الهجوم على الإخوان.. خلاف علي ومعاوية يبعث من جديد

الهجوم على الإخوان..

خلاف علي ومعاوية يبعث من جديد

عبد الرحمن بريك

تقول كتب السيرة إن الخلاف بين علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – ومعاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه – إنما نشأ حول القصاص من قتلة الخليفة الثالث عثمان بن عفان – رضي الله عنه – وننقل هنا كيف بدأ الخلاف : " تولى علي الخلافة في وقت عصيب رهيب , وخرج إلى المسجد ليبايع الناس فبايعه المهاجرون والأنصار جميعاً، وما لبث علي أن بويع إلا ودخل عليه طلحة والزبير رضي الله عنهما مع رءوس الصحابة الكبار في المدينة المنورة وقالوا: يا أمير المؤمنين لا بد من قتل قتلة عثمان؟ وهنا يبدأ الخلاف ؛ فكل فريق له وجهة نظره , وكل فريق له اجتهاده , من الذي يقتله ؟ وأي قوة تستطيع الآن أن تقتل قتلة عثمان؟ لقد تعصب وغضب إليهم كثير من الناس حتى زاد عددهم عن عشرة آلاف فارس مدججين بالسلاح ينتشرون في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن الذي يستطيع أن يقيم عليهم حد الله بالثأر لقتل دم عثمان في هذا الظرف ؟ واعتذر علي وقال رضي الله عنه وأرضاه  : " إن قتلة عثمان كثرة ولهم مدد وأعوان " وخرج الصحابة في غضب وفي ثورة شديدة على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه ، وكان من بين هؤلاء الذين ثاروا ثورة شديدة لدم عثمان رضي الله عنه ؛ معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه , ثار معاوية وازدادت ثورته بعدما أرسلت نائلة زوجة عثمان بقميص عثمان الذي قتل فيه، ووضعت فيه أصابعها التي قطعت وهي تدافع عنه , وأرسلت بالقميص والأصابع إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه الذي كان يعتبر نفسه من أوائل الناس ومن أحق الناس مطالبة بدم الخليفة الراحل , ولما رأى معاوية القميص بكى , وأخذ القميص وعلق فيه أصابع نائلة  وعلق القميص على منبر المسجد الدمشقي ولما رآه الناس والصحابة بكوا بكاءً شديداً ، وارتفعت الأصوات بالنحيب على موت عثمان رضي الله عنه وأرضاه , وبايعوا معاوية على الثأر لـعثمان ولم يبايعوه على الخلافة , ما بويع معاوية على الخلافة ولم يطلب معاوية الخلافة قط ، وإنما كان يطلب الثأر لدم عثمان أو أن يسلم علي لـمعاوية قتلة عثمان ليقتص منهم لـعثمان رضي الله عنه وأرضاه " ، وهنا بدأ الخلاف الكبير الذي يقول عنه شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام أحمد وجميع أئمة أهل السنة والجماعة رحمهم الله جميعاً : إن كل فريق منهما قد اجتهد وهو مأجور على اجتهاده حتى وإن أخطأ .

تذكرت ذلك اليوم وأنا أرى الهجوم يشتد على الإخوان المسلمين بحجة أنهم باعوا الثورة وتناسوا مطالبها وبحثوا عن الغنيمة السياسية من خلال مجلس الشعب وغيره ….. وأنهم نسوا أو تناسوا دماء الشهداء الذين قدموا دماءهم الذكية لثورتنا " النبية " التي لم يشهدها التاريخ الإنساني حتى اليوم .

أقول : بعد أن انتهت الأيام الأولى للثورة بزوال رأس النظام الفاسد وعصبته ، وبعد أن استطاع المجلس العسكري استدراج الشعب إلى استفتاء 19 مارس –  الذي كان التصويت فيه بنعم أو لا هو إجابة خاطئة عن سؤال خاطئ – أقول : بعد الاستفتاء انقسم الشعب المصري إلى فريقين – ولكل منهما اجتهاده – :

الأول - وفي طليعتهم الإخوان المسلمون - يرى أننا ماضون في تحقيق أهداف الثورة من خلال استكمال مؤسسات الدولة أولاً من خلال الانتخابات التي حتماً ستنتهي وتتشكل كل مؤسسات الدولة ويوضع الدستور الجديد وبعد ذلك يبدأ الإنجاز بالقصاص لدم الشهداء وتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي ثم الانطلاق نحو ركب التقدم مدفوعين بمؤسسات تشكلت وعقول واعية تعمل بفكر جديد لرفعة شأن وطننا الحبيب .

والثاني – وأكثرهم من الشباب المتحمس الذين بدأوا الثورة - يرى أن القصاص لدم الشهداء هو أولى الواجبات وأقدسها وأن كل شئ يمكن أن يتم بعد التطهير الثوري لعصبة الفساد القديم ، فلا يجب أن نبني مصر الجديدة على أنقاض مهدمة أو على أسس بالية سرعان ما تنهار ، خاصة وأن كل مؤسسات الدولة قد تغلغل فيها النظام القديم ، ومن ثم رأى أصحاب هذا الرأي أن الفريق الأول الذي رضي باللعبة الديمقراطية لم يرض بها إلا لأنه يريد اعتلاء سدة الحكم وتحقيق مكاسب شخصية له وليس للوطن ، في الوقت الذي رأى فيه الفريق الأول أن الفريق الثاني تنقصه الحنكة السياسية وأنه يمكن تحقيق مطالب الثورة وأكثر من خلال العمل السياسي المنظم الواعي .

ولأن كل فريق يرى الصواب في جانبه ، ولأن القضية كبيرة ، قضية وطن وقضية دم ، بدأت الاتهامات ، وكما لعب ابن السوداء عبد الله بن سبأ لعبته في إشعال الفتنة بعد عثمان ، لعبت أجهزة الإعلام – ابن سبأ الجديد – لعبتها في إذكاء نيران الفتنة وصب الزيت عليها ، فثارت حملات التخوين ، وكثرت الاتهامات بالحق والباطل ، ومع وقوع بعض الأخطاء من هنا أو هناك زادت حدة الاستقطاب والتشرذم .

أقول : كلا الفريقين مجتهد ، أحدهما اجتهد وأصاب فله أجران والآخر اجتهد وأخطأ فله أجر واحد ، وكلاهما محب لوطنه وكلاهما يريد رفعة شأن مصر ، فهلا تركنا النزاع والخلاف ووضعنا أيدينا معاً لنحقق الأمرين في وقت واحد : استكمال مؤسسات الدولة والقصاص للشهداء ؟ هذا ما نأمله …. وليس ذلك على أبناء مصر الغالية بعزيز .