لقاءات موسكو القادمة فخ آخر منصوب لقوى الثورة والمعارضة السورية؟

لقاءات موسكو القادمة

فخ آخر منصوب لقوى الثورة والمعارضة السورية؟

د. خالد الناصر

تعاظمت في الفترة الأخيرة التحركات الروسية على صعيد القضية السورية تحت عنوان البحث عن حل سياسي ينهي الصراع ويحافظ على وحدة سورية وكيان الدولة عبر حوار سوري سوري يتم بين أطراف المعارضة أولاً ثم بينها وبين النظام في موسكو. وتمثلت هذه التحركات في زيارات مكوكية قام بها السيد بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي والمسؤول عن الملف السوري إلى دمشق وطهران واسطنبول وبيروت، واجتماعات مع الائتلاف وبعض قوى وشخصيات المعارضة الداخلية والخارجية في موسكو واسطنبول ودمشق. وتزامنت هذه التحركات مع مبادرة منخفضة السقف يقوم بها مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي مستورا تتضمن اقتراحاً بتجميد القتال ابتداءً من مدينة حلب مما يمثل تراجعاً كبيراً عن مبادئ بيان جنيف في حزيران 2012 ونقاط كوفي عنان الست الشهيرة؛ الأمر الذي اعتبرته أوساط الائتلاف وكذلك الفصائل المقاتلة فخاً يؤدي إلى الاعتراف بنظام الأسد والقبول بنمط الهدن التي أجراها ويسعى إليها في مناطق القتال الساخنة. وكان لافتاً ترحيب إيران بالخطة الروسية وقبولها بالحل السياسي الذي تسعى إلى تحقيقه مما يؤشر إلى اقتناع حليفي النظام الأساسيين بوصوله إلى حافة النهاية ومن ثم ضرورة إيجاد مخرج إنقاذ ملائم، كما أن النظام ذاته أبدى قبوله للأفكار الروسية واستعداده لحضور اجتماع موسكو (التشاوري) مع المعارضة. وتتويجاً لهذه التحركات حددت الإدارة الروسية تاريخ 22 ك2 / يناير 2015 موعداً للقاء الأولي الذي يجمع أطراف المعارضة في موسكو.

ومن الواضح أن روسيا تريد من خلال هذه التحركات العودة إلى الساحة الدولية وتأكيد دورها بعد الانتكاسة الكبيرة التي لحقت بها بعد أحداث اوكرانيا والعقوبات الغربية التي فرضت عليها وألحقت – إضافة إلى انهيار أسعار النفط – باقتصادها أضراراً بالغة، وكذلك بعد تهميشها دولياً بعد قيام التحالف الدولي ضد داعش دون مشاركتها ؛ وخشيتها أن تمتد الضربات لتطال حليفها في دمشق وبالتالي خروجها من مولد المنطقة خاوية الوفاض. ولهذا استغلت تركيز الولايات المتحدة التي تقود هذا التحالف على العراق وتجميدها الموضوع السوري وعدم تلبيتها لمطالب المعارضة السورية بالدعم لاتقاء ضربات النظام ورفع مقدرتها القتالية لتواجه داعش إضافة إلى ذلك كما هو مفترض، استغلت هذا الوضع لتبدو الوسيط الملائم لكلا الطرفين: النظام والمعارضة، والمتاح في ظل العزوف الأمريكي والتراجع الدولي إزاء المعضلة السورية.

من خلال المعطيات التي سبق ذكرها ومن خلال ما نعرفه عن حقيقة الدور الروسي في الصراع المحتدم على الأرض السورية فإن هذه اللقاءات التي تخطط لها روسيا لن تكون بحال من الأحوال لصالح قوى الثورة والمعارضة السورية ولن تقدم ما يفيد من أجل تحقيق المطالب التي ثار الشعب السوري من أجلها، وذلك للأسباب التالية:

أن روسيا لا يمكن اعتبارها طرفاً محايداً بسبب انغماسها الكامل إلى جانب النظام، وهي في كل لقاءات مع أطراف المعارضة تؤكد على موقفها المنحاز، وهي لم تغير موقفها حتى وهي تطلق هذه المبادرة، وهذا ما أكدته تصريحات بوغدانوف بأن بشار الأسد رئيس شرعي عبر انتخابات شرعية!..

أن مقولة عقد الحوار بين المعارضة والنظام دون شروط مسبقة التي تروج لها موسكو هي في الحقيقة حوار في ظل شروط النظام الذي هو مستمر في قصف مناطق الثوار بالبراميل المتفجرة وفي حصار تلك المناطق وتجويع أهلها!..

أن الأهداف المطروحة لهذه اللقاءات هو البحث في إشراك المعارضة في حكومة النظام وبالتالي نسف مبادئ جنيف1 التي تنص على تشكيل جسم حكومي كامل الصلاحيات يحقق تغيير النظام الحالي إلى نظام ديموقراطي يحقق تطلعات الشعب السوري.

أن الحل السياسي المطلوب يتضمن ضمانات دولية تتشارك فيها كل القوى الدولية وتشرف عليها الأمم المتحدة، ولا يمكن أن يتحقق أو يتم ضمانه برعاية طرف دولي منفرد؛ فكيف إذا هذا الطرف الدولي منحازاً كما هو الحال مع روسيا !,,

والغريب في الأمر أن روسيا ذاتها وعبر تصريحات السيد بوغدانوف، لا تعول كثيراً على هذه اللقاءات ولا تتوقع نتائج ملموسة لها؛ فما الذي تريده روسيا إذن من هذه التحركات؟.. بالطبع هناك غايات لا تخفى على الفاحص المدقق، يمكن أن نجملها فيما يلي:

إعادة تأهيل النظام دولياً وتقديمه كشريك مطلوب في الحرب على الإرهاب، وهو الطرح الذي طالما أكدته حتى في مفاوضات جنيف2 حينما ركزت على قضية الإرهاب كأولوية.

حرف الحل المطلوب من تغيير للنظام إلى تجميل له بمن يقبل من المعارضة المشاركة في ذلك، وبالتالي إنقاذ حليفها من السقوط الذي بدأت مؤشراته تلوح.

بث روح اليأس لدى قوى الثورة والمعارضة من خلال الترويج لانسداد الحلول والتهويل بخطر داعش وتعاظم المنظمات الإرهابية.

زرع البلبلة والانقسام بين قوى المعارضة بين قابل ورافض للأفكار الروسية وبين مشارك ومعارض للقاءات المزمع عقدها.

وبالطبع يثور سؤال مشروع: إذا كانت المفاوضات في موسكو غير مجدية ولا توصل إلى حل، بل هي فخ منصوب فما الحل؟..

الجواب يكمن في مفاوضات قائمة على أسس سبق أن اعتمدها المجتمع الدولي في بيان جنيف1 – الذي وقعته روسيا ذاتها – وتم تضمينه في قرار لمجلس الأمن، وتحت رعاية دولية وقادرة على ايصال السوريين إلى حل يقبلونه، مفاوضات كالتي تمت في جنيف2 التي رفضها النظام والتي كانت تهدف إلى تكوين سلطة انتقالية كاملة الصلاحيات لا تضم من تلطخت يداه بدم المدنيين، تحضر البلاد لإقامة نظام ديمقراطي بديل للنظام الديكتاتوري القائم.

إن أية جهة تروج للتفاوض على غير هذه الأسس وغير هذه الشروط، وتلتف عليها، لا تسعى للحل، وإنما إلى كسب الوقت بانتظار الايقاع بالمعارضة وإضعافها والقضاء عليها.

د. خالد الناصر

عضو الهيئة السياسية

الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية