مرحلة جديدة تتشكل ملامحها الآن في مصر

بدر محمد بدر

[email protected]

مع ظهور نتائج المرحلة الأولي من الانتخابات البرلمانية خلال الساعات القليلة المقبلة، تكون خطوات بناء مؤسسات الدولة على أساس ديمقراطي حقيقي قد بدأت في التشكل والظهور والاستقرار، لتعلن عن بدء مرحلة جديدة ومهمة في تاريخ الشعب المصري، أساسها الحرية والانتماء والأمل، ونتيجتها استرداد الكرامة الوطنية وامتلاك القرار السياسي وصنع المستقبل المشرق.

وأيا كانت النتيجة التي سوف تسفر عنها هذه الانتخابات التشريعية، أو القوى والأحزاب السياسية التي تفوز بها وتنال ثقة الشعب، سواء كانت من التيارات الإسلامية أو الوطنية أو حتى العلمانية، فهي أولا وأخيرا من اختيار الشعب الذي حرم من ممارسته طويلا، ومن حقه أن يقول كلمته وأن يعبر عن إرادته الحرة، والمرحلة التي تمر بها مصر الآن تحتاج من جميع القوى إلى المشاركة والتعاون والتوافق وتغليب المصلحة الوطنية، للعبور بالوطن إلى منطقة الأمان والاستقرار.

مهمة البرلمان المقبل تحتاج إلى جهد كبير ورؤية واعية وتنسيق وتشاور، من أجل بناء الدستور الحضاري الجديد، وإعادة النظر في ترسانة التشريعات التي لازمت عصر الفساد والاستبداد، وبناء منظومة القوانين التي تؤسس للعدل وترفع الظلم وتحمي الحقوق وتصون كرامة الإنسان المصري، بغض النظر عن انتمائه الفكري أو السياسي أو الديني، وتحسين الظروف الاقتصادية والاهتمام بالمهمشين والطبقة الفقيرة، كما أن دوره هو الرقابة الواعية للحكومة، ومحاسبتها إذا أخطأت.

لقد انتهت يوم الجمعة الماضي انتخابات النقابة العامة للمهندسين، بعد نحو تسعة عشر عاما من التوقف، وقبلها بأيام أجريت انتخابات نقابة المحامين، وقبلها أيضا أجريت انتخابات نقابات: الصحفيين والعلميين والأطباء والصيادلة واتحاد الكتاب والمهن الموسيقية والممثلين، والمرحلة الأولى من انتخابات المعلمين، وتستعد نقابات مهنية أخرى في الأيام المقبلة لاستكمال اختيار أعضاء مجالس إداراتها، ومنها: الزراعيين والتجاريين والتطبيقيين والبيطريين وأطباء الأسنان، وغيرها.

ومن المؤكد أن هذه النقابات المهنية، التي تضم خيرة علماء وخبراء ومثقفي الوطن، هي جزء لا يتجزأ من صناعة مستقبل مصر المشرق، بما تملك من خبرات ومؤهلات ورؤى في كل المجالات، وبما تساهم به من دعم فني لمؤسسات الدولة، بعد أكثر من عشرين عاما من حالة الشلل الكامل في العهد البائد.

وفور استكمال إجراء هذه الانتخابات، سواء مجلسي الشعب والشورى أو النقابات المهنية، تكون ملامح مصر الحرة قد بدأت في الظهور، وتكون بعض أهداف "ثورة التحرير" قد تحققت، لأن الحرية سوف تفرز مجتمعا قويا، يختار حكومة واعية تعبر عنه وتسعى لتنفيذ آماله وطموحاته. 

ولا شك في أن حكومة الدكتور عصام شرف قد أدت واجبها قدر استطاعتها، فالكل يعلم أنها تولت السلطة في وقت شديد الحساسية والتعقيد، وقادت السفينة وسط رياح عاتية هوجاء من كل مكان، وتعرضت لتدخلات وانتزاع لصلاحياتها، وأعتقد أن غالبية المصريين متعاطفون مع الدكتور عصام شرف، الذي لم تساعده الظروف على فعل أكثر مما فعل، فنال من الأذى والتعب الكثير، ولكنها ضريبة الوطن وتبعات المرحلة الصعبة، تحملها بنفس راضية، وأدعو الله أن يتقبل جهده. 

كما أدعو الله أن يكتب التوفيق والسداد لحكومة الاقتصادي الكبير الدكتور كمال الجنزوري، الذي عرفته مصر في التسعينيات رجلا وطنيا مخلصا ومنضبطا، وله رؤية إستراتيجية واضحة في الأمور الاقتصادية، وأتمنى من الوزارة الجديدة أن تستثمر هذه الصلاحيات الواسعة التي تتمتع بها في تقديم العلاج السريع لعدد من المشكلات الحادة التي يمر بها االوطن، وأن تنجح في زيادة الانتاج ورفع الضغط الذي تعيشه قطاعات مهمة من الشعب تجد الآن صعوبة في تحصيل رزقها.