إلى الذين باركوا لمبارك

كاظم فنجان الحمامي

كاظم فنجان الحمامي

[email protected]

بصرف النظر عما قاله لكم رجال البحر الذين أفنوا زهرة شبابهم تحت سواري السفن العملاقة, وفوق صهاريج الناقلات العابرة للمحيطات, وتخصصوا بقيادتها وارشادها إلى الموانئ العراقية عبر مسالك خور عبد الله, ومنعطفات شط العرب, وعلى الرغم من خبراتهم الميدانية, ومهاراتهم الملاحية, الممتدة لأكثر من ربع قرن أمضوها في مواجهة الرياح العاتية, والظروف القاسية, والأمواج المتلاطمة في عرض البحار المظلمة, فأنكم تعمدتم تهميشهم, ولم تسمعوا نداءاتهم, ولم تأخذوها على محمل الجد, عندما حذروكم مرارا وتكرارا من الآثار السلبية لميناء مبارك في هذه المنطقة الضيقة الواقعة في خاصرة أم قصر, وعلى النقيض تماما, سارعتم للوقوف مع الكويت, وأعلنتم تأييدكم المطلق لمشاريعها البحرية الاستفزازية, التي ستقيمها فوق الممر الملاحي الوحيد, الذي تتنفس منه موانئنا المتقوقعة في الزاوية الشمالية الغربية من الأخوار الصغيرة الضحلة المختنقة المنكمشة, وكنتم أول من أرسل أحر التبريكات وأعمقها للقائمين على ميناء مبارك.

فرجال البحر, وعلى الرغم من مواصلتهم العمل البحري شمال الخليج العربي منذ عام 1975 وحتى يومنا هذا, ينامون في البحر, يسهرون على شواطئه, يستلقون على ضفافه, يقيمون هناك ليل نهار, حتى صار البحر بيتهم ومدرستهم وملعبهم, وسلتهم الغذائية التي لا تنضب, وملاذهم الآمن, ونافذتهم الوحيدة التي يطلون منها على بحار الله الواسعة, لكنكم تجاهلتم خبراتهم, وتجاهلتم اعتراضهم على المشاريع المينائية, التي ستقيمها الكويت عند مقتربات موانئنا, وكنتم أول من بارك لمبارك, ولم تلتفتوا إلى مستقبل العراق, الذي كان سيداً للبحار والمحيطات, والذي علَّم الناس ركوب البحر, وعلمهم صناعة السفن, وعلمهم مبادئ الملاحة والفلاحة, فتنازلتم عن حقوقنا في الاعتراض والاحتجاج في المحاكم الدولية, ولم تبدوا اهتماما برفع الشكاوى ضد الجهات, التي صادقت على القرارات الجائرة, وصادرت حقوق العراق الشرعية في بسط نفوذه وسيادته على مياهه الإقليمية, وفي مقدمتها القرار (833), وكان صوتكم في إخماد صرخات رجال البحر أعلى من صوت الكويت في دفاعها المستميت عن مشاريعها التوسعية. .

تتصرفون دائما وكأنكم أقدم منهم في تشخيص المخاطر البحرية, أو كأنكم أكثر خبرة منهم في معرفة شعاب خور عبد الله, وأعماقه وخطوطه الملاحية, رغم أنكم لم تعملوا مثلهم في البحر, ولم تركبوا في حياتكم زوارق النزهة في الترع والجداول الصغيرة, وربما لا تجيدون السباحة بالمرة, ومع ذلك تجاهلتم احتجاجات تشكيلات وزارة النقل المعنية بالأمر, وتجاهلتم أصوات المنظمات الشعبية العراقية, وتمسكتم بتطبيق أحكام القرار (833), فوفرتم للكويت الغطاء الشرعي والقانوني, وسمحتم لها بالمضي قدما بتنفيذ مشاريعها, وفرض سيطرتها على ما تبقى من النقاط العميقة في خور عبد الله, وبالتالي حرماننا من الملاحة الحرة في مياهنا وممراتنا الملاحية. ألم تعلموا أن الكويت لم يكن لها أي موطأ قدم في هذه المنطقة قبل عام 2000, ولم تكن تتجاسر على مطاردة الصيادين العراقيين, ولم يسبق لها أن اعترضت مسارات السفن التجارية المتوجهة إلى أم قصر في العقد الماضي ؟.

