التعذيب والتخريب في سورية سياسة أم عقيدة؟!

حامد خليفة

بسم الله الرحمن الرحيم ... 

تعذيب الناس في سوريا على أيدي الشبيحة وقوات القمع الأمنية والميليشيات الطائفية أصبحت ظاهرة لكل مبصر وصارت حقيقة اعتاد الناس على رؤيتها في مستهل كل نشرة إخبارية، حتى صارت تُنغص على الغيورين حياتهم، وتذهب براحتهم واستقرارهم، وتُعكر على المترفين طعامهم وشرابهم! وليس الشاهد هنا في بربرية التعذيب ونازيته ولا قساوته وتشفي مرتكبيه بضحاياهمولا بامتداد دائرته إلى العجزة والمعوقين ولا إلى النساء والأطفال والرُضع من المستضعفين! ولا إلى الحيوانات والمزارع والعمارات والبساتين! فكل هذا بيّن ظاهر لا يماري فيه إلا من فقد إنسانيته ومات ضميره أو تلبس في العمالة لطائفة القتلة المجرمين! وخان الدين وباع الوطن للقرامطة والحشاشين الممثلين بالنصيرية الغارقين في كل هذه الجرائم ضد المسلمين! فكل هذه صارت مُسلّمات لا تقبل المماراة! وحقائق لا تقبل التزييف

ونقطة البحث هنا هل هذه الجرائم التي ترتكب في سورية سياسة أمنية؟ أم عقيدة نصيرية؟ فأمّا السياسة فإنّ كل الشواهد تؤكد أنّ هذه الأعمال الهمجية لا وجه لها في السياسة التي تبتغي استقرار الحكم وأمن البلاد! ذلك أن تعذيب الأبرياء والتشفي بالضعفاء لا يورث إلا الأحقاد والبغضاء، وتوسيع دائرة المعارضة والكراهية! وعلى هذا فإنّ الجرائم التي ترتكب في سورية وعلى مدى أكثر من أربعة عقود، كلها لا صلة لها بالسياسة! وإنّما هي عقيدة باطنية ترمي إلى نزع الإسلام من سورية، ونشر الديانة القرمطية والعقائد النصيرية الرافضة للإسلام والمبغضة للأمة العربية! ولكنها بحمد الله افتضحت فصار كثير من أهل سورية يتلمسون طريق الخلاص من هذه الحكومات الوحشية التي تجعل من السياسة عقائد دينية باطنية، تسعر بها الفتن في المجتمع! وتحرق بها البلاد، وتنسف الأمن والاقتصاد! وكل هذا حاصل واضح معلوم في سورية الجريحة اليوم!.

وأما أنه نابع من عقائد باطنية مملوءة بالحقد والكراهية على كل مسلم في سورية فهذا كله معلوم! تؤكده الشواهد القائمة سياسيا وعسكريا وأمنيا اقتصاديا وأخلاقيا، وهو مستمر لن يتوقف إلا بسيف القهر ورد العدوان وسلطان العدل وحماية حقوق الإنسان! وإذا كان هذا من المسلمات! فهل من الممكن أن يتوقف التعذيب عند هذه الحدود التي يراها الناس ويسمعون عنها؟ وهل هناك حد إذا بلغه هؤلاء المجرمون يرتوون فيه من دماء الناس فيشبعون ويرعوون؟ وللإجابة على هذه التساؤلات فإنّ كل الشواهد القائمة تؤكد أنّ إجرام الحكومات النصيرية المتعاقبة على سوريا لا حدود له! وأنّه لن يتوقف عند حدّ ولو أبادوا أهل سوريا! فإنّ عقيدتهم قائمة على قواعد عدوانية لا حدود لهاتتمثل ثقافتها في قولهم: "اقتلوا السنّة تدخلوا الجنّة!! أو غشوا السنّة تدخلوا الجنة" وهذا ماينفذونه على أرض الواقع منذ أن اغتصبوا الحكم في سورية! ولعل ما حصل في حماة المنكوبة شاهد لا يُرد على إيمانهم بهذه العقيدة، فقد ثبت أنهم قتلوا من الأطفال والنساء والعجزة والشباب أكثر من أربعين ألفا! وشردوا أكثر من مائة ألف! فهل تساءل عاقل لِم يفعلون كل هذا بالأبرياء والمستضعفين؟ ألهذا الإجرام وجه من وجوه السياسة النازية أو الصهيونية أو العنصرية؟ وقد استمر ذلك ولم يتوقف وشواهد جرائمهم في سجون تدمر وصيدنايا والحلبوني وغيرها، والقمع في مراكز ميليشيات القوة الجوية والعسكرية والسياسية كل هذا لا حدود له! وما يحصل اليوم في حمص ودرعا والقورية والساحل وإدلب بريفها وجبلها وفي كل سوريا من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها يوضح ذلك ويوثقه ويؤكد أنّ أي أمّة تعلوا عليها الباطنية فإنّها أمة محكوم عليها بالموت القذر! حتى تُحيي قيمها وتتمسك بعقيدتها لتنقذ هويتها!

