الممارسات العقائدية في منطقة العوينات بالجزائر

الممارسات العقائدية

في منطقة العوينات بالجزائر

الباحثة صبرينة بوقفة

أستاذة الأدب الشعبي بالجزائر

 الإعتقاد من « إعْتَقَدَ، يَعْتَقِدُ، الأمر صدقه وآمن به، وجاء في لسان العرب لابن منظور في مادة عقد قلبه على شيء لزمه» [1] واعتقد الشيء :صلب واشتد واعتقد:

« التصديق بقلبه كما صدق بلسانه ومن لم يعتقد التصديق بقلبه فهو منافق»[2].

عند ربط المعنى اللغوي للاعتقاد بما يمارس في الحياة الشعبية للمجتمع يتضح بأن المعتقدات: تعني ممارسات تتصل بجانب من جوانب الثقافة، كما تربط بين تصور الإنسان للعالم الواقعي والعالم الميتافيزيقي ؛عالم يجهل كنهه لذا حاول التقرب منه بأشكال وطرق مختلفة :عن طريق الأولياء الصالحين أو الاتصال بعالم الجن أو السحر، وهذه المعتقدات تبقى راسخة في أذهان عامة المجتمع،وعلى مدى السنين.

 ويمكن البدء أولا بالاعتقاد في الولاية ،والأولياء: رجال خيرون لديهم القدرة على الاتصال بالخالق أكثر من غيرهم، وتظل الأضرحة والمزارات رمزا لسلطة هؤلاء.يحج إليها الناس في أوقات معينة قصد الطلب والدعاء، ويكون الولي هنا بمثابة واسطة بينهم وبين الله لتلبية الحاجة.

ومثلما يميلون إلى فعل الخير فهم أيضا حسبما يعتقد الناس « قادرون على الإيذاء إذا ما أغضبهم شخص ما،قادرون على إغاثة الضعيف، وإضعاف القوي،وشفاء المريض،وإصابة السليم بالمرض وإحضار البعيد وقطع المسافات البعيدة في لحظات زمنية قصيرة ،وهم أيضا قادرون على منح الشخص الذي يرضون عنه ويقوم بخدمتهم وتتوفر فيه شروط»[3].

مع ملاحظة القول يتبين لنا أن المجتمع الشعبي يؤمن أن للأولياء قدرات تفوق تلك التي عند البشر العادية ،حتى أنها أي القدرة تصل إلى حد منحها للشخص الذي يرضون عنه ويسهر على تلبية خدمتهم ورغباتهم،ويعود بنا السياق إلى الحديث عن أقطاب التصوف أو أصحاب الطرق الصوفية الذي يستلزم دائما أن يكون لكل واحد منهم خادمه أو ما يسمى بالمريد ،وقادرون كذلك على سلبها منه إذا ما أخل بشرط من الشروط.

 وتذكر بعض المراجع أن الطرق التي كانت منتشرة في منطقة تبسة « الطريقة القادرية والتيجانية والرحمانية ،وكان من مريدي الأخيرة أبناء قبيلة سيدي يحي بن طالب وبعض فرق أولاد سيدي عبيد، أما عن أتباع الطريقة في دوار مرسط سنة 1897م ،والتي كانت العوينات تابعة لها إقليميا كالآتي»:[4]

اسم أهم مقدمي الطريقة أو شواشها

عدد الإخوان

موقع الزاوية

محجوب بن الطيببن محجوب،مقدم زاوية هنادة ببلدية واد شارف المختلطة

160

مرسط

 

25

تبسة

ومما يؤكد صحة رأينا قول الدكتور عبد الحميد بورايو الذي يرى «أن هذه الطرق الصوفية لعبت دورا أساسيا في تهيئة المناخ المناسب لظهور عقيدة الولاية وانتشارها ، وبدأت تظهر هذه الطرق الصوفية في الجزائر منذ نهاية القرن الحادي عشر ميلادي »[5].

