يسألونك عن المبادرات

فقل هي رجس من عمل الشيطان!!

محمد خليفة

...قال الراوي يا سادة يا كرام : وعندما أوشكت مهل الجامعة العربية أن تنفد , وانحشرت عصابة دمشق في الزاوية الضيقة , وأخذت تستصرخ نخوة الحلفاء الاقرباء والغرباء على حد سواء لإنقاذها , لبى هؤلاء وتقدموا بمبادراتهم الفاسدة من حيث لا يتوقع أحد , ولا ينتظر .

جاءت الاولى من موسكو [ من كان يتوقع أن يتقدم الروس بمبادرة إلى مجلس الامن في هذا الوقت ..من ؟؟] الامر الذي جعل المسيو الان جوبيه وزير خارجية فرنسا يقفز من مطرحه من وقع المفاجأة , وكان متكئا فجلس , وفي رواية أنه وقف وصرخ بأعلى صوته : إنه حدث عظيم !!

الروس الذين تبهدلوا أخيرا بسبب موقفهم الستاليني في مجلس الامن الدولي , وحملوا أوزار العصابة السورية , وأوزارا من أوزارهم المشينة في انتخاباتهم المزورة الاخيرة , صاروا في نظر العالم كله شركاء في جرائم حلفائهم القرمطيين , وصارت سمعتهم في مستنقع الدم السوري , أخرجوا هذه المبادرة الكوميدية التي ترمي بالمسؤولية عما يقع في سوريا من مذابح على عاتق القتلى والجرحى والثكلى من المدنيين السوريين , لأنه - بحسب رأي أصحاب المبادرة - كان يجب على هؤلاء المتطرفين تقديم أعناقهم لأولي الامر منهم طوعا , بلا عويل ولا ضجيج , ولا إثارة للمتاعب , ما دام أولو الأمر يمارسون حقوقهم في القتل والقمع بموجب السيادة الوطنية المقدسة , ومن دون أن يكون لأخد في الخارج التشويش عليهم !!

لكن لا رصانة الدبلوماسيين الروس ولا رطانتهم في صياغة مشروع القرار المقدم للمجلس الموقر , ولا سعادة المسيو جوبيه بالمفاجأة السقيمة , نفخت الروح في جسد مبادرة نفقت قبل أن تولد , ولا يأسف عليها أحد , خصوصا وأنها ثمرة علاقة محرمة وغير أخلاقية بين طرفين شاذين عالميا !!

أما المبادرة الثانية فجاءت من ذوي القربى الاقربين في بغداد في اللحظات الأخيرة بعد انتهاء الوقت المحدد لمهل الجامعة العربية . سبحان الله من كان ينتظر من هؤلاء الذين طالما نادوا بالويل والثبور من إرهاب عصابة دمشق وتصديرها الارهاب إلى الشعب العراقي طوال ثماني سنين .. من كان ينتظر منهم التقدم لنجدة الإرهابيين الذين قتلوهم .. من ؟؟ لكن حواة طهران وملاليها يدهم طويلة في العاصمة العراقية , قادرون على كل شيء بعد أن صارت بغداد الجريحة ضمن مناطق نفوذهم ومحمياتهم الملحقة بمرجعيتهم الشيعية , وصار ولاتهم في عاصمة الرشيد أوصياء على أمورها , بمباركة سافرة من واشنطن , ربما كجائزة لهم على تعاونهم في إسقاط النظام البعثي السابق , وتمزيق العراق على النحو الذي نرى . العداء الامريكي - الايراني الشامل يبدو أن مفعوله لا يسري على الحالة العراقية , حيث يصبح العداء سلاما , والصراع تعاونا وثيقا . نحن نعتقد أن مبادرة صفويي بغداد هي ثمرة علاقات حرام أشد شذوذا من علاقة موسكو بدمشق , وهي هنا علاقة ثلاثية وسرية . ذهب المالكي إلى واشنطن في الوقت الذي كانت العقدة السورية في مرحلة الشدة , وهناك أطلق المذكور تصريحات غزلية تجاه دمشق والعصابة المتسلطة عليها , وكان معظم هذه التصريحات بحضور الرئيس أبو حسين أوباما , ولم يرفضها , ولم يبين موقف إدارته المعارض لها . قال : إن من مصلحة العراق ألا يسقط نظام القرامطة , وقال إنه يرفض التدخل الخارجي وخاصة العسكري في سوريا , وقال إنه لا يستطيع تنفيذ عقوبات الجامعة حرصا على مصالح العراق , وقال أيضا إنه لا حل للمشكلة السورية إلا بحوار بين النظام والمعارضة , وفي جضن عربي دافىء وناعم لا يهدد ولا ينذر ! وإذا كان بعض الظن إثما فإن أغلبه ليس إثما , بل ربما هو من حسن الفطن : هل ذهب المالكي إلى واشنطن بمهمة وساطة أو حاملا صفقة تسوية بين طهران وواشنطن ؟؟ مالذي يمنع ؟؟ لم لا ؟؟ ما دامت ثمة سابقة بين الطرفين , وما دام في تاريخ السياسة الغربية البراغماتية سوابق وسوابق , وما دامت إدارة أبوحسين أوباما لم تتخذ حتى الان قرارا حاسما ضد الخارجين السوريين على القانون الدولي خوفا من تهديداتهم على الأقليات في الشرق الوسط من ناحية , وحرصا على طمأنينة إسرائيل الوادعة من ناحية أخرى . في نفس الوقت رأينا تراجعا واضحا في لغة واشنطن , لصالح دعوات لحوار بين القتلة في سوريا والضحايا , كحل أمثل للأزمة السورية المرهقة [ بكسر الهاء ! ] يرضي جميع الاطراف .... فيما خلا الشعب السوري الثائر .!!

وبمجرد عودة المالكي من واشنطن شن على الشعب السوري مبادرته المريبة موضوعا وتوقيتا , في الوقت الذي كان منتظرا من اجتماع الدوحة أن ينعقد ليعلن فشل المبادرة العربية , وإحالة الملف السوري إلى مجلس الامن .. بدا الامر كأنه سباق محموم بين دبلوماسيتين , ديبلوماسية تشبيحية , وأخرى بيروقراطية , واحدة تسعى لدعم القتلة , وأخرى لتفادي الحرج والخجل من ضحايا المذبحة .

بين هذه المبادرة السافرة وتلك , ثمة مبادرات أخرى تقترف المنكر سرا لا جهرا , حياء من الرأي العام وحرصا على مشاعر الشعب السوري ! الجزائريون , السعوديون , الاردنيون .. وما خفي أعظم , وإذا لم يستحوا فليصنعوا ما شاؤوا ..

****************

الشعب السوري الذي يصنع معجزته الكبرى اليوم وكان له الدور الرائد في تأسيس الجامعة عام 1945 , سيكون له الدور الرائد أيضا عما قريب في إنشاء جامعة الشعوب العربية , وسيكون مقرها في دمشق , بديلا عن تلك التي يجب أن ترسل إلى متحف الشمع البريطاني حيث تكونت نطفتها الاولى قبل سبعين !!!!