لماذا يفشل حزب الله في التعرّف على الثورة السورية

لماذا يفشل حزب الله في التعرّف على

الثورة السورية الناشئة في جواره؟

خالد حمزه – إخوان ويب

ليس كل حزب ثوري يمتلك المناعة ضد التحرك اللاثوري في لحظة معينة. هل يمكن أن يفشل حزب أو جماعة أو تنظيم عقائدي وتحريري وثوري في التعرف علي ثورة موازية ومكمّلة ومكافئة ومساندة لقضاياه تشتعل في الجوار المباشر له؟ الجواب لهذا السؤال هو نعم في حالة حزب الله اللبناني بالنظر إلي فشله التام في التعرف علي الثورة التحريرية السورية المشتعلة منذ شهور بجواره. الأسباب لهذا الفشل كثيرة ومتعددة.

أول الأسباب هو أن حزب الله لم يجعل خيار المقاومة خياراً تحريرياً شاملاً بما يتجاوز الحالة المذهبية والطائفية إلي أفق عربي وإسلامي وعالمي وإنساني شامل. وحزب الله معذور في هذا لأنه ليس مفجّر ثورة خاصة به، بل يري نفسه امتداداً لثورة أخري ووكيلاً عنها هي الثورة الإيرانية، التي ربما كان التلاقي المذهبي بينها وبين حزب الله عاملاً أهم في دعمها لهذا الحزب وهذا التنظيم أكثر من اهتمامها بتحرير لبنان أو مواجهة إسرائيل.

ثاني الأسباب هو ابتلاع حزب الله – ومعه آخرون كثيرون – للطُعم المخادع الذي يلقيه الصيّاد السورى بشّار الأسد (والذي ألقاه من قبل صدام حسين وحتى القذّافي) بأنه مع المقاومة وأنه داعم لها – رغم أنه لا يحرّك أيّاً من قواته إلا لضرب المدن والبلدات السورية لقمع الثورة التحريرية الناشئة. هذه الأزمة الناشئة عن ابتلاع هذا الطُعم والتحرك دون التحقق من كون نظام الحكم السوري كيان مقاومة أم لا جعل حزب الله يرتبط عضوياً بنظام له توافقاته السرية وتوازناته المحسوبة مع كل الحكومات الإسرائيلية طوال نصف قرن رغم إدعائه بالمقاومة.

ثالث الأسباب هو العلاقة بين تنظيم حزب الله ونظم الحكم وليس الشعوب. والسبب في هذه الأزمة هو ارتباط حزب الله بنظام حكم، الذي هو النظام الإيراني، وارتباطه الآخر بنظام حكم في سوريا متحالف مع النظام الإيراني، ثم حركته كتنظيم يريد أن تكون له حصة في نظام الحكم اللبناني ما بعد الطائف (باعتباره وريثاً إلي حدٍ ما لحركة "أمل" الشيعية في العبير عن الجنوب اللبناني والشيعة اللبنانيين). إن هذا الوضع – بالطبع – لن يسمح لحزب الله أن يملك الأذن التي تصغي للشعب السوري وهو يطلب الحرية – التي ستعطيه الحق المشروع في المقاومة الفعلية (وليس اللفظية) ضد إسرائيل – حيث الشباب السوريون يهتفون ويطالب الأسد الذي لم يطلق رصاصة مقاومة واحدة علي الاحتلال الإسرائيلي في الجولان بأن يوجّه مدافعه ودبابته تجاه تحرير الأرض السورية المحتلة وليس قتل السوريين المتظاهرين السلميين واحتلال الأراضي السورية.

رابع الأسباب هو عدم قدرة حزب الله علي القياس والمقارنة بين ضحايا الغزو الإسرائيلي للبنان طوال مراحل عديدة وضحايا محاولات احتلال الجيش السوري وأنصاره من الشبّيحة للأراضي والبلدات السورية. لقد فاق عدد ضحايا نظام حكم بشّار الأسد في الشهور الستة الأخيرة كل أعداد ضحايا العدوان الإسرائيلي علي لبنان في سنوات. إن الأمر يبدو وكأن الجيش السوري قد حصل علي تفويض من الجيش الإسرائيلي بالتدمير والقتل واحتلال باقي المناطق السورية التي لم تحتلها القوات الإسرائيلية. الأزمة هي أن حزب الله – علي ذكائه السياسي الشديد ورغم خبرته السياسية – يريد أن يصدّق – بل ويدعم – أكاذيب الإعلام السوري الذي يتحدث عن جماعات مسلّحة يقوم جيش حُماة الديار السوري بتطهير البلاد منها.

خامس الأسباب هو أن حزب الله صار يتحرك في إطار من لا يعتبر نفسه جزءاً من الإطار والكيان الأوسع لحركات المقاومة ضد إسرائيل في المنطقة. لهذا السبب، حزب الله قد فشل حتى الآن في دراسة وفهم وتحليل مواقف حركات المقاومة الأخرى - داخل سوريا وخارجها – من نظام الحكم القمعي السوري وممارساته الحالية. إن هذه الحركات – ومنها حماس والجهاد الإسلامي وفصائل فلسطينية أخرى – قد امتنعت عن دعم أو تبرير ممارسات نظام حكم بشّار الأسد منذ بداية حركة الاحتجاج في الشارع السوري. ولذلك من الغريب أن حزب الله لا يلتفت إلي هذه المفارقة بين موقفه ومواقف حركات إسلامية ومقاومة أخري. ربما هذا لأن حزب الله بفضّل تغليب الانتماء المذهبي والارتباط الخارجي بإيران بدلاً من العمل من خلال انتماء للمقاومة ذات الجذر العربي الإسلامي الإنساني العالمي الأوسع الذي يري المقاومة حقاً مشروعاً للشعوب، حتى ضد نظم الحكم التي تدّعي المقاومة ولا تمارسها وتحرم شعوبها من ممارستها.

سادس الأسباب هو أن حزب الله لا يقرأ حالة الثورات العربية الراهنة من حيث هي ثورات تحررية ضد القهر والقمع والتسلّط، وتحريرية ضد الهيمنة والاحتلال والتبعية للخارج. حزب الله ربما يعتقد أن كل ثورة ليست علي نمط وشكل الثورة الإيرانية هي ليست ثورة. وربما حزب الله أو بعض قياداته تريد أن تخدع نفسها وتتصور أن النظام الحاكم في سوريا هم نظام ثوري – وربما إسلامي – لأن له صلة ما بإيران، رغم أن البعث السوري لا يختلف كثيراً عن البعث العراقي الذي حاربته الثورة الإيرانية طوال الثمانينيات. حزب الله بالقطع يفشل في رؤية كيف أن بشّار الأسد ما هو إلا صورة طبق الأصل من صدّام حسين، بل أسوأ.

لهذه الأسباب كان هذا الفشل من جانب حزب الله في أن يتعرّف علي عناصر ومقوّمات الثورة التحريرية السورية، فهل سوف يستمر هذا الفشل؟ ندعو الله ألا يكون هذا.