وهو ما نجده عند معتنقي عقيدة الأولياء خاصة في منطقة العوينات والتي يؤمن فيها البعض من السكان إيمانا قلبيا وعقليا بقدرة الأولياء الصالحين على إعانتهم حتى لدرجة قولهم: "سييسر لي الأمر ببركة سيدي فلان" بدل قولهم: "بإذن الله" ، كما يشدون الرِّحال إلى قبورهم في أوقات معينة من السنة فمثلا في الربيع تقام زردة أولاد سيدي عبيد وينتقل الزائرون إلى مزارته في القنطاس أو ما يسمى ب:"دُوَّارْ لَعْبِيدِيَّة"حيث توضع الشموع وأنواع البخور ،ويتمنى كل فرد في قلبه أن يحقق الولي رغبته.

ويتصل نسب الشيخ سيدي عبيد بن خضير إلى: « سيدنا الحسن كرم الله وجهه (...)،وكانت له سلطة روحية على سكان المنطقة ،فكان يفض نزاعاتهم ويعقد الصلح بين القبائل ويقاوم الظلم،التحق بالرفيق الأعلى عن عمر يناهز 115 عاما ودفن بزاوية سطيح قنتيس وضريحه لا يزال قبلة للزائرين»[6].

ونفس الحديث يقال عن الولي سيحة بن عيسى الذي خلف خمسة أبناء ،وأصبح لكل واحد منهم أتباع يشكل فرقة يطلق على كل واحدة :فرقة أولاد سيدي عمار،فرقة أولاد سيدي التومي،فرقة أولاد سيدي الصغير....الخ ،ويعتقد في نسب هذا الولي أنه يرجع إلى نبي الله: عيسى عليه السلام حتى أن من كراماته حسب إعتقاد بعض الأهالي: مداواة البرص والعمى وأمراض أخرى.

ومما يروى عن كراماتهم أيضا في المنطقة أن أحد المرابطين تجمع حوله الناس وطلب من مرافقيه الإكثار من الضرب على الدف وإكثار النساء من إطلاق الزغاريد ،كما طلب من أحد المتفرجين إطلاق الرصاص عليه وتحديدا في منطقة الرأس كما أخبرهم بعدم الصياح ،وحين أطلق الرجل الرصاص أصابته في المكان المحدد وزاد من الرقص بحركات غريبة، ثم أخرج الرصاصة من فمه وبقي حيا يرزق.

وإذا انتقلنا إلى الحديث عن السحر في معتقد أهالي المنطقة فهو يعد وسيلة لتفسير عوارض الأيام طمعا في استكناه الغيب، وهو في الوقت نفسه يعد آفة من الآفات ومفرقا للجماعات ،كما أنه وسيلة للإيذاء وأشد المنكرات فتكا بالدين والدنيا.

 والمعرفة السحرية تبقى حكرا على العرافين الذين يدفعون بالإنسان إلى أن تجود لهم يداه بمبالغ خيالية مقابل ذلك العمل ، ويكون السحر في صورة حجب أو خواتم مليئة بالطلاسم وكتابات غير مفهومة وهو وسيلة لدرء الشر الذي قد يكون في حالة الإصابة بالعين والحسد.

أما عن الطلاسم المكتوبة فترمز إلى الكواكب السبعة التي يزعم أن لها تأثيرا على البشر،كما أنها ترمز إلى أسماء بعض مردة الجن « وقد عرف العرب مواقع النجوم وحركاتهم وكان إذا سئل شخص عن الطريق المؤدية إلى مكان بعينه، قالوا له: عليك بنجم كذا وكذا فإذا أمطرت السماء نسبوا ذلك إلى تأثير النجم المتسلط في ذلك الوقت فيقولون هذا نوء الخريف أمطرنا بالشعرى ،والنوء هو سقوط نجم ينزل جهة الغرب مع الفجر»[7].

ومن الممارسات المذكورة في المنطقة نذكر :الكتابة للأطفال لفطمهم عن الحليب أو لشفائهم من أمراض خطيرة كداء الصُّفِّيرْ ،حيث يعقد خيط مع الثوم سبع عقد ويوضع على رقبة الطفل حتى يذبل ذلك الثوم ويخرج المرض من الصغير،كما تعلق التمائم على أبواب المنازل أو عند الأسطح للوقاية من العين.

