يحتاج الثوار السوريون إلى تأكيد عقيدتهم القتالية

على الطريقة الروسية

يحتاج الثوار السوريون إلى تأكيد عقيدتهم القتالية

ويحتاج الشعب السوري إلى حسم ( من هو العدو )

زهير سالم*

[email protected]

لا يشكل ما أقدمت عليه الدولة الروسية من إعادة تحديد العقيدة القتالية لجيشها ضرورة استراتيجية فقط ، بل هو في الوقت نفسه رسالة سياسية إلى الداخل والخارج سيتم على أساسها رسم الكثير من السياسات واتخاذ العديد من الخطوات .

يعتبر تحديد بوصلة عامة للصداقة أو العداوة في جدلية عالمية تسعى إلى البحث عن غاية وهدف ومغزى بعض محددات الحراك العالمي والدولي . تلك الحقيقة التي سبق للقرآن الكريم أن أشار إليها بقوله تعالى (( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ))

وكانت الولايات المتحدة ، ومنذ بدا واضحا انكشاف الموقف السوفييتي عن الانهيار الكبير ، قد سبقت إلى اقتراح إعلان الإسلام والمسلمين عدوا . قبل أكثر من عقد من أحداث 11 / 9 / 2001 ، الجريمة والذريعة . وكان ذلك بعض ما دعا إليه الرئيس الأمريكي الأسبق ( ريتشارد نيكسون ) في كتابه ( نصر بلا حرب ) حيث دعا إلى التفاهم والتصالح مع الصين ( العملاق رغم أنفه ) ومع اليابان ( العملاق الذي يستقيظ ) ورشح الرئيس نيكسون الإسلام والمسلمين ليكونوا ( العدو ) تحت عنوان ما سماه ( الخطر الأخضر ) .

وكان الإسلام في مرحلة من مراحل صراعه مع أعداء الدعوة الربانية قد سبق إلى إعلان ( المنافقين ) عدوا أول للدولة الناشئة ؛ فقال تعالى في سورة " المنافقون " (( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ))

اليوم ومع تعقد المشهد السوري بتسلل الكثير من القوى والأيدي إلى الساحة السورية ، ومع دخول قوى دولية وإقليمية على معادلة الواقع السوري أصبح من الضروري بل من الأشد ضرورة أن تبادر القوى المفكرة في المعارضة السورية الراشدة إلى إعادة التأكيد على العقيدة القتالية للثوار السوريين من جهة ، وإلى تحديد بوصلة النبذ والرفض والعداء على المستوى الشعبي العام .

إن الواقع السوري اليوم أشد حاجة إلى عملية فرز القوى على أساس واحد هو مستقبل المجتمع والدولة في سورية ومصلحة الثورة ومشروعها الوطني المتجسد في بناء دولة للعدل والحرية والكرامة الإنسانية على أساس من المواطنة المتساوية ...

وإن أهم ما يجب أن نؤكد عليه في هذا المقام أن المبشرين بالمشروع الوطني السوري بمحدداته وآفاقه من قوى المعارضة الراشدة يرفضون قطعيا أي فرز للقوى المجتمعية السورية على أسس إيديولوجية دينية أو مذهبية طائفية أو عرقية أو على أي خلفية تتعلق بما يسمى في هذا العصر حرية الرأي والضمير . بل يدعو هؤلاء إلى ما يؤمنون به من ( المجتمع المدني الموحد ) الذي يجعل صون حرية السوريين وكرامتهم والدفاع عن حقوقهم كافة أساسا لتحديد المواقف وفرز القوى ..

وإن الشعب السوري ومن واقع المعاناة التي عاشها خلال نصف قرن ، حيث عاشت سورية عقودا طوالا بلا عدل ولا حرية ولا كرامة ، وحيث امتهُن الإنسان السوري بطريقة لم يُمتهنها إنسان في العالم ، ولا في المنطقة تحت حكم أي مستعمر أو عدو يعلن اليوم بكل وضوح وحسم وبلا تردد ولا تلعثم :

إن العدو الأول للثورة السورية وللشعب السوري وللمجتمع السوري هو بشار الأسد وطغمته العسكرية والأمنية التي دعمته وأيدته خلال نصف قرن من الظلم والانتهاك ثم خلال أربع سنوات من القتل والتدمير بكل وسائل القتل والتدمير .

ومن هذه العداوة التي يجب أن تكون واحدة وموحِّدة يفرز الثوار السوريون مواقفهم ويحددون بوصلتهم فيعادون بعداوتهم لهذا المستبد الفاسد ولطغمته كل من يؤيده ويدعمه بشكل مباشر أو غير مباشر ، عداوة تمتد إلى كل الشركاء والداعمين والمؤيدين والمدافعين عن هذه الطغمة على الصعد الرسمية والشعبية في المنطقة والعالم أجمع .

لا شك أن قواعد الاشتباك المختلطة اليوم على الأرض السورية تفرز العديد بل الكثير من التقطعات أو المفارقات أو الخصومات أو العداوات ولكن شيئا من ذلك كله لا يجوز أن يتقدم عند سوري حر نزيه على عداوة طغمة الاستبداد والفساد والقتل والانتهاك والتدمير .

ونحن نؤمن أن انتصار الشعب السوري على عدوه الأول – بشار الأسد وطغمته الأمنية والعسكرية – سيستتبع بالتالي الانتصار المباشر على كل القوى المعادية للمشروع الوطني السوري في الداخل ، وعلى كل المشروعات الإقليمية التي تستهدف حضارة أمتنا وثقافتها أو تحتل أرضها كائنة ما كانت هذه القوى .

وعلى التوازي فستظل الثقافة العنصرية الشوفينية المحرضة على الكراهية والنبذ والإقصاء واستعلاء بعض السوريين ضد بعض هي ومن تلبس بها موضع رفض ونبذ من قوى المجتمع السوري حتى يفيء الجميع إلى الكلمة السواء في مجتمع السواسية و( أسنان المشط ) و أن يقر كل فرد سوري وكل مجموعة أو تجمع سوري ( لهم ما لنا وعليهم ما علينا ) كلمة أقام عليها أبو عبيدة بن الجراح مجتمعنا الأول يوم الفتح العظيم . وعليها نواصل اليوم وعليها نفاصل ...

إن أعداء الشعب السوري والمجتمع السوري في الداخل والخارج هم أولئك الذين يريدون أن ينهجوافي أبناء هذه الأرض نهج فرعون. (( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ )).

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية