إلى بشار الأسد

عبد الرحيم صادقي

[email protected]

أما بعد،

فلن أسألك عما اقترف أبوك السفاح. لن أسألك عن جرائمه التي يشيب لها الولدان. لن أذكِّركَ بدماء حَماة الزكية. لن أذكرك برصاصات خمسٍ اخترقت جسدَ "بنان" الطاهر، فإنه لا تزرُ وازرة وزرَ أخرى. لن أسألك عن سقوط القنيطرة. لن أحدثك حديثا ترِقُّ له القلوب وتجري العَبَرات، فما لي في قلبٍ اكتنفهُ الرَّان رَجِيَّة، ولا لي في هيكلٍ يدبُّ بلا روح أمل. وما يُرْتَجى مِمَّن طُبِع على قلبه؟ لن أعظك ولستُ في مقام الوعظ ولا أنا أهلٌ لذلك. لن أذكِّرَك بإمام عادل يُظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلُّه. لن أذكرك ببَغلة عمر، وأين أنت من بَرى يطؤه عمر؟ لن أذكرك بعاقبة الظلم والظالمين، ولن أُرَهِّبَك بدعوة المظلوم التي ليس بينها وبين الله حجاب. لن أذكرك بأن ربَّ العزة والجبروت حرَّم الظلم على نفسه وهو القادر عليه.

لن أسألك عن ضحكاتِ أبلَه ودمُ درعا مُهْرَاق، بينما القومُ في مُكاء وتصدية. وأي خير يُبتغى من نُواب العار والمذلة؟ وماذا عسى بطانة السوء تُحسِن؟ لن أتساءل عن تبسُّمِ الأسد فإني أعلم علم اليقين أن الأسد لا يتبسَّم حين يكشر عن أنيابه، وإنما هي بسمة المحتال الخسيس، تأهبا لافتراس وأي افتراس! لن أسألكَ عن خبرِ الدستور المُعَدَّل كَيْمَا يَحكمَ الرئيسُ ابنُ الرئيس.

وإنما أسألُك يا ابن التراب عن حمزة الخطيب: بأي ذنب قتل؟ أستغفر الله، هل كان قتلا؟ معاذ الله! فما كان أهونَ القتل على ذي الثلاثة عشر ربيعا! وكيف يكون قتلا وقد خُرِّبَ الجسد الغضُّ تخريبا؟ كيف وقد انتُزع الجلدُ انتزاعا؟ كيف والكَيُّ لم يدَعْ قدرَ أنملة من لحمٍ إلاَّ وَشمَه؟ كيف يكون قتلا وقد انتشى القاتل من طقطقة رقبةٍ طريَّة؟ أي قتل هذا الذي يلهو فيه سادٍ بقطع ذَكَرِ صَبِيّ؟ يا الله يا الله!

تُراك ماذا كنتَ تقول يا حمزة والسفاحون يعبثون بجسدك ؟ أوَكنتَ تبكي يا حمزة؟ أكنت تصرخ؟ كم مرة تأوَّهْتَ يا حمزة؟ أرَجوْتَهُم أن يُجْهِزوا عليك؟ لِمَ لَم يفعلوا إذن؟ لكن أكانوا بشراً يا حمزة؟ أأنت على يقين من ذلك؟ لكن مهلا! أيَّ جُرْم اقترفتَه أيها الصبيُّ اللُّعَبَة؟ ماذا قلتَ وما فعلت؟ وماذا كان معك من سلاح؟ أهدَّدْت أمْنَ البلد حقا؟ أوكان لك أتباع ومريدون؟ أتكون قد هدَّدْتَهُم بتحرير الجولان؟ أقُمْتَ فيهم خطيبا حامدا اللهَ مُثنياً عليه، تمدحُ العدلَ والكرامة وتقول: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ ماذا تُراهم كشفوا من نواياك البريئة؟ ولِمَ أرْعَدَتْهُم أحلامُك الصغيرة؟ أيها الشهيد الصغير بالله عليك بأيِّ ذنب قُتِلْت؟ لماذا جعلَك القَتَلَةُ مُثْلَة؟

ألا ما أهون القتل! ألا ما أهون القتل! كانوا الرحماءَ لو قتلوك! كانوا الطيبين لو رَعَوْا لهَفَ الأمومة فاقتطعوا فلذةَ الكبد بأبخسِ رحمةٍ نزلتْ على هذه الأرض وأقلِّ رِفقٍ عرفته البريَّة! لكنهم لم يفعلوا ذلك. فلا رعَوْا حرمةً ولا حاك شيءٌ في أنفسهم ولا كرِهوا أن يطَّلِعَ عليه الناس. فلَكِ الله يا أم الشهيد! لكِ الله! لك الله!  

أما أنت يا حمزة، فنَمْ قريرَ العين! طِبْ نفساً أيها الشهيد! ولا تأسفَنَّ على دُنيا الأوغاد أيها الولد! وانظرْ أمامك يا حمزةُ فإن سيد الشهداء يناديك! ها قد مَدَّ حمزة يديه إليك فَالْقِ بنفسك يا حمزةُ في حضنه! وانْعَمِ الآن بجوار ابن عبد المطلب وارْتَوِ يا حمزةُ من حوض ابن أخيه عليه السلام، فإنك لن تظمأ بعد الآن ولن يمسَّك قرح بعد اليوم!

وأما أنت يا بشارُ فأبشرْ بنقمةِ الجبار! فوالله الذي لا إله إلا هو لن يذهب دَمُ حمزة هَدَرا.