 «وهكذا نرى أن ممارسة السحر تهدف على الدوام إلى إبعاد الروح الشريرة الذي يتربص بالإنسان» [8]

وقديما وفي حالة ارتفاع درجة حرارة المريض يقوم أهله بتحضير ما يسمى "بالعْصَابَة" :وهي عبارة عن عصا مغطاة بقطعة قماش يمررونها على المريض ، فإن سقط القماش فهذا يعني أن الشخص قد أصابته عين أو حسد في ماله وعياله.

ومما هو ملاحظ أن المعتقدات الشعبية مرتبطة إرتباطا كبيرا بالدين ؛ومن ذلك نذكر في حالة الموت يوضع في مكان الميت بعد إخراجه من البيت شمعتان وكأس مملوء بالماء والسبب في ذلك هو الاعتقاد بعودة روح الميت إلى البيت لزيارة الأهل، أما بعد الدفن فيوضع على قبره كأس آخر مملوء بالماء أيضا ليشرب منه الطير والحسنات تكون لذلك الميت.

كما يعتقد المجتمع الشعبي أن شرب الماء الذي غسّل به المتوفىَّ أو وضع القليل من تراب قبره على رأس أحد أبناءه أو أفراد عائلته المقربين قد يهون من الفاجعة،كما يحرم على أهله غسل الثياب لمدة أسبوع كامل بعد دفنه لاعتقادهم أن ماء تلك الملابس قد يشربه المتوفى أويعقد على لسانه الشعر فيمنعه من الكلام مع سائله ، وعلى ذكر الوفاة فإن المرأة المتوفي زوجها تشق ثيابها من شدة حزنها عليه وكان في ذلك للعرب عادة مثل هذه حيث كانوا «يزعمون أن المتحابين إذا شق كل واحد منهما ثوب صاحبه دامت مودتهما»[9].

ومن عادات سكان المنطقة أيضا أنهم إذا أرادوا الانتقال إلى السكن في بيت جديد ذبحوا الذبائح أو أسالوا الدم على باب العتبة لاتقاء العين والحسد أو لإرضاء أهل الدار حسب قولهم ،والمقصود بأهل الدار:الجن وهو ما أكده الأب جرجس داوود داوود في كتابه :"أديان العرب قبل الإسلام" في باب عبادة الجن والملائكة، يقول في ذلك: « إذا أراد إنسان السكن في بيت جديد أو استخراج ماء من بئر حفرها وخاف من وجود الجن فيها ذبح ذبيحة يرضي بها الجن»[10].

      كما يلعب التطير دورا هاما وجادا في حياة سكان المنطقة ويعتقد به حقيقة ومنه :أن عين الإنسان اليسرى إذا رفت دل ذلك على سماع خبر سيء ،وإن رفت اليمنى دل ذلك على سماع خبر صار ويجب الإشارة هنا إلى أن الطيرة كانت من الممارسات الهامة في الجاهلية، غير أنها ربطت بزجر الطير ومراقبتها فإن تيامنت دل ذلك على الفأل وإن تياسرت دل على شؤم.

ومن المعتقدات الأخرى التي يؤمن بها بعض سكان العوينات هي أن ظاهرة العطس عند إعداد الطعام أو سقوط بعض العجين أثناء عجنه من طرف ربة البيت يعني قدوم ضيف عزيز ، أما عن أعضاء جسم الإنسان فكل عضو منها إذا أصابته حكة فذلك يعني وقوع أمر ما وهي كالآتي :

أ ـ إذا حدثت حكة في اليد اليمنى فذلك يعني أن نقودا ستدخل جيب ذلك الشخص.

ب ـ أما حك اليد اليسرى يعني حدوث أمر يؤدي إلى إخراج النقود سواء أكان خيرا أم شرا.

ج ـ وبالنسبة للشفتين فحك الشفة العليا تعني تقبيل ضيف عزيز قادم إلى البيت وبالتحديد يكون رجلا.

 د ـ أما الشفة السفلى فحكها يعني تقبيل ضيف عزيز كذلك، إلا أنها تكون امرأة.

والأمر ذاته يقال على الحاجبين ،فإذا حدثت في الأيمن حركة مفاجأة وسريعة فذلك يعني سماع خبر سار، أما الأيسر فهو يعني سماع خبر سيء وذكر ذات الحديث بالنسبة للعينين.

 هـ ـ وحك الأنف وعض اللسان يعني أكل اللحم حسب اعتقاد البعض من الأشخاص.

وتخدم الأحذية والألبسة أيضا جانبا من المعتقدات ،فحين نزع الحذاء وتموضع أحد النعلين على الآخر فذلك يعني أن ذلك الشخص قد كتب له سفر عن قريب، أما قلب الثياب أثناء لبسها فيعني شراء لباس جديد،كما تشكل الألوان في الألبسة علامة تعارفت عليها الشعوب وارتبطت بحياتهم بشقيها الخير والشرير، فعلى سبيل المثال :لباس الأسود في الأعراس غير محبب لدى أهل العروس فقد تكون أيامها القادمة في بيت الزوج غير سارة ،وعلى العكس من ذلك فاللون الأبيض يلعب دورا مهما في حياة سكان المنطقة فهو يعتبر دليلا على الخير والسلام.

وهذه العلامات والرموز على حسب قول الأستاذ سعيد بنكراد: «ذات طبيعة عرفية، فالأمم والشعوب تخلق انطلاقا من تجربتها سلسلة من الرموز تستعيد عبرها قيم تاريخها فتسقط من خلالها المستقبل وتفهم من خلالها الحاضر »[11].

ومن الممارسات الأخرى في المنطقة نذكر التفاؤل والتشاؤم فحين سماع صوت البوم أو عند مقابلة رجل أعور أو أعرج فذلك يعني نذير شؤم على ذلك الشخص،كما أن انكسار المرآة في المنزل دليل على حدوث أمر سيء في البيت.

- وفي مقابلة أجريت مع سيدة من منطقة العوينات والتي أفادتنا بنزر من المعلومات المتعلقة بالممارسات العقائدية وبينت لنا أن الجن يرتبط وجوده بالأماكن المهجورة أو التي بها نجاسة ،كما أن البعض من الناس يخاف من ملامسة مياه الغسيل وقشور البيض ودم الأضحية لأن ذلك يجلب الأمراض والآفات والنحس.

                

[1] - علي بن هادية و آخرون : القاموس الجديد للطلاب ،المؤسسة الوطنية للكتاب، ط7 ، الجزائر ، 1991، ص 70

[2] - ابن منظور: لسان العرب، مجلد 13 ، ص 23.

[3] - عبد الحميد بورايو: القصص الشعبي في منطقة بسكرة، (دراسة ميدانية)،المؤسسة الوطنية للكتاب،ص22.

[4] - عبد الوهاب شلالي: >دور الطرق الصوفية في جهاد أهل تبسة خلال القرن 19<،مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية تصدر عن المركز الجامعي الشيخ العربي التبسي ،أفريل 2006، ص113.

[5] - عبد الحميد بورايو: الأدب الشعبي الجزائري ،دراسة لأشكال الأداء في الفنون التعبيرية الشعبية، دار القصبة، 2007، ص127.

[6] - أحمد العيساوي : مدينة تبسة وأعلامها ، مرجع سبق ذكره، ص82-83.

[7] - نبيلة إبراهيم: الدراسات الشعبية بين النظرية والتطبيق ، المكتبة الأكاديمية، 1994 ، ص 86.

[8] - المرجع نفسه، ص 90.

[9] - حسين الحاج حسين: الأسطورة عند العرب في الجاهلية، المؤسسة الجامعية للدراسات، لبنان، 1998، ص 84.

[10] - الأب جرجس داود داود:أديان العرب قبل الإسلام ووجهها الحضاري والاجتماعي، ط3، المؤسسة الجامعية للدراسات، لبتان، 2005، ص 325.

[11] - سعيد بنكراد: السيميائيات والتأويل، مدخل لسيميائيات شارل ساندرس بورس، المركز الثقافي العربي ، المغرب،ص 21.