البلاد وتحويلها إلى مجتمعات متخلفة يسودها الرعب والوحشية. واليوم كذلك نسمع خبر إصدار رسومات كاريكاتورية جديدة فيها إساءة لنبي اﻹسلام. فرغم ما يفعله المسلمون ﻹيقاف هذا السلوك نجده يزداد مع الزمن. أسهل شيء يمكن أن يفعله المسلم هو أن يشتم أو أن يهدد أو يقتل أو يقاطع منتجات الدولة التي صدرت فيها هذه الصحف المسيئة للإسلام، ولكن كما نرى بأن جميع ردود الفعل هذه إتجاه هذه المشكلة بدلا من أن تحلها جعلتها أكبر حجما فمن رسمة كاريكاتورية تحول إلى إنتاج فيلم قصير واﻵن صحيفة شارلي التي كانت تبيع 50 ألف نسخة غدا ستبيع 3 ملايين نسخة أي بدلا من أن تضعف ماديا ستقوى وسيأتي يوم إذا إستمر المسلمون على ردود الفعل الوحشية هذه أو السطحية نفسها بدون فهم جذور المشكلة فإن عملية اﻹساءة للرسول ستصبح عادة يومية كما حصل مع عمليات اﻹساءة التي تحصل على عيسى وبقية اﻷنبياء عليهم الصلاة والسلام بشكل مستمر في الصحف و الكتب واﻷفلام. لذلك قبل أن نصرخ ونصب غضبنا بشكل أعمى على الفرنسيين أود أن أشرح بعض اﻷمور لنفهم جذور المشكلة، ﻹنه إذا كانت ردة فعلك ستؤدي بالطرف اﻵخر أن يصر على اﻹساءة للرسول فهذا يعني أنك تشاركه في هذه اﻹساءة.

للأسف معظم المسلمين لا يعلمون شيئا عن وضع المسلمين في الدول الغربية ، سأذكر لكم أشياء بسيطة رأيتها بأم عيني ويعلم بها كل مسلم يعيش في الدول الغربية. فعندما تذكر كلمة مسلم أمام فرنسي أو بريطاني أو يوناني أو أي غربي مباشرة تأتي في ذهنهم مثل هذه الصورة والتي تصف عن منطقة سكنية في اليونان 30 % من سكانها مسلمون من باكستان وبنغلاديش وأفغانستان ومن جميع البلدان العربية الفقيرة، فعلى الرغم من نسبتهم القليلة مقارنة مع نسبة السكان اﻷصليين (اليونانيين) ولكنهم هم الذين يسيطرون بشكل عام على شكل الحياة هناك، ( أعز الله القارئين ) فالقذارة تملأ الشوارع ورائحة البول تفوح من جميع انحائه وجميع المصابيح الضوئية إما سرقت أو تحطمت ليعم الظلام فيها. عمليات السرقة والقتل بين العصابات بشكل دائم. اليوناني الذي يقيم هناك لا يستطيع الخروج خارج منزله بعد غروب الشمس حيث الجميع يقفل اﻷبواب والنوافذ ولا يخرج إلا في اليوم التالي. وكثير منهم لم يستطع تحمل هذه الظروف فتركوا بيوتهم ومحلاتهم وإستأجروا في مناطق أخرى لا يوجد بها مسلمين. وسعر المنزل الذي كان ب 100 ألف يورو في هذه المنطقة اليوم إنخفض سعره إلى 10 ألاف ودون أن يشتريه أحد.، وعندما تذهب القنوات التلفزيونية لتعرض حقيقة ما يحدث هناك يكون تعليق المذيع على تلك الشوارع دائما هو واحد وهو أن (اﻷجانب قد حولوا هذه المنطقة إلى مكان حتى الحيوانات ترفض أن تسكن فيه من شدة قذارتها). لهذا السبب فإن سكان جميع المناطق يرفضون أن يبنى مسجد في منطقتهم ﻷن المسلمون الذين سيأتون إلى الصلاة في المسجد مع مرور الزمن -حسب زعمهم - سيحولون المنطقة إلى منطقة قذرة لا تسكنها حتى الحيوانات. وعدا عن هذه القذارة فهم سيحولونها إلى مركز لمنظمات إسلامية إرهابية أو مراكز لبيع المخدرات، ﻷن وسائل اﻹعلام الغربية لا تذكر إلا مساوئ المسلمين ووحشيتهم وخاصة بعد ظهور داعش والذي له في كل نشرة أخبارية بضع دقائق يظهرون فيها وهم يقطعون رؤوس بعض الغربيين. للأسف سلوك المسلمين في الدول الغربية جعلت الغربيين يؤمنون تماما بأنه من المسلمين لا تأتي إلا القذارة والمتفجرات والخراب والقتل، لذلك إستغلت اﻷحزاب المتطرفة المشابهة تماما بمنطق تفكيرهم منطق الخوارج المسلمين هذه الظروف وشنت حملة لتطهير بلادهم من الغرباء وخاصة منهم المسلمين ، في اليونان مثلا كان الحزب المتطرف (الفجر الذهبي) ترتيبه في الانتخابات يأتي في المرتبة الخمسين ولم يكن يحلم أعضائه أنهم يوما ما سيدخلون البرلمان ، ولكن اليوم وبعد إستغلالهم سوء سلوك المسلمين هناك حيث راحوا يطاردونهم في أحيائهم ويشبعونهم بالضرب في كل مرة يرون فيه شخصا مسلما ، إرتفعت مباشرة نسبتهم في اﻹنتخابات وفي اﻹنتخابات الماضية كانت مرتبتهم الحزب الثالث في البرلمان، وإذا إستمر المسلمون على ما هم عليه اﻵن فإنهم بسلوكهم هذا سيساعدون هم بأنفسهم هذا الحزب الذي يكره اﻹسلام في الوصول إلى إستلام الحكم في اليونان، ما يحصل في اليونان يحصل تماما في جميع الدول الغربية فالمشكلة ليست في الدول الغربية فقط ولكن في المسلميين أنفسهم ، فهم يساعدون بشكل غير مباشر في زيادة كره هذه الشعوب للمسلمين واﻹسلام، هم أنفسهم بالتعاون مع هذه اﻷحزاب يساعدون على نشر الحقد والبغضاء بين الشعوب والديانات. 

