من هو المشكلة؟

محمد السيد

[email protected]

(1)

قال تعالى: ((...هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)) النجم: 32

_أ_

إن من خلق المؤمن، ومن خلق العربي، ومن خلق الرجال، ألا يغمط الواحد منهم الآخر حقه وقَدْره وجهده، فإن هو فعل، خرج بفعله المشين من الدوائر الثلاث، ودخل في باب قول حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر)، وكما عرف الحبيب صلى الله عليه وسلم الكبر فقال: (الكِبر بَطَرُ الحق وغَمْطُ الناس) رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأهل النار، كل عتل جَوّاظ مستكبر) متفق عليه. وهذا المستكبر الذي يزكي نفسه ويغمط الآخر حقه، هو الذي عنته آية ربنا جل في علاه: ((هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)) .

_ب_

قدمت هذه المقدمة لأقول بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة). ومِنْ هؤلاء: (...وعائل مستكبر) رواه مسلم. والعائل هو الفقير في المال أو في الفعال أو في الأخلاق، ويستكبر على الناس ويتعالى عليهم، وهو فاقد لكل ذلك الخير من المال أو الفعل أو الأخلاق المزينة للرجال. وأمثال هذا الفقير يجيبهم رب العزة بقوله جل من قائل: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ)) يونس: 23 

وإن قولي هذا أدفعه بقوة في وجه شخص من هؤلاء الفقراء في كل شيء مما ذكرنا، إنه "محي الدين اللاذقاني"؛ وهو وأمثاله مشكلة العالم العربي برهانهم على الرباط مع من كانوا هم الذين ابتغوا خرابنا في كل شيء، وقد نثر في مقابلة له مع قناة العربية ( الخميس 8_9_2011م) ترهات ومفتريات أذكر منها:

أ_ إن الإخوان المسلمين هم مشكلة للعالم العربي.

ب_ إن الإخوان مرفوضون في سورية؛ فشعارات المتظاهرين: لا إخوان، ولا سلفية.

ج_ وقد أيد رواية حكام سورية الغاصبين للسلطة بأن الإخوان والسلفية وراء خروج الشعب السوري.

د_ ادعى لنفسه ما ليس فيها بتاتاً؛ إذ قال: حرثت تلماً مهد للثورة في سورية، وأضاف: جمعت بين رياض الترك والبيانوني.

هـ وافترى على العلامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي بأنه يتخذ من الدين لافتة سياسية يتخفى وراءها.

و_ وزاد في مفترياته جهلاً في التاريخ بقوله: إن هناك مشكلة قديمة، هي أن الفقيه كان يقف عند الأزمات مع السلطان!

_ج_

هذا بعض ما هرف به هذا العائل المستكبر من أقوال زور وبهتان وغيبة وافتراء، ولم يعلم أن كل ما قاله وذكرناه آنفاً وغيره مما لم نذكره اختصاراً، لا يستحق الرد فهو لن يلاقي آذاناً صاغية إلا من غافل أو عائل مثله وهم قلة؛ لأن الناس بغالبيتهم العظمى يعرفون حق المعرفة فقر هذا العائل المستكبر من الفعل المعارض الحقيقي، ويعلمون حقده على الإسلام ودعاته، مطبلاً مع جوقة عالمية ممولة ومدعمة مالياً ومعنوياً من جهات غربية مشبوهة الأهداف، مريبة في سلوكها وأدواتها ومصنوعاتها من الناس والأشخاص، تدفعهم إلى مقدمة المنابر على أنهم قامات رفيعة فاهمة مدركة فاعلة، مع أنهم بعيدون عن كل ذلك، ولكنه الكيد والمكر للإسلام والمسلمين، محاولين بهما تحييدهم ومنعهم من أخذ مكانتهم الميدانية التي قدموا من أجلها كل التضحيات والفعال العالية الغالية، التي شهد لهم بها كل منصف حر الرأي عالي المروءة: ((مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)) الصافات:154 ، ورغم أن ما افتراه هذا العائل المستكبر، لا يستحق الرد كما أوردنا آنفاً، إلا أنني رأيت أنه لا بد من إلقاء بعض الضوء على كلماته المفتريات، فلعل الغفلة وعدم المعرفة تؤديان ببعضٍ قليلٍ جداً من الناس إلى أن تشوش تلك الكمات فكرهم، فيقفون حائرين مترددين. وهنا لا بد من تخصيص أكثر من حلقة لرد الأكاذيب التي ألقاها هذا العائل في وسيلة إعلامية نافذة مشاهَدة ومعتبَرة.

_د_

وأول ردي يبدأ من عند قوله: إن الإخوان مشكلة للعالم العربي. فأقول: ((لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)) التوبة:47

إن هذا وأمثاله لا يمثلون وجهة نظر مفيدة للأوطان وللشعوب وللثورات: ((إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)) الزخرف:20     

ابتغاء الفتنة وابتغاء التعويق، فهم يغيرون على حق الإخوان المسلمين في سورية وفي العالم، الذين كانوا أول من بينوا طغيان حكامهم، ووقفوا للفكر التضليلي بجهدهم ودمائهم وأموالهم، كما أن الإخوان في سورية هم أول من نبهوا الناس إلى إجرام الحكم الأسدي وبغيه وضلاله وفساده، الذي جرّ البلاد إلى الخسران وأودى بشعبه إلى ساحات الفقر والبطالة والإقصاء، وقدّم الإخوان في سبيل هذه المواقف التضحيات الجسام من مال وأرواح ودماء وتشريد ونفي قسري وغير قسري، والمفارقة هنا أن الإخوان ليسوا مشكلة للعالم العربي، بل هم مشكلة للطغاة، وهو بقوله هذا إنما يدافع عن هؤلاء الطغاة، مع أنه يدعي المعارضة، لكنه لم يبرهن على شيء من معارضته إلا بكليمات مستريحة يصعد بها فوق المنابر، دون تقدمات أو عناء.  

_هـ_

إن هذا المستكبر المنكر لحقوق الرجال، الحاقد على الحراك الإسلامي، وذلك حسداً من عند نفسه؛ لأن هذا الحراك يحوز على رضى  الناس، لقربهم منه ولشفافيته وصدقه وواقعيته ووسطيته: ((أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)) هود:11 أيها الحالمون بوقف قافلة النهوض المؤسس فوق قواعد الأمة الحصينة، وكذلك بتعويق أنباء انتصار ثورات شعوبنا كافة، بسبب أن لافتاتها لا تأخذ بعلمانية هؤلاء الحالمين، ولا بدولتهم المدنية الخالية من أي نوع من الانتماء لهذه الأمة، وهم بذلك كله يشكلون المشكلة والبلاء لأمتنا العربية والإسلامية منذ بداية ما يسمى عصر النهضة حتى اليوم، حيث تماهى هؤلاء في الخدمة مع جند المستعمرين وفكر المستشرقين، والانبهار بكل زائف من القول الغربي والمسار الآخر، مهما كان ذلك المسار وذلك القول محتوياً من سمّ، يعتليه عسل الكلام ورَوْح المكر والكيد.. والسلام ختام.

من هو المشكلة؟

(2)

محمد السيد

قال تعالى: ((وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)) الكهف: 28

نتابع في هذه الحلقة هرطقات "محي الدين اللاذقاني"، لنلقي عليها سدفاً تصاغر من عملقة ظن صاحبها بها.

فهو إذ يقول: الإخوان غير مقبولين، والدليل شعار الثورة "لا إخوان، لا سلفية"، وإذ يهرطق بالقول: إن الإخوان أيدوا رواية النظام بأن الثورة سلفية إخوانية، عندما دعوا إلى الاستمرار بالتظاهر، وحشد الناس في الثورة، ونحن نجيبه بما يأتي:

أولاً: ما معنى شعار: لا إخوان، ولاسلفية، ولماذا أطلق؟

1_ جاء رداً على محاولة النظام إسباغ لون طائفي على الثورة وتظاهرات الناس، وذلك كي يستغل تلك المحاولة إذا نجحت من أجل تأجيج الطائفية، وفتح معركة بين الناس، ليسلم هو. ولكن حيلة النظام انطفأت عندما أصر الثوار على وطنية لا تحمل صبغة طائفية أو حزبية أو فئوية، بل إنها تضم كل مكونات الشعب السوري، ومنهم الإخوان والإسلاميون، دون أصباغ أو ألوان أيديولوجية.

2_ جاء هذا الشعار بياناً بليغاً يقول:إن الشعب بأكمله ذاق الويلات من عصابة الحكم في سورية على مدى أكثر من أربعة عقود، فلم يسلم من هذه الويلات أحدٌ، وإن كان جسم الحراك الإسلامي ناله من الجراح أبلغ الإصابات، فكيف يطلب "اللاذقاني" من الإخوان أن لا يعلنوا مشاركتهم في الثورة بحجة أن ذلك الإعلان يؤيد رواية النظام، التي لم  تفلح في إثبات كذبها؟ فهل في عدم الإعلان مصلحة لأحد؟ لا نعتقد ذلك ، إلا أن يكون من يدعي المصلحة صاحب غرض في أن يختفي الوجه الإسلامي البارز لصالح حراك علماني مغمور..!! لا يجد له مكاناً بارزاً في زحمة الحراك السوري الثوري المستبشر وجهه المضيء بتراثه العربي الإسلامي السوري العريق، الذي حاولت العالمانية المزيفة النيل منه بشتى الصروف والإساءات منذ انقلاب الثامن من آذار وحتى اليوم. إنها هرطقات هو قائلها وهي من الهوى الذي أمرنا ربنا بنبذه، وذلك بأمره القطعي: ((وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)) .

