بعد القضاء على نصف الجيش النظامي، من يقاتل في سورية؟

بعد القضاء على نصف الجيش النظامي،

من يقاتل في سورية؟

م. عبد الله زيزان

[email protected]

تلاشي نصف الجيش النظامي

أكدت صحيفة "واشنطن بوست" في 28 من ديسمبر الحالي نقلا عن معهد متخصص في دراسة الحروب أن أعداد قوات نظام الأسد تراجعت إلى أكثر من النصف منذ بدء الثورة في سوريا، وبيّن المعهد أن "أعداد مقاتلي الأسد تراجعت من حوالي 325 ألفاً إلى 150 ألف مقاتل فقط.

فإذا كان أكثر من نصف الجيش النظامي قد تلاشي إما قتلاً أو جرحاً بصورة مستديمة أو انشقاقاً أو هروباً فماذا تبقى من هذا الجيش وكيف له أن يصمد أمام شعب ثائر مسلح، ومن الذي يمنع انهيار النظام حتى اللحظة؟؟...

من المعلوم أنّ نسبة كبيرة من الجيش السوري يعملون ضمن وظائف غير قتالية أساساً، كإداريين، ومهندسين وكوادر طبية إلى غيرها من الوظائف غير القتالية، وهذا يعني بالضرورة أن قدرات النظام القتالية تتجه نحو الاضمحلال تماماً بمرور الأيام، وأن قدرته على مواجهة الثوار وحيداً تكاد تنعدم مع انخفاض أعداد مقاتليه بشكل دراماتيكي ملفت...

من يقاتل في سورية

تقرير الواشنطن بوست الأخير يقدم دليلاً واضحاً أنّ النظام السوري لا يعتمد على قواته، وهذا يؤكد أنه يرتكز أساساً في عملياته على المرتزقة من حزب الله، وعلى المرتزقة من الميليشيات العراقية وكذلك الإيرانية، بالإضافة إلى بعض الجنسيات الأخرى مثل الأفغان وغيرهم، ممن تمكن الثوار من أسرهم أو قتلهم في الآونة الأخيرة...

ربما ليس جديداً على أحد أن النظام يتلقى دعماً مباشراً من ملالي طهران، ليشمل الدعمُ الجوانب المادية والمعدات والذخائر العسكرية، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من المستشارين، وخبراء الحرب، الذين باتوا هم من يديرون المعارك بصورة مباشرة، لكن الجديد الذي يقدمه تقرير الصحيفة الأمريكية، أنّ النظام لم يعد يمتلك القدرة القتالية من الجنود والشبيحة، وأن المرتزقة الذين كانوا في بداية الأمر مجرد قوات دعم ومساندة للجنود النظاميين، باتوا هم القوات الأساسية وباتت قوات النظام مجرد أدوات تقودهم الميليشيات الطائفية القادمة من مختلف أقطار العالم..

الموقف الغربي من مرتزقة النظام

كما ذكرنا فإن قتال المليشيات الطائفية إلى جانب النظام لم يكن جديداً على السوريين، الذين أجهدوا أنفسهم بداية الثورة للإثبات هذه المعلومة للمجتمع الدولي، فلم يوفروا صورة ولا مقطعاً مصوراً إلا وحاولوا إيصاله إلى وسائل الإعلام، التي لم تُعِرْ الموضوع اهتماماً بادي الأمر، بل وتجاهلته عمداً في أحيانٍ أخرى، ليأتي هذا التقرير الصادر من صحيفة غربية نافذة ليؤكد للجميع أن الغرب ليس غافلاً عن هذه المعلومة بل متغافل عنها، وربما داعم بشكل خفي، لضمان عدم سقوط النظام في هذه المرحلة..

إنّ أغلب الميليشيات الطائفية القادمة لسورية تمر من خلال العراق، الذي يتزعمه حكامٌ طائفيون مرتبطون بشكل مباشر بالولايات المتحدة الأمريكية، ما يعني أنّه لم يكن بإمكان الحكومة العراقية أن تقدم على هذه الخطوة لولا الضوء الأخضر الأمريكي، التي تدعي صداقة الشعب السوري في العلن، وتدعم أعداءه في الخفاء...

في كل يوم يمر على الثورة السورية، تتكشف المزيد من عورات الغرب، حتى لا يبقى لهم ورقة توت يختبئون وراءها، فقد تحرك دعاة الحريات وحقوق الإنسان بطائراتهم وأساطيلهم لقتال داعش، بحجة الإرهاب، وانتهاك حقوق الإنسان، مستندين إلى عدة صور بثها التنظيم وهو يقطع رؤوس بعض الصحفيين الأجانب، ولم تتحرك مشاعرهم لصور عشرات آلاف الجثث التي يظهر عليها آثار التعذيب بصورة تفوق بشاعة لتلك الجرائم التي يرتكبها تنظيم البغدادي...

الإرهاب المباح والإرهاب محظور

وهذا يضع علامة استفهام كبيرة، هل إرهاب الميليشيات الطائفية الشيعية في سورية وفي العراق، وأخيراً في اليمن، هو إرهاب مبرر، لا يستدعي حتى إدانة من الغرب، أما إرهاب تنظيم ينسب نفسه لأهل السنة، ويكاد يجزم المراقبون أنه صنيعة النظام السوري والعراقي مع مجموعة أخرى من المخابرات العالمية، هو إرهاب يستحق حشد كل هذه الطاقات لمحاربته؟

لقد ثبت للسوريين أنّ الغرب ضالع بصورة مباشرة في مأساتهم، وأن الروس لم يكونوا إلا دمية أو "دُباً" -كما يحلو للإعلام تسميتهم-، يؤدون دوراً مرسوماً لهم لتبرير مواقفهم المعيبة تجاه شعوبهم وشعوب المنطقة بأسرها...

سورية اليوم وبعد فناء الجيش السوري تقريباً وبفعل التدخل الأجنبي فيها، باتت ساحة لتصفية الحسابات بين مختلف القوى، ويبدو أنّ المخطط الآن هو لاختزال القضية السورية بين مكونين فقط، الأول إيران، التي تتبجح بتمدد "ثورتها" إلى عدة عواصم عربية على رأسها دمشق، والثاني، تنظيم البغدادي الذي يحاول التمدد لتشكيل دولته المزعومة، لتكون خاصرة رخوة في المنطقة العربية، يستخدمها الغرب متى شاء ويركلها متى شاء...

ليبقى الأمل معقوداً على الكتائب السورية الوطنية التي لم تبع ولاءها بعد لأي جهة، والتي حاولت قدر المستطاع الحفاظ على الخط الوطني للصراع في سورية، والتي تشكل الآن العقبة الوحيدة أمام المخططات الغربية والشرقية لإفناء الدولة السورية، وتحويلها إلى بؤرة مظلمة في تلك البقعة المهمة على خريطة الوطن العربي...