مشكلة العرب مع ال US AID

صلاح حميدة

[email protected]

ثارت ضجة كبيرة حول الأزمة المندلعة بين المجلس العسكري المصري مع وكالة المساعدات الأمريكية، حول دعمها لأطراف سياسية مصرية بملايين الدّولارات بعد الثّورة، وتمّ فتح تحقيق واسع حول تلك النشاطات وأهدافها، وذكر أنّ رئيس فرع الوكالة في مصر قد غادر القاهرة احتجاجاً على ذلك التّحقيق، واعتبره إعاقةً لنشاطات الوكالة الأمريكية التي تهدف لمساعدة المصريين، فيما يصر المجلس العسكري على التّحقيق، ومعرفة أبعاد الإنفاق المالي لتلك الهيئة، وأهدافها الخفيّة التي تقبع خلف الواجهة الإنسانيّة الإغاثيّة.

بالتّزامن مع الأزمة مع الوكالة الأمريكيّة في مصر، تدور رحى أزمة أخرى في قطاع غزّة بين تلك الوكالة وبين الحكومة الفلسطينيّة هناك، وتتلخّص تلك الأزمة حول رفض الوكالة إماطة اللثام عن حساباتها وسبل إنفاقها وأهداف ذلك الإنفاق، والأطراف التي تتقاضى تلك الأموال، وهذا مخالف للقانون الفلسطيني أوّلاً، وعدم اعتراف بالحكومة الفلسطينية التي فازت بثقة الجمهور الفلسطيني بالانتخابات وأجيزت من قبل البرلمان المنتخب، وفي هذا تجاهل وإهانة وابتزاز واضح، فضلاً عن محاولة إثارة زوبعة إعلاميّة حتّى يتمّ التّغاضي عن أصل المشكلة، وهي الكشف عن الأهداف الخفيّة للنّشاط ( الخيري) في قطاع غزّة.

من المعروف أنّ وكالات المخابرات الاجنبية والعربيّة والأجنبيّة لا تعمل في البلدان الأخرى تحت يافطة ( أنا مخابرات) وكل تلك الأجهزة تعمل على تغطية نشاطاتها تحت لافتات صحفيّة وخيريّة واقتصاديّة وخلافه، ويعتبر العمل الخيري أحد أهمّ وأخطر تلك الأغطية التي تستخدمها المخابرات الغربيّة في اختراق المجتمعات العربيّة- والفلسطينيّة على وجه خاص- وبمطالعة بسيطة لحجم نشاطات تلك الوكالات الاجنبيّة من السّهل اكتشاف الكثير من المشاهد خلف السّتار.

فهذه الوكالات لها نشاطات واسعة في أغلب دول العالم، وهي ذات تنظيم دقيق وفعّال، و لها إمكانيّات ماليّة غير محدودة، و تسعى لاختيار من يعملون معها بدقّة متناهية وبعد مسح أمني مستفيض، و تحاط مقرّاتها بسرّيّة كاملة وحماية أمنيّة مشدّدة، ويعمّم على العاملين فيها أن لا يفصحوا عن طبيعة عملهم، وتجدهم ينفقون عشرات الملايين في قضايا قد تستغرب هدفها، فيما يحجمون عن المساعدة في قضايا ملحّة، يعملون تحت لافتة اختصاصيّة في قضايا بينما عملهم الحقيقي على الأرض متناقض تماماً مع لافتة عملهم الخارجي، يستهدفون في نشاطاتهم المناطق الجغرافيّة والسّكانيّة التي تشهد الأحداث السّاخنة على مستوى الأمّة مثل فلسطين ومصر وغيرها، أينما ذهبت تجدهم يدخلون ويدقّقون ويسألون ويستفسرون، حتّى ذكر بعض النّاس في إحدى المحافظات الفلسطينيّة أنّ عناصر ( وكالة إغاثيّة أجنبيّة) كانوا يحرصون على رسم تفصيلي لبيوتهم ومساحتها ومعرفة كم عدد أفراد الأسرة وأسمائهم واعمارهم وعملهم وأين ينام كل واحد منهم...؟!.

لا أعلم إن كانت أزمة الوكالة الأمريكية في قطاع غزّة ومصر جاءت مصادفةً، ولكن الغريب أنّها تشترك في حرص تلك الوكالة على تجاهل السّيادة و الواقع السياسي في المنطقتين،  ففي قطاع غزّة تتصرّف على أساس تجاهل من فاز بالانتخابات من الحركة الاسلاميّة، وفي مصر تسعى لدعم أطراف ماليّاً وإعلاميّاً لتحجيم نفوذ وقدرة الإسلاميين على اكتساح الانتخابات والفوز وحكم مصر، وفي الحالتين تتّصف الوكالة بغرور واستعلائيّة واضحة تجاه مؤسّسة الحكم بافتعالها أزمة سياسية وإعلاميّة لابتزاز الطّرفين تحت لافتة حجب المساعدات، كما يلحظ تجنيد الوكالة لأطراف بعينها- مستفيدة منها- لمهاجمة الأطراف التي تسعى لجعل نشاطات تلك الوكالة خاضعة للقانون والشّفافيّة، فما دامت نشاطات الوكالة ذات أهداف خيرية - كما تدّعي- فلماذا ترفض إخضاع نشاطاتها للقانون المحلّي في مصر وقطاع غزّة.

من الغباء والسّطحيّة التّماهي مع الدّعاية التي تقوم بها تلك الوكالة، فهذه الوكالات المخابراتيّة تهدف للقضاء على مكامن القوّة في مجتمعاتنا، وهي أطراف معادية لطموحات وآمال شعوبنا، وتركها تعمل كما تريد يفتح أمامها الطّريق لاختراق مجتمعاتنا وتحطيمها، و قد تكون هذه الأزمة منحت فرصة للتّخلّص من عبء الإبتزاز المالي الغربي المسلّط على رقابنا، وأن يقال لهم لا أفضل ألف مرّة من طأطأة الرّأس وقبول تركهم ينهشون الجسد السّياسي والإجتماعي والتّعليمي والإعلامي العربي كما يشاؤون.