الغرب يريد تقسيمنا

د. ضرغام الدباغ

ما هذا الاكتشاف المذهل .....!

ما هذه العبقرية، هذه الجملة تقال ونسمعها عندما يدافع نظام فاسد حتى النخاع عن وجوده، عندما تتشبث عائلة برقاب الناس تمتص دمائها كأي حيوان طفيلي لعين، أو روبوت متخلف يعتاش على دماء الآخرين، عندما يدافع طغاة العصر الحجري الحديث عن وجودهم الرث، عن أنظمة عافتها الأنفس قبل أن يجتازها الزمن، وكأن الإمبريالية ضدنا فقط عندما تمس كراسيهم الذهبية، أما قبلها، فدونكم المناورات، والمغازلات، وذر الرماد في العيون من قبيل الممانعات ...!

نعم وحدة الوطن خط أحمر، استقلال الوطن خط أحمر، نعم هذه خطوط حمراء مقدسة لا ينبغي مسها، صحيح، ولكن هناك خطوط حمراء أخرى، منها قاعدة أن لا وطن حر بلا مواطنين أحرار، ومنها أيضاً دماء المواطنين هي أيضاً حمراء اللون، نعم يحق لمن يحكم أن يمسك السيف ولكن ليحمي البلاد ويحافظ على أرواح الناس، ولكن لا يحق له أن يعبث بها كما يهوى ويشاء ...!

الغرب يريد تقسيمنا، كأن هذا اختراع جديد، هم يحاولون ذلك، يتحدثون عنه سراً وعلناً وسيحاولونه الآن وفي المستقبل، ولكن ألا نتسائل، ترى لماذا تقسيمنا مطروح، ولماذا بهذه السهولة لمن يريد ؟ لا أريد أن أجادل في قذارة الأساليب التي يتبعها الاستعمار القديم والجديد، والنظام الإمبريالي الجديد العولمة، ولكن أريد أن أسمع ماذا نفعل لكي ندرأ مخاوف الدخول إلى أوضاعنا، ومجتمعاتنا...؟

الإجابة البديهية الوحيدة هي: أن نغلق أية ثغرة محتملة، وذلك أولاً أن نشيد أنظمة تمثل الشعب بأوسع ما يمكن، لا أن يختزل الوطن بعائلة، وبقائد ضرورة، أن يشعر كل مواطن أن هذه دولته. أما الحكومات الطغيانية، حكومات العائلات، جمهوريات التوريث، أنظمة القمع بلا حدود، والإرهاب والترهيب لحد استخدام الدبابات ضد المدنيين العزل، فهذه هي وصفة الهلاك بعينها، وهي المدخل للتقسيم.

السلفيون قادمون .... وتلك وصفة سحرية أخرى يتقربون بها من الإمبريالية والعولمة، والروس والصينيين، ويتملقونهم، ويهمسون بصوت ناعم، ومعناها الدقيق: دعونا نقتل الشعب، فهو مصدر الشقاء وليس السلطات، كما تنص الدساتير منذ عصر التنوير، ولكنهم ما يلبثون أن يقعون في فخ التناقض، عندما ينعقون أنها مؤامرة على العروبة والإسلام.

بعبارة أخرى، إذا رحلنا نحن فسينهار البيت كله، نحن أفضل الحلول السيئة، دعونا ننهب البلد ونركب على أكتافكم، ونقتل من يعارضنا، وثروة البلاد ملك حلال لنا، وأفضل من أن يذهب لخزائن الإمبريالية، ونذلكم صباح مساء، أفضل من أن يذلكم الاستعمار ... ولكن كفى الشعب لم يعد يطيق هذا الابتزاز المهين، فقرر أن يغسل ذنوب الصمت الطويل بالدم وبالضحايا العزيزة. قتال سبارتكوسي حتى الموت من أجل الحرية والكرامة.

ولكن لماذا يمتنع المثقفون اليوم عن تشخيص جذر البلاء والمصيبة، إنني أدعو لفحص مستودعاتنا السياسية والنظرية والاجتماعية ... أليس كل ما نشهده من زلازل وبراكين هي باختصار هي نتيجة منطقية لإخفاقنا في إقامة نظم محكمة ومحترمة ........! أليس من الأجدر على من يتباكى على وحدة أقطارنا، أن يدين الأنظمة التي أخلاقها أسوء من أخلاق الإمبريالية، بل تفعل ما لا يفعله حتى الاستعمار القديم.

