حمص حمص.... لماذا

د. حامد الخليفة

بسم الله الرحمن الرحيم ...

حمص قلب سوريا والأخ الثالث الأكبر من أبنائها البررة فبعد أن انغمس الأخ الأول-دمشق- في اهتماماته المشوبة بتخوفاته على كرامته وربما لديه بعض العذر في بعض ذلك لشراسة العدو وعميق أحقاده! لكن لا عذر لخذلان أهله! ثم الأخ الثاني –حلب- المنهمك في مصالحه التي لم تدع له فرصة يسمع فيها أنين إخوانه من حوله فلم تأخذه الحمية على ما حل بأهله من هوان! لكل هذا لم يعد أمام الأخ الثالث من أبناء سوريا –حمص- خيار من مشاركة أهله وإخوانه الآخرينصراعهم في مواجهة هذا النظام المتوحش الذي جمع كل أحقاد البشر ليفجرها على أهل سوريا بشكل جماعي وفردي، لا يرحم صغيرا ولا يواسي كبيرا! همه الأول نزع العقيدة! وتمزيق الهوية! والانتقام من أهل سوريا! الذين فتحو له بلادهم ولا يدري الكثير منهم من أي ملة هذا النظام! ولا من أين جاء! أما حمص التي تربع أبناء النظام في جنباتها مُبَجلين بين أهلها وكأنهم منهم، فإنهم دفعوا الثمن الأغلى وذلك أنهم وثقوا بالباطنية وصاهروا النصيرية وتركوا وصايا أئمتهم وهدي عقيدتهم فكان حالهم معهم كحال من أجار الضبع وأطعمها وسقاها!

ومن يعمل المعروف في غير أهله ...... يلاقي الذي لا قى مجير أمِّ عامر

وأم عامر كناية عن الضبع، ولما كان النظام الباغي الطائفي في سوريا يعلم أن حمص قلب سوريا خطط للهيمنة عليها بتغير تركيبتها السكانية وعقيدتها الإسلامية! ثم هاجمها بكل وحشية لتسلم له مخططاته في استباحتها، لكن أحرار حمص وإخوانهم في كل سوريا سطروا ملاحم الصبر والثبات والرجولة التي فضحت الطائفية ومن يساندها ويصمت على جرائمها، فرسمت علامات التفاؤل في أرجاء سوريا بل والعالم الإسلامي، بخلاص الشام قلعة الإسلام من أنياب ومخالب أعدائها، لهذا صار أهل سويا يرددون "كلنا حمص" و" يا حمص حنا معاكي للموت " كما ررددوا ذلك لمدن سورية أخرى وهم يعلمون أن من يطلب الموت توهب له الحياة!

أعَرَفتَها؟ تلكَ الرُبوعَ العالية ..... ما بين لبنانٍوبينَ البادية

الذكرَياتُوقد بَرَزنَ عَلانِية ..... نادَينَ عنكَ بحَسرةِ المَطرودِ

يا حِمصُ يا بَلدي وأرضَجدودي

فحمص ومنذ الفتح الإسلامي للشام هي من أبرز حُرّاسه الأمناء الأوفياء وكيف لا تكون كذلك وقد ارتشفت من لين أبي عبيدة بن الجراح ووفائه ومن صلابة خالد بن الوليد وثباته رضي الله عنهما، وعلى هذا فلا غرابة أن ينبت الأمل في مدينة ابن الوليد ولا غضاضة أن تكون الدريئة للأهل في سوريا، تصد عنهم الهجمات الشعوبية وتفضح الأحقاد الطائفية وتُضحي بالغالي والرخيص لحماية راية التوحيد وبيضة الصالحين، وتنصر الثائرين ضد الظالمين لتخفق القلوب إليها إكباراً مرددة:

حِمصُ العَديَّةُ كُلُّنا يَهواكِ ... يا كَعبةَالأبطالِ إِنَّ ثَراكِ... غِمدٌ لسيفِ اللَه في مَثواكِ

فإن كان باطل النظام الباطني جمع خيله ورَجِله ونادى في كل غادر وحاقد وفاجر! فإنّ حمص ابن الوليد لا تُهزم بإذن الله! فقد ثبت أنّه لم ير أحد وجه خالد بن الوليد إلا وهُزم وولّى مخذولا، ومنذ ذلك العصر فإنّ المغول المتوحشين فرّوا قبل أن يطأوا حماها، وإخوانهم اليهود لم يسكنوا أحشاها، وشقائقهم العقارب لا تدب على ثراها، ولما غفل أهل حمص أو غُلبوا فصمتوا عن استلاب النصيرية لكثير من ثرى حمص العدية التي لا يجوز لهم أن يخرقوا حماها فإنهم دفعوا ثمن ذلك باهضا، ولكن المعدن السليم لا يضره الصدأ فسرعان ما استدركوا ذلك ونهضوا للخلاص، فها هي ساحات حمص تبعث بنداء التوحيد من جديد، فيردده أبناء سوريا في كل أصقاعها أن لبيكم يا حمص دعاء ونصرة وإخوة وفداء، كيف لا و"المؤمن أخو المؤمن لا يخذله ولا يسلمه" فيا حمص البطولة والهوية كم سيسجل التاريخ للأحرار فيك من المواقف والمكارم والسِّيَر فها أنت بأبنائك وإخوانك السوريين البررة تواجهون الباطل كله ومعه الزيف والحيف والخذلان والنفاق والتردد والترهل والغدر والكيل بالمكاييل المطففة! فماذا أقول فيك يا جوهرة الشام وقلب سوريا؟ يادرة الثورة وراية العدل والحرية!

وددت لو زرعوني فيك مئذنة - - - - أوعلقوني على الأبواب قنديلا

فقد تعجز فيك الكلمات وتتكسر الأقلام أمام ما يُسطر على ثراك من ملاحم الحق أمام الباطل، فمن أحبَّ الشام وأخلص لسوريا فإنّ لسان حاله يردد لبيك يا بلد الوليد؛ لبيك يا دم الوريد، لبيك يا حمص العديّة، ومن أبغضها فإنّ حاله حال شبيح أسقط القيم والمكارم وتحول إلى لص غادر يقطع الطرق ويسرق المؤن ويهتك الحرم، وشتان بين الثرى والثريا! فيا أبناء سوريا فلينظر كل منكم أين يقف؟ فإنّ للحق والعدل والنخوة رجال أحرار أطهار! وللجريمة والإفك والهتك والتبعية أقزام أدعياء أشرار! فيا من أحببت سوريا العقيدة والأرض كن من الأخيار حُماة الديار الذين سلكوا مسلك النبي المختار صلى الله عليه وسلم لا يرضون بغير منهجه منهجاً ولا بغير قيادته قيادة قال تعالى:( وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ) فالشكر لمساعي الأحرار في سوريا الذين لقنوا الباغي دروس الفداء والتضحية والصبر والوحدة من أجل سوريا العربية الموحدة تحت رايات عقيدتها وفقه أئمتها ومدارج حضارتها، ولكل ليل فجر ووراء كل محنة منحة والله ولي المتقين.