أين اليساريون أين اليمينيون؟! أين الإسلاميون أين العلمانيون؟!

المعارضة السورية

أين اليساريون أين اليمينيون؟!

أين الإسلاميون أين العلمانيون؟!

زهير سالم*

[email protected]

يشكل اختلاف اللبنات في بعض أبعاده شقوق ضعف في أي جدار تبنيه. المعمار الفنان هو الذي يرسم من اختلاف ألوان وأحجام لبناته لوحات رائعة. ليس حديثي دعائيا لتزيين الاختلاف وتجميله ، وإنما هو عن استثماره و توظيفه .

من قناعتنا اليوم بمجتمعنا المتعدد المفتوح على كل خلفيات التعدد ( التليد والطارف )، ومن انفتاح مشروعنا الوطني على جميع القوى المكونة لبنية الشعب السوري في الحاضر والمستقبل، يبقى الكثير من تجليات الدور الوطني غائبا إلى درجة تبعث على التساؤل: التعجبي طورا والاستنكاري أطوارا: أين هو دور الضفيرة الوطنية بكل فصائلها في ميدان الحراك المشهود ؟!

تمثيل التعددية الوطنية في المشروع الوطني - في تقديري - لا يكون في حفظ مقاعد محسوب لمدعويين على مائدة طعام أو منبر كلام. تمثيل التعدد الحقيقي يكون بمبادرة الجميع في تلافيف تعددهم إلى أداء الدور الوطني الواحد. مطلوب أن تنبض أوتار العود كل بدوره ووقته ليبوح كل منها بأسرار ألمه وأمله في المحفل الذي تستلذ الأذن سماع ترانيمه. ضمن سيمفونية اللحن الوطني الواحد..

لليسار الوطني في تركيبة المعارضة السورية ممثلوه، وله فضاءاته ومهماته وخطابه وله علاقاته وصداقاته التاريخية والممتدة... فأين اليسار الوطني من دوره الحقيقي على المستوى الشعبي الوطني والعربي والإقليمي والدولي ؟! أين هو من مواقف القوى والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني ؟! وأين هو من مواقف الدول المعادية لمشروعنا الوطني أو المتخوفة منه. أو المصادرة عليه؟!

تعيد الأسئلة نفسها في حديثك عن اليمين السوري ، أين دور هؤلاء مما نسمع ونرى؟! أين هم  من تخوف المتخوفين وتردد المترددين؟! هل يصلح هذا الزمان ،والدم الوطني يسيل، مناخا لتقديم رسائل فصائلية، وشرح تطلعات ذات طبيعة خصوصية..؟!

ثم...

أين الأخوة المسيحيون من دورهم الوطني؟! نطرح السؤال ونحن نتابع رسل النظام لا يتركون بابا في التحريض على شعبنا إلا وطرقوه؟! و نتابع سياسات النظام لم تستجب له شخصية إلا وعمل على توظيفها، تسمع مرة نداء المطران كابوجي بخلفيته الدينية والنضالية، ويفجؤك أخرى حديث الأب عطا الله حنا يدافع عن الشر، ومن قبل هذا يطير الأب بشارة الراعي إلى ساركوزي يبلغه حرصه على قيصر ورجاله العشارين، ومرة يوزع الأساقفة والمطرانة باسم المسيحيين في بلادنا على العالم رسائل الخوف من مشروع الحرية والعدل، و يطالبون باستدامة ليل الظلم والظلام معللين بأن أمنهم وأمانهم إنما يكون في استدامة ظل الاستبداد..!!!

فلماذا لا يكون للأخوة المسيحيين في مشروعنا الوطني برنامج حركتهم تبدأ من هنا وتنتهي هناك. تبدأ من وسط الجمهور عبر كنائس الشرق لتنتهي في الإليزية و في حاضرة الفاتيكان، ولتمسح آثار خطا الخطائين الذين أساؤوا من قبل باسم المسيح و المسيحية وباسم المسيحيين..

لماذا لا يكون للأخوة المسيحيين المنخرطين في المشروع الوطني، لغة خطابهم، وقنوات تواصلهم مع مؤسسات المجتمع المدني النظيرة التي تستفسر عن موقفهم، وتصغي لحديثهم....!!

ثم من بعد ثم..