الأنظمة عندما تحشر، تبدأ بترديد السخافات، ومن تلك أنها قادرة على إشعال ليس البلد فحسب، ولا المنطقة، ولا الشرق الأوسط، بل العالم بأسره..... يا أيها التافهون، بلادكم محتلة منذ نيف وأربعة وأربعون عاماً، وأنتم تنصبون أنفسكم حراساً على الاحتلال، وعاجزون لدرجة اللعنة عن فعل أي شيئ يعيد الأرض، تتوسلون أي أجنبي يبقيكم في السلطة شهراً آخر، تتنازلون حتى عن الثوابت وبعدها تشكون من تدخل الأجنبي في شؤونكم ...!

تتحدثون عن منجزات، وأنتم، ومن سواكم سرق البلاد ونهبها ؟ .. لا الاحتكارات الامبريالية، ولا الشركات المتعددة الجنسية، ولا العولمة، تضاهي خفة يدكم في السرقة والنهب، ولا يقام أي مشروع ما لم تحسب عمولته سلفاً، لهذا وذاك من أبناء العم والخال، والحاشية وللحسابات السرية.

الأنظمة التي تحكم بالحديد والنار قتلت بكل فخر واعتزاز أكثر بكثير مما قتل المحتلون الأجانب، بل أكثر مما قتل المحتلون الغزاة، ولكن بوضاعة أكثر، ووحشية تحسدهم عليها حتى الوحوش الضواري.

الأنظمة المتساقطة تلوم الجامعة العربية، ولم يجف بعد حبر توقيعهم وموافقتهم على إقامة الحظر الجوي على ليبيا. وما زال الفيديو يحفظ لنا ال(نعم) الخجولة التي لفظها الأسد الأب على استقدام جيوش أجنبية، ومن ثم مشاركتهم في حرب الخليج الأولى.

لم يحارب أحد المقاومة الفلسطينية بثبات كما فعل نظام الممانعة في دمشق، عندما احتلوا بلداً جار شقيق، وساموه مر العذاب والاستبداد، وقتلوا خيرة رجاله، وسرقوه حتى آخر حصيرة، فيما لم تشهد جبهة سلاماً وأماناً كالذي شهدته جبهة الجولان.

الأنظمة التافهة تهددنا بالصراعات الطائفية، وتتناسى أنها أول من أسس أنظمة طائفية، في سوريا العروبة، بل وسعوا جراثيمها إلى لبنان المتحضر الجميل، فأحالوه ركاماً وخراباً، وهاهي صور الرئيس الفذ، والإمام الفارسي، ونصرالله تملأ شوارع دمشق، ولا أظنها صوراً لقادة قوميين ولا لقادة اليسار العالمي، أو عماليون ثوريون أو قادة التحول الديمقراطي.

وها هم اليوم يتلقون العون المالي والإسناد العسكري من جار طائفي لهم لا يضاهيه أحد في إشهار طائفيته، بل وضع ذلك في دستور العراق العربي، وها هي جراثيم طائفية تتسلل إلى سورية مسلحة بالحقد الطائفي القذر.

ها هم يتلقون الدعم والإسناد بكافة صنوفه من أول دولة طائفية في العصر الحديث، دولة الفرس التي تقودها العمائم المخرفة، في مخالفة للزمن والحياة.

يقولون أنهم يريدون تجنب وضع كالوضع العراقي، ولكن .. ألم يكونوا هم عوناً وحلفاء للمحتلين، وساعدوهم في الخفاء والعلن، بل ويتبجحون بذلك دونما حياء، أن الأمريكان لم يكن بوسعهم احتلال العراق لولا مساعدتهم ... وها هو الوضع العراقي ينجدهم بشبيحة وميليشيات وحشرات ليحولوا دون انهيار أكيد بات وشيكاً.....

أية ذرائع بعد تتذرعون بها ...؟

أيها المثقفون العرب، ينبغي أن تلعبوا دوراً طليعياً، لا أن تفوح من جيوبكم روائح مخجلة، تزكم الأنوف، وكفوا عن إقامة المآتم على من لا يستحق أن تذرف دمعة واحدة من أجله.

