هل تحقق حرب النفط ماعجزت عنه السياسة

بدر الدين حسن قربي

هل تحقق حرب النفط

ماعجزت عنه السياسة

بدر الدين حسن قربي /سوريا

[email protected]

لم يعد خافياً أن حرباً عالمية نصف ساخنة تدور رحاها الآن في أسواق النفط والبورصات العالمية بين دول كبرى مسيطرة على السوق فيما بينها، يمكن أن تقود إلى أزمة اقتصادية كبرى لعدد من الدول إقليمياً وعالمياً، تكون بمثابة ارتدادات سياسية للتدخلات والتحالفات الإيرانية والروسية لما هو حاصل في سوريا وأوكرانيا تحديداً، وكأنه يراد للاقتصاد أن يحقق ماعجزت عنه السياسة لتليين مواقف داعمي الأسد ولجم طموحاتهم الإقليمية.

تتجة الأنظار إلى أن السعودية هي رأس الحربة فيما هو حاصل باعتبار قوتها وتأثيرها على السوق النفطي العالمي، واعتبار تعاطيها مع السوق بمثابة المؤامرة المتفق عليها مع الأمريكيين لأهداف سياسية عجزوا عن تحقيقها. فقبل أيام ذهب الرئيس روحاني مغاضباً بأن هبوط أسعار النفط العالمية ليس مسألة اقتصادية فحسب، بل هو ناجم عن مؤامرة وخطة سياسية لبعض دول المنطقة، ومثله قول نائبه إسحاق جهانكیري بأنها ليست قضية طبيعة ولا يمكن أن تكون ناتجة عن العرض والطلب مخاطباً دول المنطقة (الخليج) أن تُقلع عن مؤامراتها. وبمثل الإثنين قال بوتين: قد يكون هناك اتفاق بين السعودية وأمريكا لخفض أسعار النفط لمعاقبة إيران والإضرار بروسيا وفنزويلا، بل حتى الجزائر على لسان عمار سعداني الأمين العام لحزب جبهة التحرير، اتهمت السعودية بالمشاركة فيما سماها مؤامرة غربية لتركيع روسيا وفنزويلا ونيجيريا وإيران والجزائر من خلال تخفيض الأسعار بهدف تجويع شعوبها.

وإنما لو تركنا التصريحات إلى الأرقام فهي تشير إلى خطورة المعركة الدائرة أيضاً، فَقَدْ خسر برميل النفط نصف قيمته ابتداءً من حزيران/يونيو العام الحالي التي كانت 115 دولاراً وهو اليوم دون الستين، بل ومرشح لما دون الأربعين دولاراً. وهو هبوط انعكس على سعر صرف الروبل الروسي أمام الدولار واليورو فوصل أدنى مستوياته، حيث تجاوز سعر صرف الدولار مستوى 75 روبلًا بعد أن كان عند مستوى 34 روبلًا في بداية العام الحالي مما يمكن اعتباره مقدمة السقوط. أما على الصعيد الإيراني، فقد تضافر هبوط الأسعار مع إجراءات الحظر الاقتصادية مما يعني بالأرقام نقص في دخل الميزانية الإيرانية يقدّر بأكثر من خمسة مليارات شهرياً. وهي مُخْرَجات تعتبر بمثابة ضربة موجعة جداً للجميع بما فيها السعودية والتي هي أقلهم ألماً، بسبب ماتملكه من احتياطي هائلٍ من الدولار، المكشوف منه للإعلام هو 750 مليار، والذي يمكن أن تتحمل معه عدداً من السنين مع هذه الحرب، على خلاف الروس والإيرانيين الذين احتسبوا ميزانياتهم وصرفهم لسنوات قادمات على أساس سعر وسطي هو مئة دولار للبرميل.

يبدو أن حرب الأسعار النفطية ماضية ومرشحة لتطورات خطيرة، فهبوط الروبل إلى النصف خلال أسبوعين تقريباً ضربة فنية وأليمة للاقتصاد الروسي رغم كل محاولات المعالجة والإسعاف، وكذلك الخسارة الإيرانية الضخمة لملياراتٍ يمكن أن تضخها في دعم النظام السوري وبراميله وتدخلاتها في لبنان واليمن. وعليه، فهل يسكت الروس العنيدون أو يفكّرون بقلب الطاولة وما عليها لأنهم تحديداً أمام نتائج أحلاها شديد المرارة، ومثلهم نظام الملالي الذي يتهدد ويتوعد على الدوام من يسميهم المتآمرين على خط مقاومته وممانعته، أم هل يبلع الطرفان خسارتهم ومكابرتهم ويتفهمون تعديل مواقفهم، ويستفيدون من نصيحةٍ قالها غورباتشوف آخر رؤساء الاتحاد السوفيتي مخاطباً الرئيس بوتين: لا تركب رأسك، فإن هذا ماخرب حياتي، ومخاطباً حضور إطلاق كتابه: بعد الكرملين قبل أقل من شهر: إن بوتين أصيب بالمرض نفسه الذي أصابني في وقت سابق، وهو الثقة الزائدة بالنفس، إنه يعتقد أنه بمرتبة لايعلو عليها إلا الله وحده..!

يبدو أن لا أحداً منهم يستمع، لا بوتين ولا غيره من حلفائه القامعين والديكتاتوريين من الملالي وغيرهم، لأن جميعهم يخوضون في مستنقع قتل السوريين وتشريدهم وتخريب ديارهم، مما لايمكن معه أن يخرجوا دون دفع الأثمان الباهظة لطموحاتٍ ظنوا أن تحقيقها يكون بدعم حليف لهم، قامعٍ ديكتاتوري مجرم، أوغل في الدم وتوحش في قتل شعبه وتشريده وتخريب دياره.