العنصريّة تأكل أهلها

صلاح حميدة

[email protected]

يعاني الفلسطينيون من أشكال متعدّدة من الممارسات العنصريّة الّتي تقوم بها دولة الاحتلال بحقّهم، من تهجير وحواجز وهدم منازل ونزع الحقّ بالسّكن في بلدهم، وفصل العائلات عن بعضها وتصنيف العرب الفلسطينيين بين مسلمين ومسيحيين وبدو ودروز وشركس ومقدسيين وحاملين للجنسية الاسرائيليّة وغزّيين وضفّاويين ولاجئين....الخ، وكل مجموعة من الفلسطينيين تتعرّض لأشكال مختلفة من العنصريّة والتّمييز، حتّى وصلت إلى درجة منع الماء عنهم ومنحه للمستجلبين إلى فلسطين، وهذا ما ظهر في التّقرير الأوروبّي الأخير عن الممارسات والانتهاكات العنصريّة الّتي يتعرّض لها الفلسطينيون.

برزت الفكرة الصّهيونيّة كفكرة عنصريّة استعلائيّة في أوروبّا، في ظل نشوء أفكار عنصريّة مشابهة، تدعو لاحتلال أراضي شعوب أخرى وسرقة ثرواتها تحت شعار ( الاستعمار) وكأنّهم يريدون جلب العمار والبناء والتّنمية والعلوم لتلك الدّول، كما حاول نابليون والمستشرقون من بعده – على سبيل المثال- أن يوحوا بأنّ حملته لاحتلال مصر جلبت التّطور العلمي والطّباعة لها.

ما إن حطّت أرجل الصّهاينة الأوروبّيين على شواطىء فلسطين حتّى بدأوا بتنفيذ الأفكار العنصريّة على الأرض، فقتلوا وهدموا وشرّدوا وصادروا الأراضي وانتهكوا الحقوق الأساسيّة للفلسطينيين، في الفترة الأخيرة زادت وتيرة الممارسات العنصريّة بحقّ الفلسطينيين بشكل كبير، لدرجة الوصول إلى النّفي التّام للفلسطيني ولحقّه في الحياة الكريمة، فالحرب على الأذان وعلى المساجد في اللد والرملة ويافا وحيفا وفي الضفّة الغربيّة تتصاعد، بالاضافة إلى تعزيز ثقافة التّحوصل والجيتو خلف الجدران في المدن المختلطة مثل الرّملة وما يتمّ من بناء لجدار على حدود مصر وآخران على الحدود الاردنيّة واللبنانية والسّوريّة.

هذا الغلوّ في ممارسة العنصريّة والخوف من الآخر المختلف، انتقل إلى انفجار العنصريّة الدّاخليّة البينيّة في دولة الاحتلال، فكشف عن عدم قدرة الصّهيونية على الخروج من حقيقة كونها فكرة عنصريّة أوروبّيّة المنشأ والتّكوين، فالصّهاينة الأوروبّيون يمارسون العنصريّة على اليهود الشّرقيين القادمين من دول عربيّة، وظهرت الكثير من القضايا المسكوت عنها منذ سنوات للتّمييز بين الغربيين والشّرقيين في المجتمع والاقتصاد والدّولة، فيما يعيش اليهود المستجلبين من إثيوبيا على هامش المجتمع في الدّولة العبريّة، ويعانون من حرمان أطفالهم من التّعليم في مدارس مع اليهود الآخرين، ويعيشون حياة من البؤس والفقر، ويتمّ إتلاف الدّم الّذي يتبرّعون به لليهود المرضى الآخرين، مما دفعهم إلى الخروج للتّظاهر مطالبين بوقف ما يجري بحقّهم من عنصريّة.

 أمّا العنصريّة والتّمييز بين المتديّنين والعلمانيين فقد طفت على السّطح بوضوح، فبالاضافة إلى التّمييز بين المتديّن الغربي والآخر الشّرقي، فقد ثارت ضجة كبيرة حول حصول المتديّنين على امتيازات تجعلهم عالةً على دافع الضّرائب، فهم لا يعملون ولا يخدمون في الجيش وينجبون الكثير من الأولاد، وفوق ذلك لا يخدمون في الجيش، ولكنّهم ينتخبون ويؤثّرون على سياسات الحكومات داخليّاً وخارجيّاً، ولكنّ الأزمة تفجّرت بين العلمانيين والمتدينين بعد محاولات من المتدينين الصّهاينة لفرض رؤيتهم على الحياة اليوميّة للصّهاينة العلمانيين في الجيش والمواصلات وفي أحياء القدس وبيت شيمش، حيث اقترح نتنياهو بأن يتمّ إقامة جدار عازل بين أحياء المتديّنين والعلمانيين في بيت شيمش، وهذا يعطي المتابع صورة عن طبيعة العقليّة العنصريّة الّتي لا ترى حلولاً لمشاكل الاختلاف الدّيني والعرقي والسّياسي والاجتماعيّة إلا ببناء الجدران والعزل، وأنّها كلّما عزلت نفسها عن الآخرين زادت التّناقضات داخلها مما يدفعها لتفكيك وتقطيع ذاتها، فالفكرة العنصريّة غير قابلة للحياة مهما تأخّرت ساعة الإعلان عن وفاتها، لأنّها فكرة تولد ميّتة لكونها تخالف الفطرة الانسانيّة ومسيرة الحياة والتّاريخ.