أعرف شخص مسلم في اليونان لا يقطع صلاة ولا وصوم يعمل ويضع راتبه في البنك ويذهب كل اليوم إلى كنيسة تقدم وجبة مجانية للفقراء وللعاطلين عن العمل، ليأخذ وجبتين واحدة لنفسه وواحدة لزوجته ولكن في الحقيقة الوجبة الثانية هي للعشاء ﻷنه غير متزوج! أعرف مسلما لا يقطع صلاة ولا صوم يملك محل البقالة نصف معلباته قد إنتهت صلاحيتها منذ أشهر وبدلا من أن يرميها في سلات المهملات يستمر في بيعها! أعرف مسلما إستغل طيبة أحد أصحاب المطاعم اليونانية فراح يأكل عنده يوميا لفترة طويلة دون أن يدفع ثمن الوجبة بحجة أنه ينتظر مبلغ مالي كبير من أخيه وأنه سيسدد دينه عندما يأتي هذا المبلغ وبعد فترة هرب من المنطقة دون ان يدفع شيئا لصاحب المطعم! أعرف عدد كبير من المسلمين يذكرون إسم نبيهم عشرات المرات يوميا ولكن سلوكهم عكس سلوك النبي نهائيا، دين اﻹسلام في هؤلاء تحول إلى دين وثني يعبدون أسماء بدون أن يهتموا نهائيا بالقيم اﻹنسانية واﻷخلاقية التي أتت بها هذه اﻷسماء. 

