كيف نتصرف مع المخبرين (العواينية)؟

مجاهد مأمون ديرانية

رسائل الثورة السورية المباركة (50)

الثورة السورية: المرحلة الثانية (16)

مجاهد مأمون ديرانية

في مقالة سابقة رتّبتُ أعداء الثورة اعتماداً على حجم الضرر الذي يصيب الثورة بسببهم، فوجدت أن عناصر الجيش هم الأقل إيذاء لأنهم غالباً يوفرون الحماية والغطاء لعصابات الأمن المجرمة لكنهم لا يمارسون الإجرام بأنفسهم، وهؤلاء أكثرهم مجنَّدون مُجبَرون على الخدمة العسكرية لم يلتحقوا بها مختارين. أسوأ منهم بعشرين مرة عناصر الأمن والمخابرات الذين يمارسون التعذيب والقتل، ومثلهم عناصر القوات العسكرية التي شكّلها النظام لحمايته وليس لحماية الوطن (الفرقة الرابعة وفرقة الحرس الجمهوري وأفواج القوات الخاصة). الشبيحة أسوأ بخمسين مرة، وهؤلاء ليسوا -في أبسط التعريفات- سوى عصابات من القَتَلة والمجرمين يستخدمهم النظام لترويع المدنيين وقمعهم. أخيراً وأسوأ بمئة مرة وعلى رأس الهرم يتربع أسوأ أعداء الثورة، بل وأسوأ أنواع المخلوقات قاطبة... الخَوَنة من الجواسيس والمخبرين.

هؤلاء لا تنبغي لهم الرحمة لأنهم باعوا قومهم وأهليهم بالثمن البخس، ولأنهم تسببوا في اعتقال وتعذيب وموت الآلاف من الأبرياء الشرفاء الكرماء في سوريا، ولأنهم لا شرف لهم ولا مروءة ولا دين ولا أخلاق... إن الذين لا يَرحمون لا يُرحمون. ماذا تقترحون أن نصنع بهم؟ سأقول لكم:

أولاً ضعوا في أذهانكم أننا لا ننتقم منهم مهما فعلنا بهم، ولو كان الانتقام هو هدفنا فإن له طريقاً قانونياً لا بد أن يسلكه، لم يأتِ بعدُ وقتُه لأنه سيكون تحت راية الدولة الحرّة القادمة بإذن الله. ببساطة نحن الآن مهتمون فقط بثورتنا وسلامتها واستمرارها حتى تحقق هدفها، إسقاط النظام، وإذا بقي هؤلاء الخونة في طريقنا فقد لا تستمر ثورتنا لأنهم سببٌ مباشر وأكيد في أشد إصاباتها ضرراً. إنهم يعيشون بيننا ويطّلعون على خفايا حركتنا ويكشفون المشاركين في الثورة منّا، بل يعرفون الناشط الذي ينظّم النشاطات والذي يحمل اللافتات والذي يردد الهتافات والذي يصور المظاهرات، ثم يبلّغون عن هؤلاء جميعاً ويَدلّون مجرمي الأمن والمخابرات على بيوتهم وأماكن عملهم. وربما اختفى الناشط فاختبأ في بيتٍ غير بيته فيكشفونه ويَشُون به ويكونون سبباً في اعتقاله، وربما فشل مجرمو الأمن في اعتقاله فتكون دلالة المخبرين على بيته سبباً في اعتقال غيره من أهله، وربما يكون فيهم أخته الحرّة أو أبوه العاجز أو أخوه الصغير... إن آلافاً من حوادث اعتقال الرهائن هم سببُها، وآلافاً من حالات اعتقال الناشطين هم سببها، وما لا يُحصَى من أرواحٍ أزهقها مجرمو الأمن معلَّقةٌ في رقابهم... فوالله لو قَصَصْنا رقابَهم وقصفنا أعمارهم ما خالفنا فيهم شريعة الله ولا قانون البشر ولا صوت الضمير.

على أننا لسنا قَصّاصي رِقاب ولا قَصّافي أعمار؛ إن ثورتنا ثورة سلمية لا تستحلّ الدماء وأرجو أن لا تلوّث نفسها بها، ولكنهم إنْ ألجؤونا إلى العنف فإن حكمنا معهم هو حكم المُضطر الذي تُباح له المِيتة. على أننا سنتدرّج معهم في الخطوات، وأقترح أن تكون كما يلي:

(1) الخطوة الأولى التي يُبنى عليها كل ما بعدها هي الجزم والتأكيد والثقة والتوثيق. إن المعالجة الحاسمة لخيانة المخبر أشد وأعظم من أن تُحمَل على الظن، وحتى لو بلغ الظن تسعة وتسعين بالمئة فإنه يبقى ظناً، لا يكون الأمرُ يقيناً إلا إذا انتفى الظن بالكلّية. ثم إن الأمر أكبر من أن يوكَل إلى فرد من الأفراد مهما بلغ في الفطنة والمهارة، لذلك أشترط أن تجتمع على الرأي والفعل جماعةٌ من عقلاء الثوار في المنطقة أو الحي الذي يقيم فيه المخبر الخائن، وأن يُجمعوا كلهم على خيانته، وأن يوثّقوا الخيانة بالأدلة (حوادث موصوفة بالزمان والمكان، كأن يكون قد رافق مثلاً عناصر الأمن في اقتحام بعض المنازل واعتقال بعض المطلوبين). إياكم أن تعلنوا اسم خائن عميل إلا بعد التوثق من عمالته وخيانته مئة بالمئة، فإن التشهير بالأبرياء جريمة لا تُغتفَر، ولو أنكم أخطأتم خطأ من هذا النوع -لا سمح الله- فلن تستطيعوا إقناع كل الناس ببراءته بعد اكتشافكم أنه بريء. إذن لا تتعجلوا ولا تتحركوا إلا بعد التأكد الجازم، هذه الأولى.

(2) بعد كشف خيانة المخبر قد يعمد بعض الثوار إلى التشهير به، ورأيي أن تكون تلك مرحلةً لاحقة، ولنبدأ بالتحذير قبل التشهير. إن التحذير مفيد من ناحيتين: ردع المخبر وتخويفه ومنحه فرصة للتوبة والتراجع، وزيادة توثيق جريمته أو نفيها من خلال منحه الحق المشروع في الدفاع عن النفس. أقترح أن يتلقى المخبر الخائن تهديداً وإنذاراً قاطعاً محدداً يطالبه بالتوبة والإقلاع من عمالته خلال ثلاثة أيام مثلاً، وليكن التهديد مكتوباً لا شفهياً (مطبوعاً بالكمبيوتر لإخفاء خط اليد) مع الحذر من انكشاف هوية من يوصل إليه التهديد (يمكن أن يمرَّر من تحت باب بيته أو دكانه مثلاً)، وأفضّل أن يُطلَب منه أن يعلن براءته في الجامع على رؤوس الأشهاد لو كان بريئاً فعلاً، فهو متّهَم والمتهم من حقه أن يدافع عن نفسه في المحكمة؛ ليكن الجامع هو قاعة المحكمة العلنية والمصلون هم الشهود.

(3) إذا لم يستجب المخبر الخائن للإنذار وانقضت أيام المهلة المحددة فينبغي أن تُشْهَر خيانته، إما بإشاعة أمره بين أهل الحي بالأخبار الشفهية، أو بكتابة تفاصيل خيانته في منشور يُطبَع ويُلصَق على الحيطان، أو برشّ اسمه وكشف خيانته برشّاشات الدهان على جدران الحارة التي يسكنها والحارات القريبة، والأفضل أن يكون بالطرق الثلاثة معاً. هذا النشر والإشهار مهم جداً لأنه يحذّر أهل الحي فيحتاطون منه ويُخفون عنه أخبارهم، والفائدة الأخرى هي الإنذار والإعذار، فلو افترضنا أنه لم يتسلم الإنذار الأول لسبب ما أو أنه أنكر استلامه فإنه لا يستطيع إنكار الإنذار العلني، وهي فرصة أخيرة له للتوبة والإقلاع عن الخيانة.

(4) بعد معرفة الجاسوس الخائن وفضحه يجب الاتفاق على موقف يشترك فيه أهل الحي، وأقل درجاته المقاطعةُ الشخصية فلا مجاملات ولا زيارات، والمقاطعةُ الاقتصادية فلا يُشترى من متجره (لو كان صاحب متجر) ولا يبيعه أصحاب المتاجر الآخرون. مع التنبيه على أن لا تشمل العقوباتُ أسرةَ المخبر لأن البريء لا يؤخَذ بجريرة المذنب، لكنْ يتوجّب الاحتياط وإخفاء الأخبار عن زوجات المخبرين وأبنائهم وبناتهم حتى لا تنتقل إليهم، وأقصد بالأخبار كل ما يمكن أن يسبب الضرر للثوار، كأسماء المتظاهرين وخطط التجمع وتحريك المظاهرات وغيرها من النشاطات الثورية.

(5) الإجراءات السابقة ينبغي أن تنفي الشكّ وتُثبت التهمة على الخائن، ما دام هو نفسه لم ينكر جريمته ولم يعلن توبته منها. بعد انقضاء المهلة وعندما يثبت ثبوتاً قطعياً أنه لم يتب فعلى شبان الثورة وحرّاسها أن يبدؤوا بالتحرك الفوري لدرء خطره، فقد آن الأوان لتوجيه الرسالة العملية الأولى إليه. ليجتمع عليه بعض "زكرتية" الثورة في كمين ويوسعوه ضرباً، ولا بأس في أن يكسروا بعض عظامه وأضلاعه، بل إن هذا مستحسَن، على أن يُحْسنوا التخفي: فلا يرتدوا شيئاً من ملابسهم المعروفة، ولا حتى الحذاء إذا كان متميزاً ويسهل التعرف عليه، ويلفّوا وجوههم جيداً حتى لا ينكشف أي وجه لو حصل بينهم وبينه اشتباك، وأن لا يكلّموه ولا يتبادلوا الكلام بينهم حتى لا يتعرّف إلى أصواتهم. مع ملاحظة أن الأمن لن يهتم كثيراً بمصير المخبرين ولن يُتعب نفسه بملاحقة المعتدين عليهم، فقد رُويت حوادث كثيرة تدل على أن قيمة العواينية عند الأجهزة الأمنية لا تزيد كثيراً على قيمة الكلاب الضالّة!

(6) إذا أصرّ المخبر على الخيانة واستمر في الوشاية بالثوار فعلينا أن نصرّ نحن أيضاً على ردعه. غالباً يكون المال هو الدافع الذي يدفع المخبر إلى الخيانة، هؤلاء الناس يقدّمون عبادة الدراهم على عبادة الله ويبيعون أرواحهم للشيطان في سبيل حفنة قليلة منها، فلنضربهم في أعز ما يملكون، لنستهدف أملاكهم التي يبيعوننا من أجلها: سياراتهم إن كانت لهم سيارات ومتاجرهم إن كانت لهم متاجر، أو أية أملاك أخرى قابلة للاستهداف؛ لا بأس أن تهاجمهما ثلة من أبطال الثورة متخفّيةً بتغطية الرؤوس والوجوه ومُستتِرة بظلام الليل فتدمرها كلياً أو جزئياً. ليس هذا انتقاماً وإنما هو ردع ومبالغة في التحذير.

(7) لا أستطيع أن أفكر في إجراءات رادعة أكثر مما ذكرته في النقاط السابقة، هل يستطيع أحدٌ منكم؟ لم يبقَ إلا القتل. هؤلاء الخونة يستحقونه بالتأكيد، ولكنه أمر جلل ولا ينبغي أن يكون إلا من خلال القانون والقضاء، وسوف يأتي يوم قريب بإذن الله يدفع فيه كل مجرم ثمن جريمته، أما أنتم -يا شرفاء الثورة- فلا تلوثوا أياديكم بدم ولا تفسدوا سلمية ثورتكم بدافع الانتقام. ولكني أقول: إن عاد فعودوا؛ إذا أصرّ المخبر على الخيانة بعد الإجراءات السابقة كلها فلا ضير في إعادة تأديبه وضربه وتكسيره هو وممتلكاته من جديد.

(8) أكرر بإيجاز الشروط الثلاثة لتطبيق العقوبات الصارمة على المخبرين: (أ) المرور عبر الخطوات الثلاث الأولى للتأكد من الذنب قبل تنفيذ العقوبة. (ب) لا يتخذ قرارَ معاقبة الخائن فردٌ من الثوار، بل تشترك فيه جماعة منهم، فكأنها "هيئة محلّفين" قانونية، وأقل الجماعة ثلاثة. (ج) العقوبة تقتصر على الخائن وحده. إياكم ثم إياكم أن تؤذوا أحداً من أهله، لا زوجةً ولا أحداً من الولد، فنحن لسنا عصابة من المجرمين ولا نصنع ما يصنعه سفّاحو النظام الذين يرتهنون الرهائن ويعذبون الأبرياء.

(9) أخيراً: لا بد من توثيق الخيانات بالأدلة والشهود لأننا لا نريد أن يُفلت مجرم خائن من العقاب، والطريق القانوني الذي سنسلكه لمحاسبة كل الخونة والمجرمين في سوريا الحرة -في المستقبل القريب بإذن الله- يحتاج إلى أدلة وإلى شهود، وهذا أمر يحتمل الطبخ على نار هادئة لكن لا بد من الاهتمام به، والأَولى أن يتفرغ بعض الشباب لمتابعته وأن ينشئوا له صفحات ومواقع توثق الخيانات على مستوى الأحياء والمدن وعلى مستوى سوريا كلها، وقد رأيت مَن صنع شيئاً من ذلك وقطع فيه شوطاً مشكوراً بحمد الله.