ألم يهدي القذافي الصواريخ لإيران لتنال من بغداد، لا بل اشتري أسلحة لإيران من مصادر شتى ودفع ثمنها من المال الليبي، ألم يدفع القذافي الأموال للأكراد ويساعدهم في حربهم ضد العراق، ثم يدفع المال ويشتري أسلحة لجون قرنق، ويساعد لانفصال جنوب السودان، ويساعد ويعطي الأسلحة لانفصال دارفور، القذافي يساعد ويأوي المتمردين الحوثيين في اليمن، القذافي يعمل على انشقاقات في المقاومة الفلسطينية، هكذا العروبة وإلا فلا ...!

القذافي سعى لتسليح الثوار الايرلنديين وفشل بفضيحة، ويفجر طائرة البان أم ليدفع الشعب الليبي المليارات ثمناً باهظاً لغلطته الفادحة، ودن أن يتعظ، يفجر طائرة فرنسية ودفع الشعب الليبي مرة أخرى الثمن.

رحم الله قائد العروبة، معمر القذافي كان يبحث عن دور في الوطن العربي ولم يجده، وبحث عن دور في أفريقيا ولم يلقاه، وبحث عن دور عالمي، كقائد ثوري ولكنه لم يبلغه قط، الشعب الليبي وليس غيره من دفع ثمناً باهظاً للغاية لكل هذه الأخطاء الفادحة.

والله لقد تأسفت على مصرعه بالطريقة التي صرع فيها، وتأسفت على ثوار لا يعرفون كيف يقدمون بديلاً حضارياً، كما أنني لست من الذين يفضلون الحلول الدموية، ولكن لا يلوم في هذا إلا نفسه من يدفع الأمور لهذه النهايات، ويرسم بيده ملامح نهايته البائسة.

ليبيا كما سوريا، لم تكن نظاماً جمهورياً ولا ملكياً، هي عصابات كالمافيات العائلية، ليس هناك رئيس للجمهورية ولا رئيس لمجلس الشعب، ولا دستور ولا قانون، هناك من نصبته العائلة زعيماً، الفريق والعقيد والقائد القائد الملهم فقط، والرئيس القائد، لم تشهد دولهم خطط تنمية ولا تقدماً يذكر، فهناك نفط، وهناك عائدات، وهي بتصرف الرئيس القائد فحسب، يهب من يشاء ويحرم من يشاء، بيده مفاتيح خزائن المال، وليس هناك من يقوى على سؤاله، هي ليست دول، بل هي مناطق نفوذ لعصابات عائلية، وباقي الأمور مؤسسة على هذه الحقيقة ولخدمتها، من أحزاب وكتب خضر وصفر، هي للأسف قطع ديكور ليس إلا.

ترى ألا تستحق شعوبنا حياة كريمة ..؟ ألا يستحق أطفالنا مدارس ومستشفيات تليق بالبشر ..؟ ألا نستحق دساتير قابلة للاحترام، ألا نستطيع أن نقف بالطوابير لندلي بأصواتنا لمن نريده رئيساً أو من النواب دون خوف يملأ العظام، ودون تزييف لإرادة الشعب ..؟ هل هذه أشياء كثيرة علينا ..؟

من يتكلم في الحرية اليوم يعدونه عولمياً متسللاً ومخرباً، ولكن أليست الحرية واحدة من أبرز الشعارات ..؟ ولكن لا ... هذه واجهة سيراميكية فقط، للمشاهدة وممنوع اللمس كالتحف النادرة في المتاحف ..!

أحوالنا كلها على بعضها، مؤسفة ومؤلمة، والمهم في كل ذلك هي العبرة للجميع، قامعين ومقموعين، والمخرج الوحيد هو أن نقرر التعامل بتحضر، وأن نقيم دولاً محترمة، ومجتمعات نظيفة، وحكام لا يحتقرون إرادة الشعب، لكي نضمن شعوب تحترم الدستور والقانون .... كفى .. لم يعد هناك شيئ يستحق أن تقاتلوا من أجله، كل شيئ أضحى أطلال وخرائب، أوقفوا انتهاك الشعب ... وكفى متاجرة بمعسول الكلام، لقد طمى الخطب إلى ما فوق الركب بكثير ...