وأعرف طبيبا يوناني عندما يأخذ إجازته السنوية وبدلا من أن يذهب إلى الجزر اليونانية للإستراحة واﻹستجمام ينضم إلى منظمة أطباء بلا حدود العالمية ويذهب إلى بلدان تشكو من الكوارث الطبيعية أو البشرية كالتي تعيش حروبا أهلية مستمرة ،ليساعد في شفاء المرضى والمصابين، دون أن أن ينظر إذا كان هؤلاء من دينه أو من دين آخر وبشكل مجاني دون أي أجر ، رغم أنه يعلم أن اﻷماكن التي سيذهب إليها خطرة قد يقتل فيها أو قد يصاب بعاهة دائمة. .. أعرف محامي يوناني عندما أخذت أحد معارفي ليساعده في مشكلة بيته ساعده وربح الدعوة دون أن يأخذ أي أجر منه ﻷنه علم أن وضعه المالي سيء. أعرف شخص يوناني عندما رأى أن المستأجر المسلم لبيته قد خسر عمله وأنه لم يعد يستطيع تدبير مصاريف عائلته ، بدلا من طرده من البيت ﻷنه لم يعد باستطاعته دفع آجار البيت تركه يستمر في السكن وراح يدفع له هو مصاريف أطفاله. أعرف كثير من اليونانيين يعطفون على المحتاجين بغض النظر عن عرقهم ودينهم. في جميع البلدان الغربية يوجد مثل هؤلاء،سلوكهم تسيطر عليها المبادئ السامية التي يتحدث عنها اﻹسلام والمسيحية. لذلك قبل أن نصب غضبنا على الشعوب الغربية ﻷن إحدى صحفها أساءت الى الرسول صلى الله عليه وسلم تذكروا أن هذه اﻹساءة يقوم بها أفراد متطرفين وان مسلمين من نفس منطق التفكير يساعدونهم في ظهور مثل هذه اﻹساءات وبدلا من توجيه صرختكم ضد سكان هذه الشعوب إذهبوا إلى مساجدكم وإسألوا عن دور شيوخكم عما يفعلونه هم وجميع العلماء المسلمين ﻹيقاف هذا اﻹنحطاط الروحي الذي شمل جميع البلدان اﻹسلامية ،في السعودية قبل أشهر طفل بعمر خمس سنوات ذبح أخته الرضيعة. مكة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أطفالها اليوم في المدارس اﻹبتدائية يكرهون ويعذبون كل تلميذ مجتهد محب للخير وذو أخلاق سامية، وإذا كان هذا الطفل المثالي غير سعودي عندها يجعلون ساعات دوامه في المدرسة جهنم ، يا مسلمي العالم افتحوا أعينكم فما يعانيه هؤلاء اﻷطفال الذين أرادوا أن يحملوا صفات الرسول من شقاء وعذاب نفسي في صفوف مدارسهم هو إساءة لرسول الله وللإسلام، إساءة أكبر بكثير من تلك اﻹساءات التي يفعلها الغرب بتلك الرسمات الكاريكاتورية ، فصفات نبيكم اليوم أصبحت مكروهة في قلوب أطفال مكة وأطفال البلاد اﻹسلامية اﻷخرى، إلى هذا المستوى المنحط وصلت اﻷمور بفضل العمى الروحي الذي يسيطر على علماء المسلمين والعالم بأجمعه. 

اليوم العالم العربي والعالم بأكمله يعيش فتنة عالمية تريد تمزيق جميع الروابط اﻹنسانية ليس بين الشعوب فقط ولكن بين الطوائف والإقليات حيث وصلت اﻷمور إلى حد تمزيق الروابط في العائلة الواحدة ،وكما يقول رسول الله في حديثه الشريف (إذا جاءت الفتنة إكسروا سيفكم وإقطعوا أوتاركم وإلزموا فيها أجواف بيوتكم وكونوا فيها كالخير من بني آدم ) أي كونوا مثل هابيل إبن آدم الذي قال ﻷخيه ( لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا باسط يدي ﻷقتلك إني أخاف رب العالمين ) وهذا ما أفعله أنا منذ سنوات طويلة ، لا أشارك في شيء بل أجلس في بيتي وأبحث بصمت وأغور في أعماق اﻷشياء واﻷحداث ﻷصل إلى مضمونها وأكتشف تلك اﻷسباب التي تجعل الأطفال يبتعدون عن الخير واﻷخلاق السامية ويحبون بدلا منها العنف والوحشية واﻹنتقام. واﻵن في مقالاتي ومؤلفاتي أحاول عرض ما حصلت عليه من هذه اﻷبحاث وأترك اﻷمر لله عز وجل فهو الأعلم بما هو الصح وما هو الخطأ

في عالم تسوده الصفات الشيطانية من حقد وعنف ووحشية وإنتقام ،علينا أن نمتنع عن إستخدامها والتكلم عنها وبدلا منها أن نتكلم عن الخير واﻷخلاق السامية ليسمعها اﻷطفال وليعيشوا فيها ولتنمو فيهم هذه الصفات الحسنة.

إلهي زدنا علما لعلنا نفهم حقيقة ما يحدث لنستطيع تصحيح اﻷخطاء ونحمي أطفالنا من هذه اﻷوضاع الخبيثة التي تحيط بهم من كل الجهات.