فالتعذيب في سوريا عقيدة باطنية معمول بها في كل دوائر الحكومة الطائفية، ولن تفارقهم ماداموا في موقع التسلط على أهل سوريا! وليس في ذلك شيء من المنهجية السياسية! وأنّ هذه العقيدة لا حدود لها في الإسراف بالجريمة! بل إن دينها هو التشفي بالضعيف ونزع المقدس وزعزة الثوابت وإهانة الرموز! ومن لايُصدق هذا فليخبر أهل سورية لماذا تُدمر مساجدهم! وتستباح مقدساتهم، وتمزق مصاحفهم! ويُشتم ربهم جل الله في علاه! ولينبئهم عن مصير عشرات الألوف من المفقودين والمغيبين! وأضعاف أضعافهم من الأسرى والمخطوفين ممن عامتهم لا تزيد جريمته عن أنه قال كلمة إسلامية! أو شهد مجلساً تحدث أهله عن الحرية! أو عن العدل والشورى والديمقراطية

والحاصل أنّ الجرائم التي ترتكب في سوريا نابعة عن عقيدة استئصالية اجتثاثية تتبناها الحكومة النصيرية ضد أهل سورية! ولا حدود لإجرامها ولن يوقفها إلا أهل الحمية والعقلاء النبلاء من أبناء سوريةعندما يتعاملون مع هذه العقيدة وأهلها بما يرد هذا الإجرام ويحمي السياسة والوحدة واقتصاد البلاد ودماء العباد، والمسؤلية واقعة على كل نبيل من أهل سوريا لأنه هو المستهدف الأول وهو المعني بالأمن والاستقرار في سوريا! ومن يخادع نفسه فإنما هو واهم مفرط بوطنه ومستقبله! وإن كان هناك شك في شيء من هذا الذي سبق فليسمع هذه القصة التي تؤكد أن الشبيحة والقتلة واللصوصية ومحاربة القيم هي نتاج الحكومات الباطنية:

جاء في أخبار القرامطة أجداد النصيرية لمؤلفه د. سهيل زكار ص 18 بعد المقدمة، ذَكر أنه بعد أن استباح القرامطة دمشق ومن بعدها حمص وحماة ومعرة النعمان وكثير من مدن الشام فقتلوا النساء والأطفال بميليشيات لهم تفعل كل ما يؤمرون به -وهي أشبه بالشبيحة الذين يجوبون شوارع المدن السورية في هذه الأيام يقتلون ويسرقون وينتهكون- إلى أن قال: ( ثم سار إلى سلمية فمنعه أهلها ولم يقدروا على مقاومتهم فصالحهم وأمنهم، ففتحوا له بابها وكان ذلك في مستهل رمضان -290 هـ- فبدأ بمن فيها من بني هاشم وكانوا جماعة فقتلهم ولم يبق منهم أحدا! وقتل الصبيان والفقهاء والشيوح والبهائم! وخرج منها وليس بها عين تطرف! ودخل في القرى المجاورة لها يسبي ويقتل وينهب ويقطع السُبل ويأتي من المنكرات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت! ومما يذكر عن -طبيب باب المحل في بغداد يدعى أبا الحسين- قال: جاءتني امرأة بعدما أُدخل القرمطي صاحب الشامة بغداد وذلك في سلخ شهر ذي الحجة وقالت المرأة: أريد تعالج لي جرحاً في كتفي! فقلت: ها هنا امرأة تعالج النساء، فانتظرَتها وقعدت وهي باكية مكروبة، فسألتها عن قصتها فقالت: " كان لي ولد طالت غيبته عني فخرجت أطوف عليه في البلاد فلم أره، فسرت من مدينة الرَقة في طلبه فوقعت في عسكر القرمطي أطلبه فوجدته فحدثته عن حالي وحال إخوته، فقال: دعيني من هذا وأخبريني ما دينك؟ فقلت له يا ولدي الإسلام كما تعلم! فقال: يا أمه اتركي هذا الدين وادخلي معي في هذه الدعوة! والدين مانحن فيه اليوم، فتعجبت من ذلك وخرج وتركني، وحضر لي بخبز، فلم أمسّه! وأتاه رجل من أصحابه فسألني هل أحسن من أمر النساء شيئاً؟ فقلت: نعم فأدخلني داراً فإذا امرأة تطلق فقعدت بين يديها وجعلت أكلمها ولا تكلمين حتى ولدت غلاما، فأصلحته وتلطفت بها حتى كلمتني فأخبرتني عن حالها أنها امرأة من بني هاشم أخذها هؤلاء القوم: " بعد ذبح عشيرتي جميعاً وأخذني زعيمهم فجلست عنده خمسة أيام ثم أمر بقتلي فطلبني منه أربعة من رجاله فوهبني لهم! فأقمت معهم فوالله لا أدري ممن هذا الولد؟!... وبتّ عندها تلك الليلة فلما أصبحت قلت للمرأة قد وجب حقي عليك فالله الله خلصيني! قالت: ممن أخلصك؟ فأخبرتها عن ابني! فقالت: عليك بالرجل الذي أعطاك الألف درهم –وكان أحد الأربعة الذين يأتون تلك المرأة الهاشمية- فقمت عندها اليوم كله فلما كان آخر النهار حضر الرجل فقمت إليه وقبلت يديه ورجليه ووعدته أني أعود بعدما أعطي بناتي مما معي، فأمر غلمانه بحملي إلى مكان ذكره لهم، فساروا بي عشرة فراسخ، فلحقني ابني وضربني بسيفه فجرحني هذا الجرح! ومنعه القوم من أن يصل إليّ، وساروا بي إلى المكان الذي سماه لهم سيدهم، ثم تركوني! وجئت إلى ها هنا". أخبار القرامطة ص 19، وهذه القصة في تاريخ الطبري وغيره من الكتب المعتمدة، ولعل فيها الكثير من العبر التي منها أنّ هؤلاء الباطنية يستعملون سلاح الشهوات واستباحة الأعراض والمقدسات ليجلبوا إليهم السفهاء والغوغاء، فيسلطوهم على الأمّة لينزعوا أمنها ويُحرفوا دينها ويبيحوها لأعدائها، فيتوقف فيها الإعمار والبناءويُنزع الأمن وتُسلب الأخلاق! ولعل قصة هذه الأمّ مع ولدها توضح أخلاقيات الشبيحة والأجهزة القمعية ومن يأمرهم بما يقومون به من جرائم يندى لها الجبين! وهذا ما يحصل في سورية اليوم تماما، فكثير من الشبيحة والقمعية وغيرهم باعوا الدين والوطن وأصبحوا عبيداً لشهواتهم، فيفعلون بأهلهم ما فعله ذلك العاق بأمّه! وهذا هو خُلق الباطنية وثقافتها! وهذا ما أفرزوه طيلة حكمهم، فهل يتعلم أهل سورية بأنّ من لا يدافع عن نفسه لن يدافع عنه أحد! وأنّ من لا يغار على عقيدته لن يغار على وطنه؟! ولا على عرضه! وهل يتعلمون أنّه ليس بينهم وبين النصر سوى مراجعة دينهم والإتلاف على سُنّة نبيهم صلى الله عليه وسلم؟ وهل يعلمون أنّ الباطنية لا دين لها ولا وطن ولا سياسة! وأنّهم لا يرون إلا الشهوات والرذائل! ولا يدينون إلا بحرب المقدسات وتزييف الشمائل! ولا يستمتعون إلا بالتشفي بالضعيف والشريف وصاحب الخلق والدين؟ وأنّه لا يردعهم سوى الوحدة والقوة والعقيدة، وأنّه لا يمنعهم عمالة لعدو ولا خيانة لوطن ولا لشرف من أن يقدموا كل التنازلات والمغريات في سبيل البقاء على عروش الخزي والظلم والجبروت! وأنّ كثيراً من الأنظمة الدولية والمؤسسات الإنسانية قد ظهر زيفها، وبان عوارها! وأنّه لا أمل بمؤسسات عربية ولا منظمات دولية! وأنّه لا أمل إلا بالله ثم بوحدة الأمّة في سورية ضد القتلة المجرمين! ووقوفهم يدا واحدة حتى يحققوا النصر المبين! فليت أهل سوريا يعلمون كل هذا فيراجعوا دينهم ويتعاهدوا على نصرة المستضعفين من أهلهم، ونشر العدل والأمن في بلدهم، وتخليصه من هذه الطغمة البائسة التي نكبت البلاد وأذلت العباد! ونزعت الرفاه والأمن والاستقرار من كل سوريا! وجلبت الرافضة أعداء الوطن والعقيدة والعروبة! ومكنتهم من رقاب أهل سوريا، يخطبون على المنابر، ويبنون المعابد وينشرون الخرافة والرذيلةويمزقون الوحدة، وينهبون الثروة! ويحرضون على الفتن والقتل وخراب البلادإنها سياسة الاستباحة وعقيدة الرفض والردة فهل من معتبر يا أهل سوريا؟ وهل من موقن بأن من ينصر الله ينصر، ومن يَخذل الله يُخذل، فهل من عودة إلى طريق النصر والأمن والرفاه؟ وتحرير البلاد من الطغاة؟.

فكم إلى كم تَعلو الطُّغاة وإلى .... كم يحـكم الشامَ حاقد زنديق