لماذا وكيف يغيب انعكاس وجود الإسلاميين في بنية مشروعنا الوطني على الدول والشعوب التي أينعت فيها ثمار هذه الحركات؟!

ألا نفتقد في الشارع العربي وفي الشارع الإسلامي  نصرة رسمية وشعبية حقيقية حيث تحكم كما يقول الجميع في القصر أو في الشارع الحركات الإسلامية..؟!

هل تعتقد قواعد الحركة الإسلامية العائمة والمنظمة أن ما تلقاه المشروع الوطني السوري حتى اليوم من دعم وتأييد على مستوى محور ( طنجة – جاكرتا )، الذي طالما تغنى به الإسلاميون، كافيا؟! هل سبب نقص التفاعل الملحوظ خذلان من هناك أو غفلة و تقصير من هنا!!

منذ الشهر الثالث للثورة السورية المباركة هُرع سماسرة النظام إلى جاكرتا وإلى إسلام أباد فزيفوا وخادعوا ووعدوا ووادعوا... وفي الوسط الإسلامي السوري شخصيات أكثر مصداقية من هؤلاء، فهلا حُركوا أو تحركوا.. أنا على ثقة أن صور أطفال سورية مشوهة أجسادهم، وشباب سورية ممزقة أوصالهم؛ لن تكون أقل إثارة للمشاعر الإسلامية من الصور المسيئة التي تصدى لها مسلمو العالم عن قوس واحدة.. فمن غير الإسلاميين في سورية قادر على جعل ثورة شعبنا قضية رأي عام إسلامي؟! ولماذا لا يفعلون وهم قادرون؟!

أين هي المواقف الشعبية والرسمية الحاسمة تمتد من المغرب لتمر على تونس وتتوقف في الجزائر وتعرج على ليبية وتقوّم الموقف المعوج للدابي الذي يزعمون أنه محسوب على الإسلام وأهل الإسلام في السودان!!!!– واسوأتاه.. واخجلتاه..إن كان بين ظهراني الحركة الإسلامية شاهد زور مثله واسوأتاه.. واخجلتاه.. إن كانت شهادته على دماء أطفال سورية كانت بتدبير وتقدير للمصالح والمفاسد على طريقة الشيخ البوطي، وربنا سبحانه وتعالى يقول في الشهادة (...إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا..)

أين هدير المليونيات في الشارع المسلم والشارع العربي تنتصر للدم السوري؟! أين هدير صوت هذه الجماهير تحاصر السفارات السورية، وتبلغ رسائل الغضب لبشار الأسد؟!  وصوت النكير للسفارات الروسية والسفارات الإيرانية تقول للمتاجرين بالدم السوري حسبكم وإياكم؟! أين المواقف الحاسمة المعلنة للحكومات الثورية الجديدة تجعلنا ننسى دور الحكومات المتواطئة والمتخاذلة..

أتساءل عن الفرق بين موقف بن كيران وموقف الجبالي عمن عداهم: خذلانهم أو تقصيرنا. تلح علي الرسائل أن على الحدود المصرية – الليبية سوريون عالقون منذ أسابيع. مات طفل هناك من شدة البرد وليس من رصاصة قناص أو شبيح.

وثم أين..؟! وأين..؟! وأين..؟! وليقس ما لم يقل...

المشروع الوطني بأفقه الجميل وتعدديته الزاهية يملك الكثير وأكثر ما يملك طاقات معطلة وقدرات مشلولة، وقعود عن السعي في زمن لا يحسن فيه القعود..

لا يعترضنّ أحد على هذا الكلام بأنه يعني تكريس الاختلاف أو شرذمة حملة المشروع. إنها دعوة واعية لتوزع الأدوار، وتوظيف التعدد ، لخدمة المشروع، وممارسة الشراكة الوطنية الحقيقة وتحويلها من وعد مستقبلي  إلى واقع يومي معاش..

ما ذكر مقدور عليه، وإنما يقعدنا عنه شيء من الغفلة وشيء من العجز وكثير من إرادة الواحد أن يشرب جميع الناس من يده، أو أن يتنفسوا من منخره.

 ما كان أعظم إعجاز القرآن: (فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ..) آما آن لنا أن نعلم نحن أيضا..

مواطن سوري..

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية