هل يمكن لشعب أن يتآمر على نفسه؟

هل يمكن لشعب أن يتآمر على نفسه؟

علي الحاج حسين

[email protected]

لا يختلف موجز رواية السلطة السورية عن تفاصيلها فيما يخص حركة الاحتجاج سوى بمجموع عدد الكلمات، ورغم أن الاضطرابات عمت البلاد، وتكاد تهز عرش الجلاد، وأسفرت عن مقتل آلاف المدنيين منذ قرابة عام، تنسبها السلطات حصرا إلى "مجموعات إرهابية مسلحة من المندسين تسعى لزرع الفوضى في إطار مؤامرة يدعمها الخارج".

وللبرهنة والتدليل على "صحة" روايته جنّد النظام بضعة وجوه من مثقفي البلاط المهتمين بالبحث عن قبعة القبطان أثناء غرق السفينة، مهرهم بدمغة "منحبكجية" ومنحهم شرف تجميل قبحه وتنظيف غسيله من خلال تناول مأزقه المحلي والدولي إعلاميا بعد أن بصق بأفواههم "علكة" سحرية لتفسير الأزمة، يلوكونها مهمهمين متبارين أمام كاميرات الفضائيات، جاهدين لترسيخ تسمية الأشياء بغير اسمائها الحقيقية، ومن لا يبلي منهم بلاء حسنا ولا يقنع السامع والمشاهد بصدقية الزاعم بأنه ولسوء حظ الشعب السوري، دبر له كيد الحاسدين "مؤامرة كونية" لتسرق منه حسن الطالع من سعد وخير ورفاه يعيشه في ظل نظام يسهر على أمنه وعيشه كافلا للجميع العدل والمساواة والأمن والأمان، موفرا لكل الناس أسباب الراحة والتنافس المتكافئ. ويضرب هؤلاء الـ"منحبكجية" أخماسا بأسداس متلطين خلف عباراتهم التي لم تعد تطرب حتى أسماع سادتهم أنفسهم. وفي المقابل أزداد عدد "المندسين" و"المتآمرين" على أنفسهم مما يوهم أن هذا الشعب جله يتآمر على نفسه وفقط حاكمه وبعض من حوله يحاولون حمايته من نفسه.

امتهن النظام سياسة قنص الفرص واللعب بأوراق الآخرين من خلال  تهديد الأمريكان باستقرار إسرائيل، تركيا بحزب العمال الكردستاني، العراق بتهريب المسلحين، لبنان بإغلاق الحدود، حركة فتح بحماس، الحريري بحزب الله، الأكراد بالسريان، المسيحيين بالإخوان، العلويين بالسنة، السنة بالشيعة، الدروز بعشائر سهل حوران، ويهدد المغتربين بأهلهم، ويهدد الأهل بأعراضهم، يهدد الفروع الأمنية ببعضها، ويهدد رجال الأعمال برامي مخلوف، ويهدد عائلتي مخلوف وشاليش بأولاد رفعت،... ونعلم جميعا أنه يهدد شعبه بالحصار والقتل، ويهدد المتظاهرين بالشبيحة، ومع هذا كله مازال يتهم نفسه بالوطنية ويتحدث عن "مؤامرة كونية" تستهدف نظام الحاكم الرشيد..! كتلك المومس التي تعظ بالأخلاق. إلا أنه ومهما يكن من أمر لا يعرف التاريخ شعبا تآمر على نفسه ولا حاكما انتصر على شعبه.