ربيع الثورات العربية بين المتفائل والمشكك فيها

ربيع الثورات العربية

بين المتفائل والمشكك فيها

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

قد ينظر البعض لهذه الثورات من أنها هبة لحظية ستنطفيء نيرانها في الأيام القادمة , ويشكك في مصداقيتها , وقد يرى البعض أنها بدعة صهيونية غربية امبريالية , وقد نرى آخرين يقول هي مشروع تفتيت المجزأ بالأصل لجزيئات أكثر وأصغر , ومنهم من هو المتفائل فيها ,

لعلي أتطرق لهذه الثورات من جوانب أخرى , ولا أعلم من يلتق معي او يخالفني فيه , بعد جلاء الاستعمار عن أراضي الدول العربية ظهرت ثورات في الدول العربية وشكلت في مجموعها ماسمي بالأنظمة الثورية , والكتلة الأخرى بالأنظمة الرجعية .

نلا حظ أول اختلاف للثورات العربية فيما سمي بالربيع العربي , وما بين الثورات القديمة والتي سيطرت وسمت نفسها بالأنظمة الثورية , هو أن التكتل الأول لم يخرج عن نطاق المفهوم الثقافي في القائدالخالد والزعيم الأوحد , مع أن تاريخ المنطقة وبناء الدولة العربية الاسلامية كان مصير كل قائد عادل حر أبي مصيره القتل , بدءأ من الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز لنهاية السلسلة الطويلة من شرفاء وعظماء قادات الأمة , وكانت نهايتهم متشابهة النهاية , بينما نجد الزعماء والذين لم يراعوا حرمة ولا خلقاً ولم يكن في عهدهم إلا الظلم فكانت نهايتهم في الغالب طبيعية .

في الأسبوع الماضي كان شعار ثوار اليمن هو جمعة الرئيس  السابق والذي اغتيل عام 1977 ولأنه حكم بالعدل وأراد الحياة الحرة لبلده فتم قتله بظروف غامضة , كما قتل قبلها عبد السلام عارف في العراق لنفس السبب ,

وعندما نتتبع تاريخ تعاقب الحكام , نرى أن وجود الصالح فيها يكون طفرة مؤقتة لاتورث بعدها , بينما السوء يورث جيلاً بعد جيل , وكل رجل سوء يخرج بشعارات براقة , لاتتعدى الشعارات ليصبح وراء هذه الشعارات مجرد قاتل سارق فاجر معاد لشعبه ووطنه ومفرق لكيانات الأمة في الداخل والخارج , ومثاله حزب البعث وقواده في سورية والعراق .

فبعد الثورة الثقافية الحديثة , والشبكات الاعلامية والثقافية المشتركة بين العالم أجمع والتي أصبحت في متناول الجميع , وعرف الشعب العربي حقوقه , وعرف مسار الانحراف الفظيع في قياداته , والظلم الذي يمارس عليه من وراء شعارات فارغة , كان هنا مايسمى بجيل الشباب ,هذا الجيل الذي وجد نفسه في قرية صغيرة اسمها العالم أجمع .

كنا شبابا قبل ذلك نتهافت على كل أجنبي يصل إلينا , لانجد عندنا البديل , لانجد عندنا التنافس , لانجد في مجتمعنا مبادرات واختراعات ومشاريع سياسية وعلمية وتكنولوجية , القناعة كنز لايفنى , ومبهورين بالعالم المتمدن , ونلهث وراء كل تافه يأتينا منهم , حكامنا آلهة ومن الكفر أن تعلو فوق مايقررون لك , وكل خروج عن ذلك ولو بالمعنى البعيد في القصد والتفسير من خروج الشخص عن المقرر , فيكون جزاؤه النهاية الحتمية في المشانق او تقطيع الجسد أو في الغرف المظلمة حتى الموت , أو الهروب .

فانطلقت الثورات العربية بشعارات جديدة هي ليست موجودة في ثقافتنا , هي أولاً التخلص من حكم الفرد الطاغي مهما اختلفت درجة الطغاة , وبسقوط الطاغي الفردي أو الأسري أو الطائفي سيكون هناك الحرية , وعندما تكتسب الحرية لن يكون هناك طغاة , عندما يكون المجتمع حراً , يستطيع أن يقرر من سيكون ممثلاً له في السلطة , وإن وجد هذه السلطة قد مالت عن أهدافها المرسومة من قبل المجتمع , يستطيع استبدالها ومحاسبة من خان الأمانة والتي كلفه المجتمع بحفظها .

لم نجد في اللافتات التي حملها الثوار عبارات , تقول لتسقط أمريكا ولتسقط الامبريالية العالمية , وتسقط حتى اسرائيل كما عبر عن ذلك رئيس فرنسا .

هذا لايعني أن الثورة مؤدلجة من قبل أمريكا والغرب واسرائيل , وإنما يعني هذا أن يتم بناء الانسان أولاً , ومن خلال بناء الانسان والاستفادة من موارده وابداعاته الفكرية والمادية وبناء المجتمع , على أساس العدل والحرية , وتجميع الطاقات الكامنة والظاهرة واستخدامها في الحياة , في بناء الوطن والذي يصبح عنده الملك العام والحفاظ عليه أهم من ملكه الخاص , عندها يستطيع أن يقف بقوة ضد أعدائه , لاأن تقول لشخص في المجتمع ,كان قد فقد كل معنى للحياة من ظلم وقهر واقصاء وفقر تعالى دافع عن وطنك , والذي لم يبق لك شيئاً تشعر فيه أنك تنتمي لهذا الوطن , فبثلاث دبابات سقطت بغداد وهي تحوي فوق المليون مقاتل , تركوا أسلحتهم للمحتل .

إن سبب شقاؤنا هو الحكم الفردي المطلق , وسبب تشتتنا هو طبيعة الحكم والذي ثقافتنا لاتريد ولا تقبل غيره , ومهما كان الحاكم صالحاً فلن يبق على صلاحه إلا فترة قليلة ويغويه الملك ويصبح شريراً رقم واحد ,أو يجر المجتمع لصراعات قبلية وطائفية وحزبية وإثنية , كما حصل في تاريخ حضاراتنا كلها .

فالطريق أمام هذه الثورات شاق وطويل وليس من السهل تغيير ثقافة الجيل القديم ومعه المؤيدون الكثر من الشباب في عبور هذه الثافة من التسلط الفردي وتكفير الخارجين عن الحاكم , والروتين الذي أصاب المجتمع في عدم تقبل أي جديد , والخلود إلى الكسل وعدم المبادرة والخوف من حركة الركود والحسابات التي يثيرها الكسل في نفس الشخص , فلقد ورث الناس هذه العادات وأصبحت أعرافاً وقوانين في الذات لايستطيع الافلات منها بسهولة , لذلك سوف يكون أمام هذه الثورات عثرات كبيرة ,ومعوقات متعددة , ولكن لن يكون لها تأثير على المستقبل , فالأهداف ستتحقق حتماً , فالذي أثار الثورة هم طبقة الشباب وهم آباء المستقبل , وهي ثقافة التحرر ستورث لأبنائهم , وبالتالي سيكون هناك مثبطات من أهمها المؤيدين للوضع السابق في أن هذه الثورات فاشلة , ليثيروا تثبيطاً في الهمم وإخماداً للثورة , وهنا لابد من أن يضع الثوار في حساباتهم المقولة الطبية العامة (ليس معنى ذلك أنك  قد شفيت من المرض أنك اصبحت معافى تماماً , وإنما يحتاج جسمك لفترة نقاهة حتى يستعيد توازنه ويعود لحالته الطبيعية )