إن الإخوان في سورية كانوا أول الثائرين على آل الأسد وظلمهم وحكمهم منذ السبعينات من القرن الماضي وحتى هذه اللحظة، وقد ظل الكثيرون ممن يدعون الانتماء للثورة اليوم يشككون بصحة مواقف الإخوان (حتى جاء أمر الله وظهر الحق)، فانتمى الجميع إلى ثورة برهنت بشعاراتها وغاياتها ومسيرتها الظافرة وإصرارها الذي لا يقيل ولا يستقيل، أنها امتداد لصلابة شعب سورية، وأن ما كان يقال من أن الشعب السوري اختفى ونام لم يكن إلا افتراء، وإلا فكم من غفلة يحملها ذلك الاتهام للشعب؟ الذي ثار عام 1964م في حماة وفي دمشق؟ وقام بثورة عام 1973م التي سميت ثورة الدستور، حيث غُيِّب الآلاف من الشعب السوري حينها في المعتقلات، وقُتِل من قتل، ونُفِي قسراً من نفي، ثم لتهب سورية كلها أواخر السبعينات وحتى الثمانينات من القرن الماضي، وذلك حين انتفض الشعب كله ونقاباته وتجاره ومثقفوه، فقوبل الجميع بالحديد والنار، وكانت المجازر الأسدية في تدمر وفي حماة وفي جسر الشغور وحلب ودمشق وإدلب وجبل الزاوية وحمص واللاذقية وحوران وكلها مجازر موثقة مثبتة في الكتب وفي تقارير حقوق الإنسان، وقد كان البطش المجرم في عقد الثمانينات وبداية التسعينات من الشدة والإجرام الذي لم يسجل له مثيل، داعياً إلى استراحة المحارب، أجاز فيها الشعب السوري لنفسه سنوات ليلتقط أنفاسه، وليجيء قدر الله بالثورة الربانية على يد أطفال درعا، ولتهبّ سورية بأكلمها من جديد، من دون أصباغ ولا ألوان ولا  "فذلكات"علمانية غير ذي استقامة في القول ولا في العمل، وها هي ستة شهور من عمر ثورة شعب سورية تمر، والعصابة الحاكمة تستنسخ كل يوم جيناتها الإجرامية بالقتل والدم والدمار، لكن الشعب مصر ومستمر وصابر ومصابر إلى أن يصل إلى هدفه في انتزاع حريته وكرامته، وذلك في يوم قريب إن شاء الله ((إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7))) المعارج.

ثانياً: وإذن ما هو مبتغى هذا المستكبر؟

1_ إنه يحسبها اليوم كعكة وهو يريد قطعة منها .

2_ إنه يريد للثورة وجهاً بلا هدى ولا كتاب منير، ظناً منه ومن أمثاله أن الدولة المدنية التي يريدها الجميع اليوم هي دولة هكذا بلا مرجعية ولا طعم ولا لون ولا رائحة، ليصب فيها هؤلاء الظانون عفنهم المستورد بلا انتقاء ولا اختيار. إن هذا بعيد على أسنانهم؛ فالإخوان شريحة كبرى من شرائح الشعب السوري، وهم لم ينزلوا من المريخ، بل إنهم كانوا مذ وجدوا منتصف أربعينيات القرن الماضي بيضة القبان في الشؤون السورية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وهم لم ولن يتخلوا يوماً عن دور لهم في شؤون بلدهم، يعدونه واجبا ًشرعياً وواجباً وطنياً وإنسانياً سلمياً ومسالماً ومشاركاً لا منفرداً ولا محتكراً، أيها القوم: إلى أين أنتم ذاهبون، لماذا تحاولون صدّ الإخوان بلا علم ولا تدبير، ألم تسمعوا قول ربكم البليغ: ((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ)) الجاثية: 23 ثم لتتدبروا أمركم ((أَفَلَا تَعْقِلُونَ)) البقرة:44، ولتصب كل الجهود اليوم في تيار الوصول إلى الغاية التي يريدها الشعب السوري من الحرية والكرامة والمواطنة الحقة، والتدوال السلمي للسلطة، والمشاركة الكاملة لجميع السوريين في تقرير مصير بلادهم بلا إقصاء ولا تهميش بأي سبب كان.