اختطاف حزب

د. ضرغام الدباغ

في خضم الأمواج العالية التي تضرب سوريا ... يتساءل الكثيرون، أين حزب البعث من هذه الثورة التي أصطبغ زبد أمواجها بالدماء، كما لم يحدث في تاريخ سوريا حتى أبان الثورة الوطنية ضد الاحتلال الفرنسي .. ماذا عن الحزب ..؟

عندما شيد العقل البشري عام 1912 تحفة تمثلت بالباخرة تيتانيك، التي وصفها قبطانها، بأنها السفينة التي لا يقوى حتى القدر على إغراقها، لكن لم يكن القدر وحده بالمرصاد لهذه السفينة، بل وأيضاً عندما أجتمع 36 خطأ بشري، وبتسلسل رهيب أدى لأن ترقد في قعر المحيط الأطلسي في كارثة حتى يمكن أن نؤشر أن  غرقها كان لأسباب أخطاء بشرية أكثر مما هي تكنولوجية.

ترى هل يغرق البعث / سوريا وقد تجمعت أسباب غرقه في عاصفة الثورة السورية ليصبح أمثولة في ضياع حزب كان يمثل يوماً أمل الجماهير العربية، ولكن أيضاً في عقود طويلة من ألتغافل والتعامي عن أخطاء تراكمت، ليبلغ تراكمها لأن يتحول الحزب في سورية من حلم الشعب والثورة إلى أداة تشرع للطغيان والدكتاتورية وقمع الشعب وآماله....؟

الحزب ببساطة شديدة، قد تعرض لاختطاف، وبعض البعثيين شاركوا في عملية الاختطاف هذه بنوايا مختلفة، ولكن لدى الأغلب فيها كان سليماً، بهدف أعتبر وقته نضالاً ثورياً، ليتقدم الحزب كطليعة المناضلين من أجل الشعب والوطن والأمة، ولكن ويا للأسف كان هناك من يخطط لاستدراج الحزب لأن يغادر قلاعه ويخرج للعراء متجرداً من أخلاقياته التي أشتهر بها، ليسهل بالتالي أسره واختطافه، ومن ثم ليؤخذ كرهينة.

فبعد أن امتهنت شرعية النظام الداخلي للحزب، تواصلت دونما توقف سياسة الاستدراج حتى بلغ السيل أقصاه في مصادرة الديمقراطية وتقاليدها داخل الحزب، وتناسوا التقاليد الثورية، فشاعت ظواهر الأستزلام، والاكتساب، والولاءات المزدوجة، والتعاون مع الأجهزة، حتى ابتلعت الأجهزة الحزب، وبلغ الحال بالحزب أن يكون حارساً ومصداً لأفراد، وأصبح الحزب تابعاً للأجهزة، بل أن الأجهزة جعلت من الحزب السوط الذي يلهب ظهور الجماهير، ومناضليه أصبحوا مخبرين، حتى صارت قضية البعثي أن يحافظ على مواقعه الوظيفية، ويحسن مستوى معيشته، بل أن يطورها، وصار الفصل من الحزب بل صار السجن مصير من يكتشف عواقب الانحدار، فينأى بنفسه عن إنهاء الحزب ودوره الحقيقي بين الجماهير.

ودارت عمليات تدجين، أندغم فيها البعض طائعين مختارين، وآخرون مرغمون، والتهمت السجون الكثير من مناضليه وقياداته، وكل من أدرك مفردات هذه العملية التي يتعرض لها الحزب دون هوادة، وبحق يمكننا القول، أن البعث كان أول المضطهدين على يد الديكتاتورية، التي مضت بالحزب إلى ما لا علاقة له بالحزب، وصار الأمر محض مصالح شخصية وعائلية فحسب.

باختصار نطلق على مآل هذه العملية برمتها اختطاف، فالظواهر غير البعثية تطورت، ونمت الطحالب والطفيليات على كيان الحزب من الأعلى إلى الأسفل ومن الأسفل إلى الأعلى، وتنامت غابة من المصالح غير الشرعية التي أنهت بصفة شبه كلية الملامح الوطنية والقومية للحزب، ليصبح حزب سلطة، وما الحزب إلا وسيلة أو آله يمتطيها الأفراد للبقاء في دست الحكم لا أكثر ولا أقل، قطعة من ديكور لمستلزمات حكم طغياني، واليوم عندما يتطلع كل بعثي أصيل إلى الوراء، ليشاهد وليقيم بكل بساطة المقارنة بين مقررات المؤتمر القومي السادس عما بلغ إليه الحزب اليوم في سورية من درجات الانحدار، سيدرك أنه يعيش حالة اختطاف وإنه رهينة بين الرهائن.

جماهير الشعب تدرك أن الحزب قد أختطف ويستخدم اليوم كبوابة للحكم تشرع للطغيان، وأعضاؤه كرهائن وكدروع بشرية / سياسية للدفاع عن مصالح شخصية، لذلك لا تهتف الجماهير في شعاراتها ضده، حزب البعث العربي الاشتراكي..... تعلم أن الحزب يعيش حالة اختطاف، ما هو إلا هيكل تقليدي،  فحزب الوحدة العربية والحرية والعدالة الاجتماعية، لن يكون أداة لقمع الشعب، البعثيون هم مناضلون من أجل الشعب وليسوا عناصر أمن ومخابرات، وليسوا جيوش من العاطلين عن العمل يعملون كمخبرين لدى الأجهزة.

أيها البعثيون الشرفاء كونوا في اللحظة التاريخية مع شعبكم فلن تضلوا أبداً، أيها البعثيون التحموا مع الشعب في لحمة أبدية...... تحرزون فيها شرفاً ما بعده من شرف.

ــــــــــــــــــــ

جزء من مقابلة مع إحدى الفضائيات العربية بتاريخ 1 / حزيران / 2011