أولم تعلموا بعد أن خور عبد الله كان ومازال منذ عام 1919 يخضع للصيانة الملاحية من قبل سلطة الموانئ العراقية, التي سخرت جهودها الهندسية والبحرية والمالية, ووظفتها في تهذيب أعماق القنوات البحرية, وصرفت عليها دم قلبها من أجل تغطية تكاليف تأثيثها بالفنارات والعوامات الملاحية, التي تستدل بها السفن القادمة إلينا ؟؟, ولم يكن للكويت أي دور يذكر هناك, وليس لديها أية منشآت مينائية أو عسكرية أو حتى سياحية, فجزيرة بوبيان تعد من اجدب الجزر الخليجية القاحلة, وأكثرها رخاوة, فهي عبارة عن تراكمات طينية قديمة, تجمعت في هذا البقعة من الأرض, وتكونت من الترسبات الطينية, التي حملتها التيارات المائية لمجرى الفرات القديم, تغطيها مياه المد بمعدل مرتين يوميا, ولا تصلح كواجهة مينائية من النواحي الفنية والهندسية والجيولوجية والملاحية, ومع ذلك كنتم أول من سارع إلى مباركة مبارك, وكأنكم لم تعلموا بعد أن سلطة الموانئ العراقية كانت ومازالت هي الجهة الوحيدة, التي تقوم بأعمال المسح الهيدروغرافي لخور عبد الله, وهي التي تشرف إشرافا مباشرا على إدامة إشاراته المرورية بالأنوار والعلامات الملاحية المعاصرة ؟؟, في حين لم يكن للكويت أي نشاط ملاحي هنا. ومع ذلك كنتم أول من سارع إلى مباركة مبارك, وأهملتم الدراسات التحليلية التي أكدت على مواقف رجال البحر بعدم التفريط بحقوقنا. .

لا تزعلوا منا إذا قلنا لكم أن الكويتيين أنفسهم ابدوا بعض الاعتراضات على مشروع (مبارك), ومن نافلة القول نذكر أن عضو مجلس الأمة المتشدد (الدكتور وليد الطبطبائي) كان أول من اعترض على إقامة ميناء (مبارك) في هذا المكان بالذات, ونشر اعتراضه في الصحف الكويتية, وأدلى بتصريحاته تحت قبة مجلس الأمة, وتناقلتها الفضائيات الكويتية كلها, بيد أنكم كنتم كويتيين أكثر من الكويتيين أنفسهم, ولم نسمع منكم أي اعتراض, فلهجة التأييد والمؤازرة والدعم كانت من ضمن مفردات لغة المجاملات في تبرير أهداف المشاريع الكويتية, وكأنكم خلقتم لتدافعوا عنها. .

ولا تزعلوا منا إذا قلنا لكم أن البروفسور الاندونيسي (مختار كوسومو ادماتجا) كان أرحم منكم في التعامل مع هذه المعضلة, وكان أكثر إنصافاً وعدلاً عندما اختار الوقوف مع العراق, ورفض التوقيع على الخرائط الحدودية البحرية, التي فرضتها القوى الغاشمة على اللجنة المكلفة بتمرير قرار (833), فسارع إلى تقديم استقالته على الفور, ولم يرضخ لإرادتها, ولم يذعن لمطالب الكويت ورغباتها, ولم ينصاع لتدخلات بطرس بطرس غالي, بل انه رفض الإغراءات المالية والمعنوية كلها, وعاد إلى اندونيسيا ثابت الجنان, مرفوع الرأس, محافظا على سمعته وتاريخه العلمي والدبلوماسي.

فهل أنتم أكثر فهما وإدراكا وتعمقا في علوم البحار والمحيطات من هذا الرجل الرائد في ترسيم الحدود الإرخبيلية بين البلدان المتشاطئة ؟؟.

صدقوني إذا قلت لكم أن الله جل شأنه اختار العراق مهبطا للأنبياء والرسل, وملاذا للائمة, وقبة للعلم, ومنارة للهدى, وقلعة للإيمان, ودارا للحكمة, ولن يرحم الله من لم يصن حقوق العراق ويدافع عنها.